في ديسمبر الماضي، ذكرت وسائل الإعلام أننا رصدنا إشارة مثيرة للاهتمام بواسطة مشروع بريك ثرو ليسن، وُجدت في بيانات التلسكوب الراديوي، أُطلق عليها BLC1، لا يبدو أن الإشارة ناتجة عن أي نشاط فيزيائي فلكي معروف، أو أي تداخل مألوف على الأرض. تمثلت المشكلة في أننا لم نستعد لمناقشة ما توصلنا إليه. عندما تبحث عن علامات للحياة خارج الفضاء، يجب أن تكون حذرًا جدًا قبل إصدار أي تصريح.
العام الماضي، بدأنا ننجز اختبارات تحقق ثانوية، ووُجد عدد كبير جدًا من الأسئلة التي لم نُجب عليها.
اليوم، نحن مستعدون لإعلان أن BLC1 ليست إشارة تدل على وجود حياة ذكية خارج الأرض، بل أن التشويش اللاسلكي قد خلق محاكاةً وثيقةً لنوع الإشارة التي كنا نبحث عنها، وقد أبلغنا عن نتائجنا في ورقتين في علم الفلك الطبيعي.
البحث عن التوهجات الشمسية وعلامات وجود الحياة
تبدأ قصة BLC1 في أبريل 2019، عندما بدأ أندرو زيك، طالب دكتوراه في جامعة سيدني آنذاك، بمراقبة النجم القريب بروكسيما سنتوري، باستعمال عدة تلسكوبات للبحث عن نشاط التوهج. يُعد بروكسيما سنتوري أقرب جار نجمي لنا، لكنه أقل وضوحًا من أن يُرى بالعين المجردة، ويقع على بُعد 4.22 سنة ضوئية.
تمثل التوهجات النجوم انفجارًا للطاقة والبلازما الساخنة التي قد تؤثر في الغلاف الجوي لأي كوكب في مسارها، ومن المرجح أن تدمره.
مع أن الشمس تنتج توهجات، فإنها ليست قوية أو متكررة كفاية لتعطل الحياة على الأرض. يعلمنا فهم كيفية وتوقيت اشتعال النجوم الكثير حول كون تلك الكواكب مناسبة للحياة عليها.
يستضيف بروكسيما سنتوري عددًا من الكواكب الخارجة، منها كوكب بحجم الأرض يُسمى بروكسيما سنتوري (ب). تشير ملاحظات أندرو إلى أن الكوكب يشهد جوًّا فضائيًّا عنيفًا.
لا يستبعد المناخ السيئ وجود الحياة في نظام بروكسيما سنتوري، إلا أنه يعني أيضًا أن سطح الكوكب ربما غير قابل للاستيطان.
مع ذلك، يظل بروكسيما سنتوري -بوصفه أقرب جيراننا- هدفًا مثيرًا للاهتمام للبحث عن الذكاء الخارجي. يُعد بروكسيما سنتوري من النجوم القليلة التي تمكننا زيارتها في عصرنا.
إذا افترضنا السفر بسرعة الضوء، تستغرق الرحلة ذات الاتجاهين 8.4 سنوات. لا يمكننا إرسال سفينة فضائية بهذه السرعة، لكن نأمل أن تصل آلة تصوير صغيرة بشراع خفيف إلى هناك في غضون 50 سنة وتعود حاملةً الصور،
لذلك ضممنا مجهوداتنا مع مجهودات أندرو زيك ومعاونيه، واستخدمنا تلسكوب باركس التابع لشركة سيرو، لإجراء عمليات الرصد بواسطة شركة سيتي، بالتوازي مع البحث عن نشاط التوهج.
مشروع صيفي مثير للاهتمام
ظننا أن البحث في هذه الملاحظات سيكون مشروعًا صيفيًا ممتازًا للطلبة. سنة 2020، انضم شين سميث، وهو طالب جامعي من كلية هيلسديل في ميشيغان، إلى برنامج بيركلي سيتي، لقراءة أبحاث الطلاب الجامعيين وبدء البحث في البيانات، وحين قارب مشروعه على الانتهاء، ظهر BLC1.
انبهر فريق بريكثرو ليسن بالإشارة المرصودة، لكن فكرة وجود حياة خارج كوكب الأرض وإثباتها ليست بالمهمة السهلة، بل هي عبء ثقيل للغاية، لذا لا نسمح لأنفسنا بالتحمس قبل تطبيق كل اختبار ممكن.
قادت طالبة الدكتوراه آنذاك صوفيا الشيخ تحليل BLC1، وأجرت مجموعة من الاختبارات العديدة، وكان أكثرها جديدًا.
وُجدت الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن BLC1 إشارة حقيقية على وجود التكنولوجيا خارج الأرض، ولهذا الاكتشاف خصائص كثيرة سنتطرق إليها تقنيًا.
لم نرصد BLC1 إلا بمراقبة بروكسيما سنتوري، ولم نره عندما بحثنا في مكان آخر -ما يُسمى عمليات الرصد خارج المصدر- إذ تُشاهد الإشارات المتداخلة عادةً في جميع الاتجاهات، متسللةً إلى جهاز استقبال التلسكوب.
لا تشغل الإشارة سوى نطاق ضيق واحد من الترددات، في حين أن الإشارات الواردة من النجوم أو غيرها من المصادر الفيزيائية الفلكية تحدث على نطاق أوسع بكثير.
تنحرف الإشارة ببطء في التردد على مدى 5 ساعات. من المتوقع حدوث انحراف ترددي لأي جهاز إرسال غير ثابت على سطح الأرض، لأن حركته بالنسبة إلينا ستسبب تأثير دوبلر.
استمرت الإشارة BLC1 عدة ساعات، ما جعلها مختلفة عن الإشارات الأخرى من الأقمار الاصطناعية أو الطائرات.
قادنا تحليل صوفيا إلى استنتاج أن BLC1 هو على الأرجح تداخل راديوي أرضي. وذلك بالبحث في كامل نطاق التردد لمستقبل باركس والعثور على إشارات مشابهة، ترتبط خصائصها رياضيًّا بـ BLC1.
على خلاف BLC1، تظهر الإشارات المشابهة في الملاحظات خارج المصدر، ومن ثم، فإن BLC1 مرتبط بالتداخل اللاسلكي.
ليست التقنية التي كنا نبحث عنها
لا نعرف بالضبط مصدر BLC1، أو لماذا لم يُكتشف في عمليات الرصد خارج المصدر مثل الإشارات المماثلة.
الاحتمال الأقوى أن BLC1 وشبيهاتها تأتي بواسطة عملية تسمى التضمين البيني، إذ يُمزج نوعان من الترددات معًا لخلق تداخل جديد.
إذا كنت قد استمعت إلى موسيقى البلوز أو عزف غيتار الروك، ربما تكون على دراية بالتضمين البيني، فعندما تغير صوت مكبر الصوت عمدًا، يضيف التضمين البيني تشويهًا ساخرًا لإشارة الغيتار الصافية.
بالمثل، قد يكون BLC1 مجرد تشوه لتردد راديوي ضخم.
بصرف النظر عن السبب، لم تكن تلك التقنية التي كنا نبحث عنها. لكنها تُعد دراسة ممتازة، إذ أظهرت أن أجهزة الرصد لدينا تعمل وتلتقط إشارات غير عادية.
يمثل بروكسيما سنتوري واحدًا من مئات المليارات من النجوم في درب التبانة، وللكشف عنها، علينا المحافظة على نشاطنا، وأن نواصل تحسين أدواتنا واختبارات التحقق، وأن ندرب الجيل القادم من علماء الفلك، الذين يمكنهم مواصلة البحث بواسطة الجيل القادم من التلسكوبات.
اقرأ أيضًا:
التقط مقراب هابل «العين» المذهلة لانفجار نجمي هائل
اكتشاف عدد من الأجسام بين النجمية التي يعتقد أنها تزور نظامنا الشمسي
ترجمة: فاطمة البجاوي
تدقيق: تسبيح علي