في 12 أغسطس عام 1990، انطلقت سو هندريكسون، منقبة الأحافير بمعهد بلاك هيلز للأبحاث الجيولوجية، عبر السهول الحارقة في غرب داكوتا، تنقب عن نتوءات صخرية في حين كان فريقها يصلح إطارًا مثقوبًا. بعد ساعاتٍ من السير في طقسٍ ضبابي برفقة كلبها من فصيلة «الجولدن ريتريفر»، وصلت هندريكسون إلى جرفٍ شاهق بارتفاع 60 قدمًا، وأخذت تمعن النظر في الأرض دون أن تجد شيئًا. لكن بعد لحظات، رفعت بصرها نحو ارتفاع ثمانية أقدام، لتكتشف ثلاث عظام ضخمة بارزة من الصخرة.

في النهاية، عرضت هندريكسون العظام على بيتر لارسن، رئيس معهد بلاك هيلز وتاجر الأحافير في هيل سيتي بجنوب داكوتا. بعدها، بدأ فريق مكون من ستة أعضاء عملية دقيقة لاستخراج جميع العظام من الموقع. وعندما انتهوا من عملهم بعد 17 يومًا، أدركوا أهمية اكتشافهم؛ فقد كانوا قد عثروا للتو على الهيكل العظمي الأكثر اكتمالًا للتيرانوصور ريكس حتى ذلك الحين.

لكن بعد عامين من حماسهم، نفذ عشرات من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي، بمساعدة الحرس الوطني، مداهمة مفاجئة على المعهد واستولوا على حفرية تيركس. كان لارسن قد دفع 5000 دولار لموريس ويليامز، أحد أفراد قبيلة شايان ريفر سوكس التي عُثر على الحفرية في أرضها، للحصول على حق التنقيب وإزالة العظام، إلا أن الأرض كانت تحت وصاية الحكومة الفيدرالية، ما جعلها محظورة على جمع الأحافير إلا بتصريح خاص، وهو ما كان يفتقده لارسن.

وبعد سنوات من الخلافات القانونية، بيعت أحفورة الديناصور، التي سُمّيت «سو» نسبةً إلى هندريكسون، في مزاد علني بدار سوذبيز في مدينة نيويورك في 4 أكتوبر عام 1997. وخلال تسع دقائق فقط، حققت الأحفورة رقمًا قياسيًا بلغ 8.36 مليون دولار، وهو أعلى سعر دُفع مقابل حفرية حتى ذلك الوقت. وكان العرض الفائز من متحف فيلد في شيكاغو، مدعومًا بمساهمات من شركة ماكدونالدز وديزني وورلد ومتبرعين من القطاع الخاص.

ظهرت أحفورة «سو»، المعروفة أيضًا باسم «FMNH PR 2081»، لأول مرة في قاعة ستانلي فيلد بالمتحف في عام 2000، وفي عام 2018 انتقلت إلى قاعة «غريفين هولز أوف إيفولفينغ بلانت» في المتحف.

ويقول ويليام سيمبسون، رئيس قسم الفقاريات الأحفورية في متحف فيلد: «تعد أحفورة سو بمثابة حجر رشيد في المحفل العلمي بالنسبة لنوعها، إذ تزودنا بأفضل الأدلة حول الطريقة التي تجلت بها الديناصورات هذه المخلوقات الأيقونية».

يقول ستيفن بروسات، عالم الحفريات في جامعة أدنبرة، الذي رأى «سو» لأول مرة عندما كان في السادسة عشرة من عمره: «لقد شاهد الملايين هذه الأحفورة وتعلموا منها واستلهموا من قصتها، وكذلك العلماء. نحن الآن نفهم الكثير عن التيرانوصور ريكس، هذا المفترس ساحق العظام الذي يعادل حجم حافلة، وذلك بفضل أحفورة سو».

فيما يلي سبع حقائق رائعة حول ديناصورات التيرانوصور ريكس وأحفورة «سو»:

أحفورة «سو» تي ريكس الأكثر اكتمالًا على الإطلاق

يوضح جينغماي أوكونور، عالم الحفريات في المتحف الميداني، أن أحفورة «سو» تي ريكس هي الأكثر اكتمالًا بين العينات الناضجة التي تم اكتشافها على الإطلاق، رغم العثور على عينات أكثر اكتمالًا لفئات أصغر منذ اكتشافها.

من حيث حجم العظام، فإن «سو» مكتملة بنسبة 90%، حيث تحتوي على 250 من أصل حوالي 380 عظمة معروفة في هيكل التي ريكس، بما في ذلك عظام نادرة مثل الترقوة (عظمة الأمنيات)، وعظمة الأذن (عظم الركاب)، وأضلاع البطن.

ويقول توماس آر. هولتز الابن، عالم الحفريات الفقارية بجامعة ميريلاند: «اكتمال أحفورة «سو» يتيح لنا فهمًا دقيقًا للنسب الصحيحة لديناصور تي ريكس كفرد، بدلًا من الاعتماد على مجموعة مركبة من أفراد منفصلين. تخيل أنك تحاول تشريح الإنسان باستخدام أجزاء منفصلة من جسم لاعب جمباز، وظهير رياضي، وعارضة أزياء».

طفرة النمو الشديدة في سن المراهقة لدى «سو»

تشبه عظام الديناصورات حلقات نمو الأشجار، وقد استخدم عالم الحفريات وعالم البيئة الكمي في جامعة أوبورن، توم كولن، مثقابًا مزودًا بطرف ماسي لاستخراج قطعة صغيرة من عظم فخذ «سو» الأيسر. تمت إعادة ملء المكان بعد ذلك بمادة معجون، ولكن إذا نظرت بدقة كافية، قد تتمكن من ملاحظته.

من خلال فحص شرائح رقيقة من العظام تحت المجهر، تم تحديد حلقات النمو التي أظهرت كيفية تكوين عظام جديدة كل عام. وقد كشف تحليل كولن أن «سو» مرت بفترة من النمو الهائل خلال فترة البلوغ، ومن المحتمل أنها كانت تكتسب نحو 35-45 رطلًا في الأسبوع، إلى أن وصلت لحجم البالغين بعمر 20 سنة تقريبًا.

أحد أكبر الديناصورات «تي ريكس» المكتشفة

3. تعد «سو» واحدة من أكبر ديناصورات «تي ريكس» المكتشفة على الإطلاق

يبلغ طول «سو» نحو 40.5 قدمًا، وتزن ما يقدر بنحو 9 أطنان، وهو ما يقارب وزن أربع شاحنات صغيرة. ولكن بعد أكثر من عقدين من التنقيب والتحليل، تحدى هيكل عظمي عُثر عليه في ساسكاتشوان، كندا، في أغسطس 1991، هذا اللقب. ففي دراسة أجريت عام 2019، بلغ طول العينة المسماة «سكوتي» نحو 42 قدمًا ووزنها 9.8 طنًا، متجاوزةً «سو» بقليل.

ومع ذلك، لاحظ بعض الخبراء، مثل جون هاتشينسون، الخبير في الميكانيكا الحيوية التطورية من الكلية البيطرية الملكية بجامعة لندن، أن تقديرات الوزن السابقة لـ «سكوتي» كانت قريبة جدًا من «سو»، وأن الفروق تقع ضمن هامش الخطأ المسموح به لهذه التقديرات.

أقدم دیناصورات التي ریكس المكتشفة على الإطلاق

نُقب عن دیناصور في مونتانا عام 2013 وأشُیر إلیھ في البدء باسم «الجدة ریكس» قبل أن یطلق علیه اسم «تریكس» تیمنًا باس مملكة ھولندا السابقة بیاتریكس وأدعو أنّھ أقدم دیناصو تي ریكس عاش نحو 30 عامًا. ولكن الدراسات التي أجُریت على حلقات النمو أظھرت أیضًا أنّ سكوتي وسو عاشا في نفس العمر تقریبًا، وبلغ سكوتي أوائل الثلاثینیات من عمره، وبلغ سو ما یقدر بنحو33 عامًا.

الحياة القاسية التي عاشتها «سو»

حدد العلماء الذين درسوا الهيكل العظمي لـ«سو» عدة أمراض منهكة عانى منها الديناصور خلال حياته. ومن بين تلك الأمراض النقرس، وتمزق في الأوتار، والتهابات العظام، وأضلاع مكسورة (تم شفاؤها لاحقًا)، بالإضافة إلى التهاب المفاصل في الذيل.

كما يضيف كونور: «عانت سو من ألم شديد في نهاية حياتها».

كيف أنعشت «سو» سوق تجارة الأحافير؟

يعتقد البعض أن التأثير الأكبر لـ«سو» على المجتمع كان السعر الباهظ الذي حققته في المزاد. فمنذ بيعها عام 1997 مقابل 8 ملايين دولار، ارتفعت أسعار أحافير الديناصورات بشكل مستمر. ويقول نيك لونغريتش، عالم الحفريات في جامعة باث: «في هذه الأيام، يعد 8 ملايين دولار مقابل تي ريكس صفقة رابحة».

يضيف لونغريتش: «كان هذا عندما بدأت الديناصورات تكتسب قيمة مالية هائلة، وهذا ما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم»، مشيرًا إلى أن «ستيجوصور» بيع في يوليو 2024 بأكثر من 40 مليون دولار.

قد أدى ذلك إلى زيادة الاستغلال التجاري للأحافير بسبب الأسعار المرتفعة. ويوضح توماس كار، عالم الحفريات في كلية قرطاج، أن حوالي 50% من أحافير تي ريكس موزعة بين المتاحف المعتمدة من AAM والأسواق التجارية أو الخاصة.

يقول لونغريتش: «من الواضح أن الاهتمامات العلمية والتجارية لا تتماشى دائمًا. إنه إرث معقد، ولكن لو لم تكن سو، فأنا متأكد أنها كانت ستكون بعض الديناصورات الأخرى».

اقرأ أيضًا:

كيف حاول البشر إبقاء الموتى في قبورهم؟

كيف طور المصريون القدماء الطب؟

ترجمة: أمیمة الھلو

تدقيق: مؤمن محمد حلمي

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر