كان جيمس ماكسويل أحد أكثر علماء الفيزياء تأثيرًا في العالم، خاصةً في الكهرومغناطيسية، إذ أقدم على خطوات كبيرة للمساعدة على فهمها وأنتج نموذجًا موحدًا لها.

تعتبر أبحاثه في علم الحركة والكهرباء أساس ميكانيكا الكم الحديثة والنسبية الخاصة.

في نظر آينشتاين: «انتهت حقبة من العلم، وبدأت حقبة جديدة بمجيء ماكسويل». «لقد غيرت أعمال جيمس كليرك ماكسويل العالم إلى الأبد».

لأنه يعدُّ ببساطة «الأكثر عمقًا وفائدة في مجال الفيزياء منذ عهد نيوتن»، وحينما سُئِل فيما كان عمله امتدادًا لنيوتن، كانت إجابته هي: «لا، لقد كان الأثر الأكبر لماكسويل».

يقول ريتشارد فاينمان، أحد أعظم علماء الفيزياء في القرن العشرين: «التحولات العظيمة في الأفكار العلمية نادرة، مثل اكتشاف نيوتن لقوانين الميكانيكا والجاذبية، ونظرية ماكسويل للكهرباء والمغناطيسية، ونظرية أينشتاين النسبية، ونظرية ميكانيكا الكم».

وعلى الرغم من كون ماكسويل أحد عمالقة الفيزياء. لكن لسوء الحظ يبدو أن عمله أقل شهرة من عظماء آخرين -ربما بسبب تفوقه العبقري- لصعوبة فهم معادلات ماكسويل.

معادلات ماكسويل في صيغة التفاضل الاتجاهي(vector calculus)

يقول عنه كارل ساجان: «لقد كان لمعادلات ماكسويل تأثيرٌ على تاريخ البشرية أكثر من أي عشرة رؤساء للجمهورية».

تتمثل أكبر إسهامات ماكسويل في العلوم بما يلي:

رصد الحقول الكهرومغناطيسية وربطها بسرعة الضوء التي تبين العلاقة بين الضوء والكهرومغناطيسية.

التنبؤ بالموجات والمجالات الكهربائية والمغناطيسية المتذبذبة، ثم كتابة معادلات الكهرومغناطيسية، والتي عرفت لاحقًا باسم معادلات ماكسويل، وأكمل بذلك مفهوم المجال الكهرومغناطيسي، الذي أتمَّ العمل عليه ألبرت أينشتاين لاحقًا، ما أدى إلى ظهور نظريته في النسبية الخاصة.

فقد قام ماكسويل باستنتاج معادلات الكهرومغناطيسية كأول عالم يوحّد القوى الطبيعة الأساسية، اكتشف أن الكهرباء والمغناطيسية في الحقيقة وعلى مستوى أعمق لهما نفس القوة – القوة الكهرومغناطيسية.

وبالتالي، أثبت ماكسويل أن الضوء هو موجة كهرومغناطيسية وما يترتب على ذلك من كهرباء ومغناطيسية وبصريات.

ثم عمل على البصريات واللون، وضع الأسس للتصوير الفوتوغرافي الملون بشكل قابل للتطبيق.

وكان أول شخص ينتج صورة ملونة. ساعد أيضًا في تفسير ظاهرة عمى الألوان.

جزء من أول صورة ملونة بالتصوير الفوتوغرافي. في الخلفية عرض نسخة أصغر بالأسود والأبيض للمقارنة.

 

طور النظرية الحركية للغازات – التي يطلق عليها (انتشار ماكسويل Maxwell distribution).

كما لو كانت إنجازاته الأخرى لم تكن كافية، فإن نظريته الحركية للغازات وضّحت بدقة أصل درجة الحرارة.

كما عمِلَ على علوم الديناميكا الحرارية. ووضع نظرية التحكم المتعلقة بجهاز الطرد المركزي المتحكم في سرعة المحركات البخارية.

وكان أول من أدخل نظرية الاحتمالات على مستوى فيزياء الأجسام فائقة الصغر ليضع بذلك الأساس لنظرية الكم.

واستخدم الرياضيات لشرح حلقات زحل منذ أكثر من 100 عام قبل أن تؤكد المركبة الفضائية فويجر أنه كان على حق تمامًا.

ففي عام 1859، تنبأ ماكسويل بأن حلقات زحل مكونة من عدد كبير من الجسيمات التي تدور بشكل مستقل، والتي إذا ما كانت مستقرة لوقت طويل، فلابد أنها ستكون مرتبة في سلسلة من الحلقات الضيقة.

في عام 1980، تأكّدّ توقعه بواسطة الصور التي أرسلها المسبار فوياجر 2.

بالإضافة إلى اكتشافاته العظيمة، على المستوى الشخصي فقد كان معروفًا بقدرته على العمل الدؤوب ولطفه وتواضعه وكرمه وبأنه حلو المعشر وأنه صديق رائع.

كذلك كان جيمس ماكسويل عالمًا موسوعيًا بالمعنى الحرفي.

فبالإضافة إلى اكتشافاته العلمية، أحب الشعر والرسم.

وعلى الرغم من كون ذلك ملائمًا لصورته كشخص غريب الأطوار، فإن العديد من معاصريه ذكروا أنه كان يفتقر إلى اللياقة والثقة في المواقف الاجتماعية.

كان أيضًا مسيحيًّا إنجيليًّا، كتب عن العلاقة بين العلم والمسيحية، واعتقد أن تدينه شأن خاص، مثل إسحاق نيوتن، لم يكن يرَ أي خلافات بين علمه ودينه.

في ذلك يقول: «أعتقد أن رجال العلم وغيرهم من الرجال بحاجة إلى أن يتعلموا من المسيح، وأعتقد أن المسيحيين أصحاب العقليات العلمية ملزمون بدراسة العلم ذلك أن نظرتهم إلى مجد الله قد تكون أوسع وأكثر شمولًا بحسب قدراتهم.
ولكني أعتقد أن النتائج التي يتوصل إليها كل شخص في محاولة التوفيق بين علمه ومسيحيته لا يجب أن يُنظر إليها على أهميتها إلا عند صاحب الشأن نفسه وفقط، لوقت معين، لا لكي يحصل على ختم الرضا من المجتمع»*.

* (مسودة الرد على دعوة للانضمام إلى معهد فيكتوريا أو الجمعية الفلسفية لبريطانيا العظمى سنة(1875)، تأسس معهد فيكتوريا في عام 1865، كرد على نشر «أصل الأنواع والمقالات والمراجعات» لThe Origin of Species and Essays and Reviews.

كان هدفها المعلن هو الدفاع عن «الحقائق العظيمة التي كُشِفَت في الكتاب المقدس، ضد معارضة ما يدعى بالعلم المزيف».

على الرغم من أنه لم يكن معارضًا رسميًّا للتطور، فإنه اجتذب عددًا من العلماء المتشككين في الداروينية، بما في ذلك جون وليام داوسون John William Dawson وأرنولد غيو Arnold Guyot.

حياته الشخصية

ولد جيمس كليرك ماكسويل لعائلة ثرية في إدنبرة، اسكتلندا، المملكة المتحدة في 13 يونيو 1831.

كان والده محاميًا، ماتت أمه عندما كان عمره 8 سنوات فقط.

التحق بالمدرسة الثانوية في أدنبره – أكاديمية أدنبره – حيث نشر أول بحث أكاديمي خاص به، وهو «المنحنيات البيضاوية» في سن الرابعة عشرة.

في هذا العمر، حفظ الكتاب المقدس بالكامل. فقد كان ماكسويل بروتستانتيًا إنجيليًّا.

لم يستوعب زملاؤه عبقريته في سنين الدراسة الأولى، فأطلق عليه بعض الأولاد في المدرسة اسم «دافتي» أو الأبله.

كوَّن ماكسويل صداقات قوية مع لويس كامبل Lewis Campbell، الذي أصبح أستاذًا للغة اليونانية في جامعة سانت أندروز وبيتر غوثري تيت Peter Guthrie Tait، الذي أصبح أستاذًا للفيزياء في جامعة أدنبره.

في سن السادسة عشرة، التحق ماكسويل بجامعة أدنبره لمدة ثلاث سنوات، حيث تلقى دورات في الفيزياء (كانت تسمى آنذاك بالفلسفة الطبيعية) والرياضيات والفلسفة. كانت الدراسة سهلة ما فرّغَ له الكثير من الوقت لأبحاثه العلمية الخاصة.

واصل ماكسويل نشر الأبحاث العلمية الجادة أثناء دراسته للحصول على شهادته. عندما أصبح عمره 19 عامًا، انتقل إلى جامعة كامبريدج، حيث درس الرياضيات، وأصبح زميلًا في كلية ترينيتي حينما كان بعمر 24 عامًا وتقاسم جائزة سميث للفيزياء النظرية والرياضيات مع إدوارد روث Edward Routh.

في عام 1856 وبعمر 25 عامًا، حصل على أعلى جائزة في أدنبرة في الرياضيات، والميدالية الذهبية في سترايتون، وفي العام نفسه، عُيِّنَ أستاذ كرسي للفلسفة الطبيعية في جامعة أبردين، حيث مكث لمدة أربع سنوات في هذا المنصب.

خلال هذا الوقت صاغ ونشر تحليله العبقري لكيفية بقاء حلقات زحل في وضع الاستقرار لوقت طويل.

أثناء وجوده في أبردين، ألقى محاضرة مجانية أسبوعيًا في كلية الذكور.

كما تزوج من كاثرين ماري ديوار Katherine Mary Dewar (التي كانت تكبره بسبع سنوات كاملة)، ابنة مدير الجامعة. خسر ماكسويل وظيفته في أبردين عندما أدى اندماج كليات الجامعة إلى الاستغناء عنه نتيجة تخفيض عدد الوظائف بالجامعة.

في عام 1860 عندما كان عمره 29 عامًا، تولى منصب أستاذ في كلية كينغز في لندن. وقتها أثبت أن كل جزيء من الهواء في درجة حرارة الغرفة يصطدم 8 مليارات مرة في الثانية مع جزيئات أخرى في المتوسط.

مكث ماكسويل في لندن حتى عام 1865، حيث قام بالكثير من أبرز أعماله.

ثم عاد إلى منزل عائلته في اسكتلندا لمدة ست سنوات كانت مكرسة للتجارب والحسابات والكتابة فقط.

خلال هذا الوقت كتب الكثير من كتابه الرائد «مقالة حول الكهرباء والمغناطيسية»، والذي نشر في عام 1873.

في عام 1871، تولى أستاذية كرسي كافنديش للفيزياء بجامعة كامبردج، حيث بقي فيه حتى وفاته.

توفي ماكسويل في كامبردج في 5 نوفمبر 1879 وهو في الثامنة والأربعين من عمره متأثرًا بسرطان في الجهاز الهضمي، ودفن في كنيسة بارتون قرب مدينة كاسل دوغلاس باسكتلندا.

أجمل وأشهر أقوال ماكسويل:

  •  من الممكن القول بأن الأرقام هي التي تحكم كميات العالم كله، ويمكن اعتبار القواعد الأربعة للحساب الأدوات الكاملة لعالم الرياضيات.
  •  أمبير هو نيوتن الكهرباء.
  •  يتفاخر علماء الرياضيات بكونهم يمتلكون أفكارًا جديدة لا يمكن التعبير عنها بلغة البشر.
  •  خلال سنوات قليلة، ستحسب جميع الثوابت الفيزيائية الكبيرة تقريبًا، وستصبح الوظيفة الوحيدة للرجال المشتغلين بالعلم هي إضافة الكثير من الدقة باستخدام الكسور العشرية.
  •  إن كل وجود مهما عظم مكوّن من نقاط متفرّدة صغيرة. كلما كبر شأن هذا الوجود، كثرّت الجسيمات التي تشكّله. هذه النقاط التي تأثيرها الفيزيائي أصغر من أن نحسب له حسابًا سنحصل منها على نتائج شديدة الأهمية.
  •  الهدف من جميع علوم الرياضيات هو إيجاد العلاقة بين قوانين الفيزياء وقوانين الأعداد، بحيث يكون الهدف الدقيق من العلوم هو تكريس المشكلات الموجودة في الطبيعة إلى كميات محددة من خلال العمليات على الأرقام.
  •  لديَّ القدرة على أن أكون شريرًا أكثر من أي نموذج يمكن أن يخطر على بالِ إنسان.
  •  لقد احتار العقل البشري تحت وطأة الأسئلة الصعبة، هل الفضاء لانهائي، وبأي معنى؟ هل العالم المادي ممتد إلى مالانهاية، هل كل الفضاءات ممتلئة بالمادة؟ هل الذرات موجودة بالفعل، أو أن المادة غير قابلة للقسمة؟
  •  من المفيد جدًا للطلاب في أي مجال قراءة تاريخ مجالهم، لأن العلم يُفهَم دومًا بأفضل شكلٍ عندما يكون في مهده.
  •  نعم، أعتقد أنه بإمكاني البقاء مستيقظًا حتى ذلك الوقت المتأخر (ردًّا على إخباره عقبَ وصوله إلى جامعة كامبردج بأنَّه ستكون هناك خدمة إلزامية في الكنيسة الساعة السادسة صباحًا).