بعد مرور 3 سنوات منذ تاريخ تحديد أول اصطدام للنجوم النيوترونية، على بعد 130 مليون سنة ضوئية، رصد علماء الفلك توهجًا ساطعًا لأشعة غاما، أنبأت به الموجات التثاقلية، عندما اندمج نجمان ميتان معًا. ومنذ ذلك الحين، يحرص علماء الفلك على مراقبة الاصطدام والزاوية التي حدث بها، ليروا ماذا يحدث عقب تلك الحوادث العنيفة. المفاجأة أنهم رصدوا توهجات في طيف الأشعة السينية بعد فترة طويلة من الاصطدام، في حين توقعت نماذجنا انقطاع أي إشعاعات.
تقول عالمة الفلك إليونورا تروجا من جامعة ماريلاند: «نحن في خضم مرحلة جديدة في فهمنا لطبيعة النجوم النيوترونية. لا نعلم حقًا ما هو متوقع من هذا الحدث، إذ تتوقع كل نماذجنا غياب الأشعة السينية، ومع ذلك فوجئنا برؤيتها بعد 1000 يوم من الاصطدام. قد يستغرق الأمر سنوات لمعرفة ما يجري هناك حقًا، لكن بحثنا قد يفتح الباب للعديد من الإجابات المحتملة».
اكتُشف الاصطدام المُسمى (GW170817) أول مرة في 7 أغسطس 2017 في صورة موجات تثاقلية انبعثت من كوكبة هيدرا، وذلك بفضل مرصد ليغو.
بعد 1.7 ثانية، التقط مرصدان فضائيان -تلسكوب فيرمي لأشعة غاما التابع لناسا ومختبر الفيزياء الفلكية لأشعة غاما التابع لوكالة الفضاء الأوروبية- انفجارًا كثيفًا لأشعة غاما، كان الحدث الأكثر لمعانًا في الكون.
بعد مرور 9 أيام، التقط علماء الفلك إشعاعات الطيف الكهرومغناطيسي من الأشعة الراديوية إلى الأشعة السينية. كان هذا شيئًا غير مسبوق، فلم يحدث من قبل أن تنبثق مثل تلك الإشعاعات بعد انفجارات غاما. كان من المفترض أن تتلاشى كل انفجارات أشعة غاما تمامًا خلال دقائق قليلة، لذلك يتعارض هذا التوهج مع فهمنا لتبعات انفجارات أشعة غاما.
فُسر هذا الانبعاث التوهجي الناشئ بأنه نتيجة للتدفقات النسبية لانفجار من النوع كيلونوفا. ومع توسع تلك التدفقات في الفضاء، تولد موجة تصادمية، ينبعث منها الضوء بأطوال موجية مختلفة من موجات الراديو إلى الأشعة السينية.
التدفقات النسبية: هي تدفقات من المادة المتأينة تمتد مئات أو ألوف السنين الضوئية، وعندما تتسارع تلك المادة لتقترب من سرعة الضوء تُسمى التدفق النسبي، إذ تُظهر تأثيرات النسبية الخاصة.
استمر التوهج في السطوع، وبلغ ذروته عند اليوم 160 ثم تلاشى سريعًا، لكن الأشعة السينية استمرت فترةً، إذ كان آخر رصد لها في مارس من العام الحالي بواسطة مرصد تشاندرا للأشعة السينية، وبعد عامين ونصف من اكتشاف التصادم، في مايو من نفس العام، وباستعمال مرصد راديوي تديره هيئة البحوث الأسترالية يُسمى مصفوفة تلسكوب أستراليا المدمج، أصبح اكتشاف التوهجات المنبعثة منه ممكنًا.
وضعت تروجا وفريقها خريطةً لتوهجات الأشعة السينية، واستنتجوا توافق الانبعاثات مع التدفقات النسبية، ولكنهم غير متيقنين من سبب استمرار الانبعاثات فترات طويلة بعد التصادم.
نظرًا إلى كون التصادم (GW170817) أول تصادم من نوعه نتمكن من رصده، يُحتمل وجود العديد من الأشياء التي لا نفهمها حول كيفية حدوث الاصطدامات في النجوم النيوترونية وانفجارات أشعة غاما.
تقول تروجا: «إن وجود تصادم مرئي قريب منا يوضح لنا العملية، التي من النادر أن يتاح لنا رؤيتها بهذا القرب، ربما تضمن التصادم عمليات فيزيائية لم نتوقعها في نماذجنا لأنها غير مرتبطة بالمراحل المبكرة للاصطدام عند تكوّن التدفقات، وهي المراحل التي نعرفها جيدًا».
من المحتمل كذلك أن لا تكون التدفقات نفسها ما يسبب استمرار الانبعاثات، بل إن تمدد سحابة الغاز من الكيلونوفا التي أعقبتها قد سببت موجة تصادمية.
إذا حدثت موجات تصادمية متعددة في أوقات مختلفة وسلكت سلوكًا مختلفًا، قد يفسر ذلك الاختلافات في كيفية تلاشي الأطوال الموجية المختلفة.
ربما بقيت الأشعة السينية بواسطة ما يطلق عليه الباحثون «استمرار حقن الطاقة بواسطة موقد مركزي طويل الأمد»، ما يعني أن كل ما تركه الاصطدام خلفه أصبح موقدًا للأشعة السينية.
لا نملك أي معلومات حاليًا تُمكننا من تحديد تلك السيناريوهات التي سببت استمرار سطوع التوهج، لكن اتضحت الآن بعض الأشياء.
أولًا إننا لم نفهم بعد الطبيعة الكاملة للنجوم النيوترونية المندمجة. تفتقر نماذجنا إلى شيء ما، وفقط الرصد المستمر سيساعدنا على اكتشافه.
ثانيًا، إن ارتباط هذا النوع من التوهج باصطدامات النجوم النيوترونية يُمكننا من استعماله علامةً يمكن بواسطتها تحديد اصطدامات النجوم النيوترونية الأخرى التي لا نعلم بوجودها. إذ يمكن استخدام خصائصها للبحث عن انبعاثات مشابهة في بيانات للأشعة السينية المرصودة للكشف عن الاصطدامات المفقودة.
ستُجرى المزيد من الملاحظات لموضع انفجار (GW170817) في ديسمبر القادم، وعلماء الفلك غير متيقنين مما قد يجدونه، على أي حال سيعزز ذلك فهمنا لطبيعة اصطدامات النجوم النيوترونية.
قالت تروجا: «قد يكون هذا آخر ما قد يُرصد من هذا المصدر التاريخي، أو قد يحمل لنا بداية قصة جديدة، إذ قد تتألق الإشارة مرةً أخرى في المستقبل وتظل مرئيةً عقودًا أو حتى قرونًا، على كل حال، هذا الاصطدام غيّر تمامًا ما عرفناه حول النجوم النيوترونية المندمجة وأعاد كتابة نماذجنا».
اقرأ أيضًا:
لأول مرة: أمواج الجاذبية تمكننا من رصد اصطدام النجوم النيترونية
خلل في النجوم النابضة قد يكون دليلًا على جزيئات المادة المظلمة
ترجمة: آية قاسم
تدقيق: أكرم محيي الدين