تتسبب حركة الصفائح التكتونية بتكون الجبال وثوران البراكين وتحرك القارات، لكن ما الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة؟
وجد العلماء الإجابة في نظرية تزحزح القارات والطرق التي تُفسر آلية عمل الظواهر الجيولوجية المختلفة.
تزحزح القارات:
تنص هذه النظرية على أن قشرة الأرض والوشاح العلوي يتكونان من العديد من الصفائح الكبرى والصغرى التي تتلاءم معًا بإحكام، مع بقائها في حركة مستمرة. تتحرك أحيانًا نحو بعضها وأحيانًا باتجاهات متباعدة.
الحركة التكتونية:
تُسمى الظاهرة عمومًا حركة الصفائح أو الحركة التكتونية، وبدأت تحدث منذ تشكل كوكب الأرض وحتى اليوم الحاضر.
خلصت دراسة -أجراها باحثون من جامعة جون هوبكنز نُشرت عام 2019 في مجلة Nature- إلى أن حركة الصفائح التكتونية بدأت منذ نحو 2.5 مليار سنة، واستمرت تدريجيًا حتى الوقت الحاضر.
وشاح الحمل الحراري:
يقول ري روسو -أستاذ جامعي مساعد في علوم الجيولوجيا من جامعة فلوريدا وخبير بالصفائح التكتونية- في رسالة بريد إلكتروني ما يلي: «يُمكننا تشبيه الأرض بمحرك حراري عملاق. يمتلئ باطن الأرض بالحرارة الناتجة عن التراكم الحاصل من حركة الأرض في الفضاء وضغط الجاذبية والتحلل الإشعاعي. تندفع الحرارة الكامنة في باطن الأرض نحو سطحها البارد، بسبب تدفق الحرارة من المناطق الدافئة إلى الباردة. يُعد الحمل الحراري أكثر الطرق فاعليةً لانتقال الحرارة من باطن الأرض نحو السطح. تحل المادة الحارة المنبعثة من العباءة مكان المادة الباردة التي نشأت على سطح الأرض، ويحدث ذلك على نطاق واسع».
يُكمل روسو قائلًا: «يقودنا هذا إلى النتيجة التي مفادها أن صفائح الأرض الصلبة هي في الأساس المادة الباردة، إذ تؤدي البرودة إلى وصولها إلى درجة من الكثافة تكفي لتُصبح جزءًا من وشاح الأرض. ينجم عن ذلك تبريد الكوكب وتحرك الوشاح في كل بقاع الأرض. يصف كل ما سبق ظاهرة حركة الصفائح التكتونية باختصار».
كيف تتسبب كل هذه الطاقة الحرارية بتحريك الصفائح بأكملها؟ تكمن الإجابة في نظرية سحب الصفائح (Slab pull).
تنص النظرية على أن غرق صفائح المحيط عالية الكثافة تحت صفائح القارات الأقل كثافة منها، يُسبب سحب بقية الصفيحة معها.
تتحرك الصفائح حركة بطيئة جدًا. يبلغ متوسط سرعة حركتها 0.6 إنش (1.5 سنتيمتر) بالسنة، لكن يختلف العلماء على أن حركة الصفائح تزداد سرعةً أم تنقص.
كيفية تحرك الصفائح:
تتفاعل الصفائح على طول حدودها بثلاث طرق مختلفة.
الحدود المتباعدة:
تعني تباعد الصفائح عن بعضها بعضًا، ما يؤدي إلى تكون منطقة تحدث فيها الزلازل، وتصل الحمم البركانية والصخور المنصهرة إلى سطح الأرض من الوشاح لتكون قشرة جديدة.
الحدود المتقاربة:
تتكون الحدود المتقاربة عند التقاء صفيحتين، وقد ينجم عن تأثير الصفائح إما التواء الحواف ودفعها نحو الأعلى لتكون سلاسل الجبال في مناطق معينة، وإما انحناء الحواف لتكوين خندق عميق في قاع المحيط.
تنشأ سلاسل البراكين بالتوازي مع الحدود المتقاربة، وتُكون تلك الحدود قشرة القارات وتؤدي إلى تدمير قشرة قاع المحيطات.
الحدود المتحولة:
تنزلق صفيحتان نحو بعضهما. تتحطم القشرة نتيجة هذا الانزلاق، لكن -على عكس النوعين السابقين- لا يتبع ذلك أي تكون لقشرة أرض جديدة، تكثر الزلازل عند هذه الحدود.
تكون البراكين:
يوضح روسو أن حركة الصفائح التكتونية تؤثر في الكوكب بأكمله تأثيرًا كبيرًا، وتؤثر أيضًا في جميع الظواهر الطبيعية.
تُعد نشأة البراكين من أكثر الظواهر شيوعًا نتيجة حركة الصفائح التكتونية. يُمكن وصف البركان على أنه معبر للحرارة والحمم البركانية نتيجة تحطم قشرة الأرض، ويؤدي ثوران البراكين إلى ظهور أحواض المحيطات التي تُمثل 72٪ من سطح الأرض.
يتسبب النشاط البركاني -المرتبط بحركة الصفائح التكتونية- من ناحية مهمة أخرى، بانفصال المعادن الأخف والأقل كثافة عن المعادن الأثقل والأكثر كثافة الموجودة في وشاح الأرض.
يقول روسو: «يُساعد تراكم المعادن الخفيفة في تطور ونمو القارات التي نعيش عليها».
حركة الصفائح التكتونية والمحيطات:
ساعدت أيضًا حركة الصفائح التكتونية في خلق الظروف المختلفة التي تجعل الحياة على الأرض ممكنة.
تُعد ملوحة المحيطات -ومقدار الملوحة- واحدة من أبرز الأمثلة، إذ تحدث نتيجة تفاعل الصخور البركانية الساخنة مع الماء في المحيط وترشيح الأيونات منها.
يقول روسو: «تطورت الحياة في المحيطات بوجود هذه المياه الغنية بالأيونات، وأصبحت ملوحة دم البشر نتيجة ذلك تُعادل ملوحة مياه البحر».
أدى النشاط البركاني أيضًا إلى تكون التربة الخصبة، التي تسمح للنباتات بالنمو وإنتاج الغذاء والأكسجين الداعم لحياة البشر والحيوانات الكبيرة.
حركة الصفائح التكتونية والمناخ:
تؤثر إعادة ترتيب القارات وأحواض المحيطات وتكوينها في مناخ الكوكب.
يقول روسو: «يوفر شكل أحواض المحيطات الحالي المياه الاستوائية الدافئة باستمرار للمناطق القطبية، ما يضع حدًا لتفاقم درجات الحرارة بين خط الاستواء والقطبين».
تُعد الجبال الناتجة عن حركة الصفائح التكتونية أيضًا من أهم مصارف ثاني أكسيد الكربون على الكوكب، ما يُساعد في تخفيض مستوياته في الغلاف الجوي بتكوين معادن جديدة.
تزداد هذه العملية أو تتناقص استجابةً إلى التغيرات في درجات الحرارة، ما يُمكن الجبال من العمل منظمات عملاقة للحرارة.
حركة الصفائح التكتونية والتطور:
أدى التحول التدريجي للكتل القارية دورًا مهمًا في التطور البيولوجي، يشرح روسو قائلًا: «يحدث الانتواع -تطور أنواع جديدة- عندما تنقسم مجموعة واحدة من النباتات أو الحيوانات إلى مجموعتين غير متناسلتين. تبرز الظاهرة عندما تتفكك قارة عملاقة وتتكون أحواض محيطات جديدة بين القارتين المتشكلتين».
اقرأ أيضًا:
هل يشهد العالم موت إحدى الصفائح التكتونية ؟
ترجمة: طاهر قوجة
تدقيق: ميرڤت الضاهر