في القرن الثامن عشر، ابتكر سكان مدينة كونيجسبيرج (Königsberg) البروسية (حاليًا كالينينجراد Kaliningrad) لغزًا.
كان نهر بريجيل (Pregel) يقسم المدينة، صانعًا جزيرتين في المنتصف، وكان هناك سبعة جسور تربط أجزاء المدينة المختلفة ببعضها البعض.
كان اللغز هو، كيف تجد طريقًا للمشي عبر كل أجزاء المدينة يقطع جميع الجسور مرة واحدة لا أكثر ولا أقل.
لاحظ أويلر أن هذا النوع من المشكلات يحتاج إلى طريقة جديدة للتفكير.
في خطاب كتبه إلى عالم الرياضيات والفلكي الإيطالي جيوفاني جاكوبو (Giovanni Jacopo Marioni) يقول أويلر:
«هذا السؤال بديهي جدًا، لكنه بدا لي أنه يستحق الاهتمام، حيث لا يصلح إلا علم الهندسة للإجابة عليه، لا الجبر ولا حتى فنون العد يكفيان للوصول إلى الإجابة.
من هذا المنظور، خطر لي التساؤل عما إذا كان ينتمي لعلم هندسة المكان (geometry of position)، الذي كان ليبنيز (Leibniz) يسعى له فيما مضى.
لذا، وبعد عدد من النقاشات، توصلت إلى قاعدة بسيطة ولكنها مكتلمة الأركان، يمكن بفضلها معرفة ما إذا كان هناك حل أم لا لكل المسائل من هذه النوعية، لأي عدد من الجسور وبأي ترتيب».
مصطلح “هندسة المكان” كان أويلر يقصد به الهندسة التي لا تعبأ بالقياس الدقيق للأطوال والزوايا والمساحات.
هندسة المكان هي ما نسميه اليوم بالطوبولوجي (دراسة التضاريس).
في مسألة كونيجسبيرج، لا يشكل الرسم الدقيق للمدينة فارقًا كبيرًا، الأمر الوحيد المهم هو كيف تتصل الأشياء فيما بينها.
بأخذ ذلك في الاعتبار، يمكنك تحويل الخريطة العشوائية للمدينة إلى شبكة أنيقة (أو رسم بياني)، عن طريق نقاط تمثل الجزر، وخطوط واصلة تمثل الجسور.
لاحظ أويلر ملحوظة حاسمة: إذا كان هناك مسار يمر بهذه الشبكة ليعبر كل خط مرة واحدة، فإن كل نقطة في المسار لا بدّ أن يمرّ بها عدد زوجي من الخطوط.
السبب هو أنك عندما تدخل النقطة عن طريق أحد الخطوط، يتحتم عليك أن تخرج عن طريق خط آخر، لذا فالنقطة تحتاج إلى خطين إذا دخلتها مرة واحدة، أو أربعة خطوط إذا ما دخلتها مرتين، وهكذا.
النقاط الوحيدة التي قد يكون لها عدد فردي من الخطوط هما النقطتين اللتين تبدأ وتنتهي إليهما الرحلة (إذا كانتا مختلفتين).
نستنتج من ذلك فورًا أن المسار الذي نبحث عنه لا يمكن إيجاده في مسألة كونيجسبيرج.
فكل النقاط لها عدد فردي من الخطوط يتصل بها.
الجمال في هذا الطرح، كما يقول أويلر في خطابه، هو أنه صالح لأي شبكة، مهما كانت كبيرة أو معقدة.
المسار الذي يعبر كل خط مرة واحدة لا يمكن إيجاده إلا إذا كانت كل النقاط (أو كل النقاط عدا نقطتين) يتصل بها عدد زوجي من الخطوط.
كما أن العكس صحيح (بالرغم من أن أويلر لم يقدم إثباتًا صلبًا لذلك):
إذا كانت كل النقاط (أو كل النقاط عدا نقطتين) يتصل بها عدد زوجي من الخطوط، فإنه يمكن إيجاد مسار يمر بجميع الخطوط مرة واحدة.
كانت أفكار أويلر بشأن مسألة كونيجسبيرج فاتحة لتأسيس فرع من الرياضيات يدعى نظرية المخططات Graph Theory))، والتي تدعى أيضًا بنظرية الشبكة.
وبما أننا محاطين بالشبكات، كشبكات التواصل الاجتماعي، وشبكات المواصلات، وشبكات الإنترنت؛ تلعب نظرية الشبكات دورًا هامًا في الرياضيات الحديثة.
إذا كنت تجيد اللاتينية، فبإمكانك أن تقرأ أطروحة أويلر الأصلية عن جسور كونيجسبيرج في أرشيف أويلر.
- إعداد: إبراهيم صيام
- تدقيق: دانه أبو فرحة
- تحرير: ناجية الأحمد
- المصدر