قد لا تكون البروتونات بالحجم الكبير الذي اعتقدناه مسبقًا تبعًا لنتائج تجربة فيزيائية دقيقة استمرت ثماني سنوات لتكتمل. يقول العلماء الآن أن قياساتنا السابقة لحجم البروتون كانت بعيدةً عن القياسات الحقيقية بنسبة 5% تقريبًا. قد لا يبدو هذا تصحيحًا كبيرًا، لكن لعلماء الفيزياء، بقيت أحجية البروتون المتقلص دون حل لسنوات.
في الحقيقة، كانت هذه المشكلة تزعج العلماء منذ اكتشاف طريقة جديدة للقياس، التي ألقت ظلًّا من الشك على الاكتشافات السابقة. يضع أحدث رقم -الذي توصل إليه فريق من الباحثين في كندا- نصف قطر البروتون في حدود ال 0.833 فيمتو متر. (الفيمتو متر =1×10−15). أصغر بقليل عن الرقم السابق 0.842، الذي حسبته تجربة عام 2010.
تحقيق هذه النتيجة لم يكن بالأمر السهل أيضًا. فقد خلط العلماء مزيجًا من الطرق من تجارب متعددة للتحديد لمرة واحدة وللأبد أيها الصحيح.
يقول عالم الفيزياء إيريك هيسيلز Eric Hessels من جامعة يورك York: «جعلت درجة الدقة المطلوبة لتحديد حجم البروتون هذا القياس من أصعب القياسات التي قام مختبرنا بتجربتها».
بعكس النماذج الذرية في كتبنا، فالبروتونات لا تشبه جسيمات كروية ملساء. ليس لدى البروتون سطح محدد، بل هو غيمة محددة من قبل الحد الأعلى لشحنتها الإيجابية.
لوضع مسافة معينة على امتداد هذا الحد، يمكن استخدام طريقة من اثنتين:
الأولى: إطلاق جسيمات مشحونة سلبيًا على نواة ذرات الهيدروجين ومراقبة كيف ترتد عنها. إذا أطلقت عددًا كافيًا من الإلكترونات ستكون قادرًا على تتبع نمط يظهر لك حدود الشحنة الإيجابية للبروتون. أُجريت هذه التجربة عدة مرات خلال سنوات، والأرقام تحوم حول نقطة الـ 0.88 فيمتو متر.
الثانية: طريقة أقل شراسةً، وتستند على كشف التغييرات في مستويات الطاقة لإلكترون أثناء دورانه حول بروتون.
بتعبيرٍ تطبيقي أكثر، تُبنى القياسات على الغموض الغريب لميكانيكا الكم، التي تقترح أن الجسيمات لا يكون لديها موقع محدد؛ هذا يعني أن الإلكترونات تجد نفسها في بعض الأحيان في منتصف قلب البروتون، منجذبةً بشكل متساوٍ من كل الأطراف.
حدّد واليس لامب Wallis Lamb الحائز على جائزة نوبل بتحديد كمية الاختلافات في حالات الطاقة عند الإلكترونات المتهيجة منذ 70 عامًا تقريبًا. وما تزال الطريقة التي استخدمها مفيدةً حتى يومنا هذا في تقدير نصف قطر البروتون.
تتناسب معظم القياسات القائمة على ما يسمى بانزياح لامب Lamb Shift مع بعضها البعض، لذلك قامت لجنة المعلومات للعلم والتكنولوجيا Committee on Data for Science and Technology بتحديد مسافة رسمية بقيمة 0.875 فيمتو متر.
على كل حال، “معظم” لا تعني “كل”، فتجربة عام 2010 فشلت حتى بالاقتراب من ذلك الرقم، وما تزال هذه الحقيقة مزعجةً حتى يومنا هذا.
من خلال استبدال الإلكترون بنظيره الثقيل الميون، تمضي الشحنة السالبة وقتًا أطول في مدار الهيدروجين مغموسةً في بروتونه، ما يزيد من دقة قياسات نصف قطره.
اقترحت زحزحة لام في هذا الشكل الغريب من الهيدروجين في تجربة عام 2010 أن نصف قطر البروتون أقل ب 4% من الرقم الرسمي.
للأسف، دقة الطريقة كانت أكبر من أن تُتجاهل. منذ ذلك الحين، أظهرت الكثير من التجارب المتكررة -التي تستخدم الميون- أرقامًا مماثلةً.
على خلفية هذه التجارب، بدأ هيسيلز وفريقه بتجربة طريقة زحزحة لام مرةً أخرى بالعودة إلى الإلكترون التقليدي. لكن هذه المرة استعملوا طريقةً جديدةً نسبيًا تسمى فوسوف FOSOF وهذا اختصار للحقول المتذبذبة للترددات الخارجة عن الخط frequency-offset separated oscillatory fields.
سمحت هذه الطريقة للفريق بأن يقوم بالتجربة بالدقة الهائلة المماثلة لطريقة الميون، لكن دون الميون. نتيجتهم كانت أقل بقليل عن نتيجة تجربة 2010، لكنها ما تزال في مجال قريب كفايةً ليقول لنا أننا نسير على إثر شيء ما.
يقول هيسيلز: «بعد ثماني سنوات من عملنا على هذه التجربة، نحن فرحون بتسجيل هذا القياس بدرجة الدقة العالية هذه، ما يساعد على حل أحجية نصف قطر البروتون صعب المنال».
كما يبدو من التجربة، النتيجة لا تعني وجود فيزياء جديدة وراء الاختلافات، لذلك علينا أن نستبعد التحديات لنموذج الفيزياء القياسي، لكن هذا يعني بالفعل أننا قد نتفق قريبًا على قياس عرض البروتون.
منذ سنتين، احتاجت كتلة البروتون أيضًا إلى تعديل صغير. وما لم تعطِ التجارب القادمة التي تفحص حدود البروتون أي مفاجآت، فيبدو أن قطر البروتون قد قل قياسه.
نشر هذا البحث في Science.
اقرأ أيضًا:
مفاجأة! يبدو أن البروتون أخف كثيرًا مما كنا نعتقد
لماذا لا يرتبط الإلكترون بالبروتون في ذرّة الهِدروجين؟
ترجمة: بوغوص حنا يوسيف
تدقيق: أحلام مرشد