أصبح الفشل في العثور على المادة المظلمة أمرًا مُحبطًا لبعض الفيزيائيين، ما أدى إلى بعض الاقتراحات الثورية.

طُرح تفسير جديد لعدم عثورنا على المادة المظلمة حتى الآن، يوضح هذا التفسير أن السبب وراء هذا هو عدم وجودها من الأساس. بدلًا من ذلك يعتقد مؤلف البحث أننا أخطأنا في فهم الجاذبية من البداية. وهو ليس أول من يقترح ذلك، لكن اقتراحه الجديد، المُتَمثل في أن الجاذبية -من دون الكتلة- تنشأ من عيوب طوبولوجية في الزمكان، يعُد فريدًا من نوعه.

اقتُرح وجود المادة المظلمة أول مرة عام 1932، عندما لوحظ أن المجرات تتحرك بطريقة لا يمكن تفسيرها إلا إذا كانت كتلتها أكبر من مجموع كُتل النجوم والغازات فيها. بدأ بعد ذلك قياسات وملاحظات قليلة ازدهرت ازدهارًا كبيرًا ليتطلب الأمر وجود تفسير لهذه الملاحظات. فشلت كل التفسيرات البسيطة المقدمة، مثل الإحصاء الخاطئ لعدد النجوم في المجرات.

اقتُرح عدد كبير من الخيارات لتفسير تركيب المادة المظلمة، بدءًا من الثقوب السوداء الأولية وحتى الجسيمات دون الذرية. حتى الآن، لم يُعثر على دليل على صحة أي من هذه الاقتراحات، باستثناء بعض الكواكب الشاردة والثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية، التي لا تُمثل سوى جزء بسيط لا يتعدى 1% من الكتلة المفقودة.

دفع ذلك بعض الفيزيائيين للتساؤل: هل أخطأنا في كل شيء من البداية؟ ربما لا توجد مادة مظلمة من الأساس! بدلًا من ذلك، ربما تعمل الجاذبية في المقاييس الكبيرة بشكل مختلف عما كنا نعتقد، حظيت إحدى نسخ هذه الفكرة، التي تُعرف بـ «ديناميكا نيوتن المُعدلة»، بقدر لا بأس به من الاهتمام، لكن ثبت لاحقًا أنها أكثر شعبية بين المُعلقين عبر الانترنت مقارنةً بالفيزيائيين، الذين يعدونها عمومًا غير محتملة.

خاض بروفيسور ريتشارد ليو من جامعة ألاباما هانتسفيل هذا النزال، باقتراحه الخاص حول الجاذبية، إذ يرى أنها قد توجد من دون كُتلة. إذا كان محقًا، فإن هذا يقلب الكثير من علم الكونيات رأسًا على عقب، ويجعل رحلة البحث عن المادة المظلمة بمثابة تغيير مسار مُحرج في طريق العلم، مثل نظرية الفلوجستون «فرضية خاطئة قديمة تنص على أن أي مادة قابلة للاشتعال تحتوي على مركب يسمى الفلوجستون». مع ذلك، ما زال الطريق طويلًا جدًا قبل أن يتم التعامل معها على نطاق واسع بوصفها فرضية معقولة، ناهيك باحتمالية وجودها أساسًا.

يقترح ليو أن تلك العيوب الطوبولوجية قد نشأت في الزمكان بعد الانفجار الكبير بوقت قصير.

قال ليو: «تلك التأثيرات الطوبولوجية هي مناطق مضغوطة للغاية في الفضاء تمتلك كثافة عالية جدًا من المادة، وعادةً ما تكون ذات بنية خطية تُعرف باسم الأوتار الكونية، وتوجد أيضًا إمكانية وجود بنية ثنائية الأبعاد مثل الأصداف الكروية».

«تتكون تلك الأصداف من طبقة داخلية رفيعة من الكتلة الموجبة وطبقة خارجية رفيعة من الكتلة السالبة، إجمالي الكتلة لكلا الطبقتين –وهو كل ما يمكن قياسه من حيث الكتلة– تساوي صفرًا، لكن عندما يقبع نجم في هذه الصدفة يتعرض لقوة جذب كبيرة تسحبه إلى مركز الصدفة».

تلك القوة تتناسب مع معكوس المسافة، بدلًا من معكوس مربع المسافة كما ينص قانون نيوتن. مع أن إثبات هذا فيزيائيًا قد لا يكون ممكنًا، يزعم ليو أنه قد أثبت تلك الفرضية رياضيًا.

يقترح ليو أنه عندما يمر ضوء عبر جسم مثل المجرات كما في عدسة الجاذبية، فإنه ينحني قليلًا إلى الداخل في أثناء مروره عبر هذه الأصداف. ومن الصعب التفريق هل هذا الانحناء بسبب وجود مزيد من الكتلة تسحب الجسم، أم لمروره عبر تلك الأصداف. ينطبق هذا الأمر أيضًا على تحركات النجم حول مركز الكتلة المجرية.

لمّا كانت هاتان الظاهرتان كما أشار ليو هما أساس اعتقادنا بوجود المادة المظلمة، فإن وجود تفسير لعملية بديلة لكليهما من شأنه أن يجعل اعتقادنا بوجود المادة المظلمة غير ضروري.

من ناحية أخرى، فإن فكرة الأصداف ذات الكُتلة الإيجابية والسلبية من الداخل والخارج غير مثبتة كليًا، ومن الصعب جدًا إثبات وجودها أساسًا.

اقترح ليو أن نشأة هذه العيوب كان مرتبطًا بـ «انتقال في الطور الكونية» في بداية عُمر الكون، إذ خَضعت المادة عبر الكون بأكمله لتغيير في حالتها.

قال ليو: «جاء الإلهام من اجتهادي لإيجاد حل آخر لمعادلات مجال الجاذبية في النسبية العامة. هذا الحل المقترح قد يُعطي قوة جاذبية محدودة في ظل غياب أي كتلة تمكن ملاحظتها».

يتطلب إقتراح ليو عدة أشياء ليس لدينا أي دليل مباشر عليها، وليس شيئًا واحدًا، كما هو الحال في نظرية وجود المادة المظلمة. يعترف الباحث نفسه: «من غير الواضح حاليًا ما الشكل الدقيق للانتقال الطوري في الكون الذي قد يؤدي إلى عيوب طوبولوجية من هذا النوع».

اقترح ليو بعض الخطوات الإضافية الممكنة، مثل أن تلك الأصداف كانت يومًا ما خيوطًا مستقيمة أو مُكدسة ثم أصبحت مُلتفة لاحقًا. ومع ذلك يبدو الأمر حاليًا تقريبًا مثل فرضية المخصص «إضافة فرضية دخيلة إلى نظرية لإنقاذها من الدحض»، مثل فرضية «أفلاك التدوير»، التي استخدمها علماء الفلك البطلميون لشرح مدارات الكواكب.

مع ذلك، يُشير ليو في سبيل الدفاع عن فرضيته إلى أن الفكرة جديدة بما يكفي، من ثم لم يتمكن أحد من إثباتها بعد. من ناحية أخرى، خُصصت مليارات الدولارات وبعض أذكى العقول في جيلنا للبحث -غير الموفق- عن المادة المظلمة.

أضاف ليو: «مبادرة هذا البحث ذاتها مدفوعة من إحباطي من الوضع الراهن، تحديدًا من فكرة وجود المادة المظلمة، رغم عدم وجود أي دليل مباشر عليها على مدى قرن كامل»

«بالطبع، فإن توفر الحل الثاني، وإن كان مجرد اقتراح بعيد المنال، لا يكفي في حد ذاته لتشويه سمعة فرضية المادة المظلمة. يمكن وصفه تمرينًا رياضيًا مثيرًا للاهتمام في أحسن الأحوال، ودليلًا على أن الجاذبية قد توجد –رياضيًا- من دون كتلة».

اقرأ أيضًا:

لماذا لا نستطيع رؤية المادة المظلمة؟

خريطة جديدة للكون تظهر أن المادة المظلمة ساهمت في تشكله

ترجمة: محمد إسماعيل

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر