تتبادر إلى ذهننا عندما نتخيل نظامنا الشمسي كتلة كبيرة مستقرة في الوسط هي شمسنا، تدور حولها كل الكواكب والأجسام الأخرى، لكن الحقيقة هي أن كل جسم موجود في نظامنا الشمسي له تأثير ثقالي في الشمس وهذا يجعلها غير ثابتة بل تتحرك قليلًا بفعل هذه التأثيرات.
لا نستطيع لهذا أن نقول أن مركز الجاذبية الدقيق للنظام الشمسي أو «المُرجح» يقع في منتصف الشمس تمامًا، بل في مكان ما أقرب إلى سطحها أو خارجه بقليل. لكن تحديده بدقة لم يكن أمرًا سهلًا على العلماء بسبب كثرة القوى الثقالية المؤثِّرة في الشمس.
استطاع فريق دولي من علماء الفلك أخيرًا أن يحدد مكان المُرجح بفارق خطأ لا يتجاوز 100 متر باستخدام برمجيات صُمِّمت خصوصًا لهذا الغرض، وسيساعد هذا على قياس الموجات الثقالية قياسًا أدق بكثير.
ويرجع الفضل في هذا إلى النجوم النابضة، إذ تدور هذه النجوم الميتة حول نفسها بسرعة كبيرة جدًا ويُقاس زمن دورانها بالملي ثانية، مطلقةً من قطبيها حزمًا من الأشعة الكهرومغناطيسية التي تتجه أحيانًا نحو الأرض فتضيء عليها وكأنها منارة كونية ذات ومضات ضوئية سريعة وشديدة الانتظام تفيدنا في استكشاف الفضاء والملاحة وأمور أخرى كثيرة.
بدأت المراصد الفلكية في السنوات الأخيرة -بما فيها مرصد «نورث أميريكان نانو هيرتز للأمواج الثقالية» المعروف اختصارًا بـ(NANOGrav)- باستخدام النجوم النابضة في البحث عن الموجات الثقالية ذات الترددات المنخفضة لأن هذه الموجات تسبب اضطرابات طفيفة للغاية في توقيت ومضات النجوم النابضة.
أوضح عالم الفلك والفيزيائي ستيفن تايلور من جامعة فاندربيلت ومرصد (NANOGrav) ذلك قائلًا: «استخدامنا للنجوم النابضة في مراقبة مجرة درب التبانة أشبه بمحاولة عنكبوت اصطياد فريستها وهي ثابتة في منتصف شبكتها. وعلى هذا، فإن فهمنا لمُرجح النظام الشمسي ضروري في محاولتنا استشعار أدق تفاصيل نظامنا الشمسي».
ذلك لأن الخطأ في حساب موقع الأرض بالنسبة لمُرجح النظام الشمسي يؤثر في دقة حساباتنا لتوقيت ومضات النجوم النابضة، الذي يؤثر بدوره في بحثنا عن الموجات الثقالية ذات الترددات المنخفضة.
يعد كوكب المشتري جزءًا كبيرًا من مشكلة «تحديد مُرجح النظام الشمسي» لأن تأثيره الثقالي في الشمس هو الأكبر على عكس باقي الكواكب التي تُعَد تأثيراتها طفيفة جدًا مقارنة به. يستغرق المشتري وقتًا طويلًا ليكمل دورته حول الشمس -نحو 12 سنة أرضية- وما زلنا لا نعرف كل شيء عن دورته هذه.
كان العلماء سابقًا يستخدمون ظاهرة دوبلر في تقدير موقع المُرجح -كيف يتغير الضوء القادم من الأجسام بتغير موقعنا أو موقع أدوات قياسنا بالاقتراب من هذه الأجسام أو الابتعاد عنها- وحساب مدارات الكواكب وكتلها أيضًا. لكن أي خطأ في هذه الحسابات يؤدي إلى خطأ في حساب الموجات الثقالية. وقد توصل أعضاء الفريق بالفعل إلى نتائج متضاربة عند استخدامهم البيانات الحالية في تحليل بيانات مرصد (NANOGrav).
يقول عالم الفلك ميشيل فالينسري من مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا: «لم نلتقط أي شيء ذي أهمية في أثناء بحثنا عن الموجات الثقالية بين نماذج النظام الشمسي، لكننا لاحظنا اختلافات منهجية كبيرة في حساباتنا، تساعدنا البيانات الإضافية عادة على التوصل إلى نتائج أدق لكننا كنا نتوصل إلى حسابات متفاوتة في كل مرة».
ويستخدم فريق البحث برمجيات تسمى (BayesEphem) مُصمَّمة لتحاكي وتصحح الحسابات غير المؤكدة لمدارات النظام الشمسي التي ترتبط بأبحاث الموجات الثقالية المعتمِدة على النجوم النابضة لا سيما كوكب المشتري.
وعندما طبَّق الفريق برنامج (BayesEphem) على بيانات مرصد (NANOGrav) استطاعوا وضع حدٍّ أعلى جديد لخلفية الموجات الثقالية واستراتيجيات التنبؤ بها، واستطاعوا أيضًا حساب موقع جديد وأكثر دقة لمُرجح النظام الشمسي، وقد يساعد هذا في المستقبل على التوصل إلى تنبؤات أدق بكثير للموجات الثقالية ذات الترددات المنخفضة.
يقول تايلور: «ساعدتنا مراقبتنا الدقيقة للنجوم النابضة المنتشرة في كل أنحاء المجرة على تحديد موقعنا في هذا الكون الواسع بدقة غير مسبوقة. أصبح لدينا الآن نظرة أكثر شمولية لأنواع الثقوب السوداء المختلفة في الكون بفضل دراسة الموجات الثقالية وغيرها من التجارب».
نُشر هذا البحث في دورية أستروفيزيكال (The Astrophysical Journal).
اقرأ أيضًا:
جائزة نوبل للفيزياء لعام 2017: إكتشاف الأمواج الثقالية
ترجمة: صابر مخلوف
تدقيق: وئام سليمان
مراجعة: صهيب الأغبري