أول استكشاف لثقب أسود رحال ينزلق عبر مجرة درب التبانة، المكتشف في بداية هذه السنة، الذي اكتسب تصديقًا مهمًا. أجرى فريق ثانٍ تحليلات منفصلة ومستقلة، فتوصل تقريبًا إلى الاكتشاف نفسه، مضيفًا بذلك وزنًا لفكرة أننا قد حددنا ثقبًا أسود رحال يجوب المجرة.
لكن العمل الجديد الذي قاده الفلكيون كاسي لام وجسيكا لو من جامعة كاليفورنيا، بيركلي، توصل إلى استنتاج مختلف بعض الشيء. فنظرًا إلى المجال الكتلي للجسم، فقد يكون نجمًا نيوترونيًا لا ثقبًا أسود حسب الدراسة الجديدة.
على الرغم من ذلك، ففي كلتا الحالتين يعني هذا أننا ربما نمتلك أداة للبحث عن الأجسام «المظلمة» والمضغوطة أو بمصطلح آخر غير القابلة للاكتشاف في مجرتنا بقياس الطريقة التي تحني حقول جاذبيتها ضوء النجوم البعيدة الذي يمر بجانبها وتشوهه، وتسمى هذه الأداة بعدسية صغرية جذبية.
تقول لو: «هذا أول ثقب أسود رحال أو نجم نيوتروني يُكتشف باستعمال العدسية الصغرية الجذبية».
«نحن قادرون على فحص هذه الأجسام المضغوطة الوحيدة وحساب وزنها باستعمال العدسة الصغرية. وأظن أننا فتحنا نافذة جديدة على هذه الأجسام المظلمة التي لا يمكن رؤيتها بأية طريقة أخرى».
تُفسر الثقوب السوداء على أنها النوى المنهارة للنجوم العملاقة التي تصل إلى نهاية حياتها وتطلق مادتها الخارجية. ويعتقد أن النجوم الأم لثقب أسود كهذا -التي تفوق كتلة الشمس 30 مرة- تعيش حياة قصيرة نسبيًا.
وعلى ذلك، فمن المفترض أن يكون هناك عدد يتراوح بين 10 ملايين ومليار من الثقوب السوداء ذات الكتل النجمية التي تتجول بسلام وهدوء في المجرة حسب أفضل تقديراتنا.
لكن تسمى الثقوب السوداء بذلك لسبب؛ فهي لا تبعث أي ضوء يمكننا رصده إلا إذا كانت هناك مواد تسقط داخلها، وهي عملية تنتج أشعة إكس من الفضاء المحيط بالثقب الأسود. ولذلك، إذا كان الثقب الأسود يقضي وقته فقط في التسكع دون فعل أي شيء، حينئذ لن يكون لنا تقريبًا أية طريقة لاكتشافه بها.
كل ما يملكه الثقب الأسود تقريبًا هو حقل جاذبي فائق ذي قوةً تحني أي ضوء يسافر عبره. أما نحن باعتبارنا ملاحظين، فهذا يعني أننا ربما سنرى نجمًا بعيدًا يبدو أكثر لمعانًا، وفي موضع مختلف مما هو عليه في الواقع.
هذا ما حدث بالضبط بتاريخ 2 يونيو 2011، فقد سجلت مهمتان منفصلتان للعدسية الصغرية -تجربة العدسة الجاذبية الضوئية (OGLE) وملاحظات العدسية الصغرية في الفيزياء الفلكية (MOA)- على حدة حدثًا انتهى به الأمر إلى التضاؤل بتاريخ 20 يوليوز.
سُمي هذا الحدث MOA-2011-BLG-191/OGLE-2011-BLG-0462 ويختصر إلى OB110462. وقد وجه العلماء اهتمامهم نحوه من أجل نظرة عن قرب؛ لأنه بعيد ولامع على غير العادة.
شرح لام: «يعتبر طول مدة الحدث اللامع إشارة إلى حجم عدسة الواجهة التي تحني ضوء نجم الخلفية».
«الأحداث الطويلة تكون على الأرجح بسبب ثقب أسود. وعلى الرغم من ذلك، فإنه ليس مضمونًا؛ لأن مدة حلقة اللمعان لا تتعلق فقط بحجم عدسة الواجهة، وإنما أيضًا بالسرعة النسبية التي تتحرك بها كل من عدسة الواجهة ونجم الخلفية تجاه بعضهما».
على الرغم من ذلك، فيمكننا التأكد: هل عدسة الواجهة ثقب أسود حقًا بالحصول على قياسات الموضع الظاهر لنجم الخلفية أو لا؟
في هذه الحالة، أخِذت ملاحظات المنطقة في ثماني فرص متفرقة باستعمال تلسكوب هابل الفضائي حتى 2017.
توصل فريق من علماء الفلك يقوده كايلاش ساهو من معهد علوم التلسكوب الفضائي من تحليل عميق لهذه البيانات إلى أن المتهم كان عدسة صغيرة على شكل ثقب أسود تبلغ كتلته 7.1 أضعاف كتلة الشمس، ويبعد مسافة 5153 سنة ضوئية.
تضيف تحليلات لو ولام الآن المزيد من البيانات من هابل التي التقطت مؤخرًا في 2021. ووجد فريقهم أن الجسم أصغر قليلًا، فهو بين 1.6 و 4.4 ضعف كتلة الشمس.
هذا يعني أن هذا الجسم قد يكون نجم نيوتروني. وهو أيضًا النواة المنهارة لنجم عملاق تتراوح كتلته بين 8 و30 ضعف كتلة الشمس.
الجسم الناتج مدعوم بشيء يُسمى ضغط انحلال النيوترون، حيث لا تريد النيوترونات أن تشغل الفضاء نفسه، وهذا يمنعها من الانهيار الكلي في ثقب أسود. وشيء كهذا له كتلة حدية تبلغ حوالي 2.4 ضعف كتلة الشمس.
ما يثير الانتباه أنه لم يُكتشف أي ثقب أسود بكتلة أقل من 5 أضعاف كتلة الشمس. ويشار إلى هذا باسم فجوة الكتلة المنخفضة. وإذا كان عمل لام وزملاؤها صحيحًا، فإن هذا يعني أنه بإمكاننا اكتشاف جسم فجوة كتلة منخفضة في متناول أيدينا، الشيء الذي يعتبر غاية في الإثارة.
عاد الفريقان بكتل مختلفة للجسم العدسي لأن تحليلاتهم أعطت نتائج مختلفة بالنسبة إلى الحركات النسبية للجسم المضغوط والنجم الذي تعرض ضوءه للعدسة.
وجد ساهو وفريقه أن الجسم المضغوط يتحرك بسرعة تبلغ نحو 45 كيلومترًا في الثانية نتيجة ومضة خاطفة طبيعية: يمكن انفجار سوبرنوفا غير المتوازن أن يبعث النواة المنهارة لتتسارع مبتعدة.
بينما توصلت لام وزملاؤها إلى 30 كيلومترًا في الثانية. ويقولون أن هذه النتيجة تقترح أنه ربما انفجار سوبرنوفا ليس ضروريًا لولادة ثقب أسود.
من غير الممكن حاليًا استخراج خلاصة ثابتة من OB110462 بخصوص أي تقدير هو الصواب، ولكن علماء الفلك يتوقعون أن يتعلموا الكثير من اكتشاف المزيد من هذه الأشياء مستقبلًا.
تقول لام: «مهما كان الأمر، فإن هذا الجسم هو أول بقايا نجمية مظلمة اكتشِف يتجول في المجرة دون أن يكون مرفقًا بنجم آخر».
اقرأ أيضًا:
رصد الباحثون ثقبًا أسود رحالًا ينتقل في فضاء مجرتنا
تدقيق: هادية أحمد زكي