يستهدف الدواء -لأداء وظيفته- مستقبلاتٍ خاصة بإنزيمات الكيناز -وهو أيّ نوع من الإنزيمات التي تعمل على نقل الفوسفات من مركبٍ إلى آخر- التي تُعزِّز نمو الأورام.
منحت إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية موافقةً عاجلةً لدواء فيتراكفي (لاروتركتنيب – larotrectinib)، والذي يُعتبَر علاجًا للبالغين والأطفال من مرضى السرطان والذين يتميّز مرضهم بوجود نوعٍ خاص من العوامل الجينيّة التي يقوم هذا الدواء باستهدافها.
هذه المرة الثانية التي توافق فيها الوكالة على علاجٍ للسرطان والذي يعتمد في أداء وظيفته على وجود (دلالة حيويّة Biomarker) -وهي عبارة عن جزيئات، أو جينات، أو خصائص حيويّة والتي تُستَخدَم ككاشفٍ أو بمثابة دلالة على وجود مرضٍ معين وشدّته- مشتركة بين أنواعٍ مختلفةً من الأورام، ولا يعتمد على المَوضِع الذي نشأ منه الورم بالجسم. إنّ الموافقة على هذا الدواء تُمثّل نموذجًا جديدًا من نماذج تطوير أدوية السرطان التي لا تعتمد على مكان الورم (tissue agnostic drugs).
من الجدير بالذكر أنّ هذا الدواء يَتْبَع السياسات التي أوضحتها إدارة الأغذية والأدوية في وثيقةٍ إرشاديّة أُصدرت مسبقًا خلال العام الجاري.
يُوصَى باِسْتِعْمال دواء فيتراكفي لعلاج البالغين والأطفال المصابين بأورامٍ صلبة، والتي تتميز بحدوث اندماج الجين الخاص بـِ (مستقبل التيروزين كيناز التَغْذويّ العصبيّ – (neurotrophic receptor tyrosine kinase –NTRK- دون اكتساب أيّ طفراتٍ مُقاوِمَةٍ نتيجة لهذا الاندماج الجينيّ.
تتميّز الأورام الصلبة أيضًا بأنّها نَقيِليّة -تنتشر في الجسم من مكان نشأتها إلى مواضع أخرى-، ويَتسبّب استئصالها جراحيًا في زيادة نسبة انتشار المرض، بالإضافة إلى عدم وجود أيّ بديلٍ علاجيّ مقبولٍ لها. كما أنّ تعرُّضها للعلاج يؤدي إلى تدهور الحالة المرضيّة عن طريق زيادة حجم الورم أو انتشاره.
يقول (سكوت جوتليب – Scott Gottlieb) مُفَوَّض إدارة الأغذية والأدوية والحاصل على درجة الدكتوراه في الطب: «تُمثّل مصادقتنا على هذا الدواء الجديد خطوةً أخرى في طريقنا نحو علاج السرطان اعتمادًا على خصائص الورم الجينيّة، بدلًا من اعتمادنا على موضع نشأته بالجسم. لا يُعدّ هذا العلاج الجديد مُخصَّصًا لنوعٍ معينٍ من السرطان والذي ينشأ في مكانٍ محدّد من الجسم، مثل سرطان الثدي أو سرطان القولون. تعكس موافقتنا على هذا الدواء تطوُّراتٍ هائلةٍ في استخدام الدلائل الحيويّة للورم لتوجيه تطوّر العلاج، وحمله لمكان تأثيره بشكلٍ أكثر دقّة. أصبحنا الآن قادرين على توصيل العلاج الصحيح للمرضى المناسبين في الوقت المناسب. لم يَكنْ هذا النوع من التطوُّرات العلاجيّة – والذي يستهدف مرضى بأنواعٍ مختلفة من الأورام والتي تتميّز بحدوث طفراتٍ شائعة فيما بينها- ممكننًا للحدوث منذ عقدٍ من الزمان، لأنّ معرفتنا عن الطفرات السرطانيّة كانت أقلّ بكثيرٍ ممّا هي عليه اليوم. نحن ندعم الابتكار في مجال تطوير أدوية الأورام الدقيقة وجعلها أكثر فاعليّة ودِقّة لعلاج مرضى السرطان، وذلك عن طريق سرعة موافقتنا على مثل هذه الأدوية وتصميمها. خصوصًا عندما يتعلّق الأمر بمرضى السرطان من الأطفال. نتعهد بالاستمرار لتقديم تجارب سريريّة أكثر تطوُّرًا تساعدنا على ابداعاتٍ علاجيّة أكثر دِقّةً للأمراض المختلفة، وذلك بناءًا على معرفتنا المتزايدة لطبيعة الأمراض وأسبابها، مثل مرض السرطان».
أوضح الباحثون أنّ (جينات مستقبلات التيروزين كيناز العصبيّة التغذويّة – NTRK genes) والتي تأخذ الشفرة الجينيّة (TRK) من الممكن أن تندمج مع جيناتٍ أخرى بشكلٍ غير اعتياديّ، ما يؤدي إلى تعزيز نمو الأورام وزيادة حجمها وانتشارها.
تُعدّ عملية الاندماج الجينيّ هذه أمرًا نادر الحدوث، لكنّها تحدث نتيجةً للسرطانات التي تنشأ في مناطق عديدة من الجسم.
قبل إصدارنا لهذا الدواء الجديد، لم يتواجد أيّ علاج للسرطانات التي تُسبِّب حدوث هذه الطفرة -الاندماج الجينيّ السابق ذكره- مثل السرطان الإفرازيّ المُماثل لسرطان الثدي -نوع نادر من السرطان يصيب الغدد اللعابيّة-، والورم الكلويّ الوراثيّ الخلويّ أو المختلط، والساركومة الليفيّة لدى الأطفال.
اختبِرت فعاليّة علاجنا الجديد -لاروتركتنيب- في ثلاث تجارب سريريّة شملت 55 طفلًا وبالغًا من المصابين بأورامٍ صلبة، تَسبّبت في حدوث الاندماج الجينيّ دون أيّ طفرات مُقاومَة، وتتميّز بانتشارها من موضعٍ لآخر بالجسم -نَقيليَّة-، إذ يؤدي استئصالها جراحيًّا إلى زيادة نسبة المرض بالجسم.
حقّق لاروتركتنيب معدّل استجابةٍ والذي وصل إلى نسبة 75% بين الأنواع المختلفة من الأورام الصلبة. استغرقت الاستجابة للعلاج وقتًا طويلًا؛ إذ أنّ 73% من الاستجابات استغرقت ستّة أشهر على الأقل، و39% منها استغرقت عامًا كاملًا أو أكثر أثناء تحليل النتائج. بعض الأمثلة للأورام الصلبة التي يحدث فيها الاندماج الجينيّ وقد استجابت للعلاج الجديد -لاروتركتنيب- : سرطان الغدد اللعابيّة، والساركومة الليفيّة لدى الأطفال، وسرطان الغدة الدرقيّة وسرطان الرئة.
حَظيَ دواء فيتراكفي على موافقةٍ عاجلة، والموافقة العاجلة هي إحدى بروتوكولات إدارة الأغذية والأدوية والتي تُمكِّن الإدارة من التصديق على الأدوية الجديدة المُعالِجَة للحالات الحَرِجَة لسَدّ الاحتياج الطبيّ الذي لم يُلَبّى من قبل. يكون هذا اعتمادًا على نتائج التجارب السريريّة التي تتنبّأ بالفائدة الطبيّة للمرضى، مع مراعاة إجراء تجارب سريريّة أخرى لتأكيد الفائدة الطبيّة لدواء فيتراكفي، بالإضافة إلى تكفّل الراعي بالتخطّيط والقيام بالدراسات الجديدة.
أبلغ المرضى عن تأثيراتٍ جانبيّةٍ شائعةٍ نتيجةً لتناولهم دواء فيتراكفي أثناء التجارب السريريّة، شملت هذه الأعراض الجانبية كُلًّا من الإرهاق، والغَثيان، والسُعال، والإمساك، والإسهال، والدوار، والقئ، وزيادة مستوى إنزيم ناقلة أمين الأسبرتات (AST) وإنزيم ناقلة أمين الألانين (ALT) في الدم.
لذلك أوصى مُقدمو الرعاية الصحيّة بمتابعة مستويات هذه الإنزيمات كلّ أسبوعين خلال الشهر الأول من تَلقّي العلاج، ثمّ تتمّ المتابعة شهريًا، وذلك عن طريق التحاليل الخاصة بوظائف الكبد. لا يُسمَح للسيدات في فترة الحمل أو الرضاعة تناول عقار فيتراكفي، فقد يتسبّب في أضرارٍ للأجنّة وحديثي الولادة. يجب على المرضى إبلاغ الطبيب بأيّ تفاعلات عصبيّة تحدث لهم خلال فترة العلاج، مثل شعورهم بالدوار.
منحت إدارة الأغذية والأدوية أسبقيّة المراجعة لطلب إصدار علاج فيتراكفي وِفقًا للبروتوكول الخاص بها المُسمّى بـِ (الاختراق الدوائي – Breakthrough Therapy designation).
كذلك حَصل علاج فيتراكفي على لقب (الدواء اليتيم – Orphan Drug designation)، الذي يُقدّم حوافز لمساعدة وتشجيع تطوير الأدوية المُعالِجة للأمراض النادرة.
منحت إدارة الأغذية والأدوية الموافقة على دواء فيتراكفي لشركة (لوكسو اونكولجي – (Loxo Oncology.
من الجدير بالذكر أنّ إدارة الأغذية والأدوية هي وكالة تابعة لقسم الخدمات الصحيّة والبشريّة بالولايات المتّحدة الأمريكيّة، والتي تهدف الحفاظ على الصحّة العامة عن طريق تأكيد أمان وفعّاليّة الأدوية البشريّة والبيطريّة، والتطعيمات، والمنتجات الحيويّة الأخرى المُخصَّصة للاستخدام الآدميّ، بالاضافة إلى الأجهزة الطبيّة. تتولى الوكالة أيضًا مسؤوليّة الحفاظ على أمن وأمان إمدادات الشعوب من الطعام، ومستحضرات التجميل، والمكملات الغذائيّة، والمنتجات التي تبعث إشعاعات إلكترونيّة، بالإضافةِ إلى تنظيم تصنيع واستهلاك منتجات التبغ.
- ترجمة: مايكل ممدوح
- تدقيق: آية فحماوي
- تحرير: زيد أبو الرب