تُعد القدرة على تنفيذ المحاكاة الكيميائية بمستويات غير مسبوقة القدرة الأكثر تشويقًا ضمن الكثير من التطلعات التي نتوقعها من تكنولوجيا الكم. نمتلك الآن اللمحة الأولى لما قد تكون عليه هذه المحاكاة.
استخدم فريق جوجل للذكاء الصناعي الكمي -بالاشتراك مع فريق من المعاونين- المعالج الكمي ذا الـ 54 كيوبت المُسمى «سيكامور»، لمحاكاة التغيرات في مركب كيميائي يُسمى «ديازين».
مقارنةً بدرجة التعقيد التي قد تصل إليها التفاعلات الكيميائية، يُعد هذا التفاعل من أبسط التفاعلات المعروفة.
يمتلك الديازين ذرتين من النيتروجين، مرتبطين برابطة مزدوجة، وتسحب كل منهما ذرة من الهيدروجين.
مع ذلك، وصف الحاسوب الكمي التغيرات في تمركز ذرات الهيدروجين بدقة لتكوّن نظائر مختلفة للديازين. واستخدم الفريق نظامه للتوصل إلى وصف دقيق لطاقة ربط سلاسل ذرات الهيدروجين التي تتزايد حجمًا.
بقدر ما تبدو هذه النماذج شديدة الوضوح، إلا إنها تخفي بين طياتها الكثير. انسَ جميع معادلات التفاعل الكيميائي التي تعلمتها في المدرسة، إذ إن الكيمياء وفق مفهوم ميكانيكا الكم هي مزيج معقد من الاحتمالات.
هذا الموضوع يشبه نوعًا ما الفرق بين معرفة أن الكازينو سيحقق ربحًا دائمًا، وتوقع نتائج الألعاب الفردية التي تُلعب داخل الكازينو. وفقًا للقواعد المتوقعة لأجهزة الكومبيوتر الكلاسيكية، فإن القدرة على تمثيل مجموعات لا حصر لها من رميات النرد ومجموعة الورق الكاملة لفيزياء الكم أمر شديد الصعوبة.
تُنشأ الحواسيب الكمومية بنفس المبادئ التي تعتمد عليها الاحتمالات الكمومية المتحكمة في الكيمياء على المستوى الأساسي.
تظهر الوحدات المنطقية المُسماة «كيوبت» على هيئة حالة ضبابية «إما/وإما». وعندما تجتمع مع حالات «ربما» لوحدات كيوبت أخرى في نظام معين، فإنها توفر طريقة فريدة لمهندسي الحاسوب لتنفيذ العمليات الحسابية.
تسمح الخوارزميات المصممة خصوصًا للاستفادة من ميكانيكا الكم بالاختصارات، ما يقلل زمن إتمام هذه الحسابات ليبلغ عدة دقائق، في حين يستغرق الحاسوب الفائق الكلاسيكي آلاف السنين لإتمامها.
إذا كنا نأمل في نمذجة الكيمياء كمّيًا، فسنحتاج إلى هذا القدر من القوة أو ما يقاربه.
يتطلب حساب مجموع العمليات التي تحدد الطاقة في جزيء البروبان أكثر من أسبوع، بافتراض أننا استخدمنا حاسوبًا فائق السرعة لهذا الغرض. لكن يوجد فرق شاسع بين الحصول على لمحة عن طاقة الجزيء، وحساب كل الطرق التي قد تتغير بها تلك الطاقة.
استخدمت محاكاة الديازين 12 من أصل 54 كيوبت في معالج السيكامور لتنفيذ هذه الحسابات، وهو ضعف حجم أي محاولة سابقة لتنفيذ المحاكاة الكيميائية.
رفع الفريق كذلك سقف التحدي بتجربة لوغاريتمية مُصممة لمزج العمليات الكلاسيكية والكمية، المُصمَّمة لمعالجة الأخطاء التي تظهر بسهولة بالغة في عالم الحوسبة الكمومية الدقيق.
كل هذا يزيد احتمالات حصول عمليات محاكاة أكبر في المستقبل، ما يساعدنا على تصميم مواد أقوى، وفرز المزيد من الأدوية الفعالة، وحتى الكشف عن المزيد من أسرار الكازينو الكمي الكوني.
إن هيدروجين الديازين مجرد بداية لأنواع الكيمياء التي قد نتمكن قريبًا من نمذجتها في مشهد كمومي.
اقرأ أيضًا:
الميكانيك الكمي والكلاسيكي تناقض!
انعكاس الزمن في حالة كمية مجهولة
ترجمة: رياض شهاب
تدقيق: عون حدّاد
مراجعة: أكرم محيي الدين
