تدرس ويندي فريدمان -عالمة فلك من جامعة شيكاغو- مفهوم توتر هابل منذ أربع عقود، ويدل هذا المفهوم على تناقضات في قياسات توسع الكون ما يشكل تحديًا للنموذج المعروف عن تطور الكون، فالكون يتوسع ولكن المحير أن سرعة التوسع تبدو مختلفة لدى اختلاف المكان الذي نراقبه.
تتمحور مسألة توتر هابل حول اكتشاف سرعة تمدد الكون المسماة بثابت هابل، ولإيجاده نظر العلماء في التقلبات الصغيرة في إشعاع الخلفية الكوني الميكروي (CMB)، وبنوا أيضًا سلالم مسافات كونية لنجوم نابضة بعيدة تسمى متغيرات سيفيد. لكن أفضل التجارب لهاتين الطريقتين أظهرتا نتائج تدل على اختلاف محير رغم صغره.
إلا أن التجارب الأفضل في استخدام الطريقتين المذكورتين لا تلتقيان بالنتائج، فإن الاختلاف قد يبدو للوهلة الأولى بسيطًا، لكنه كافٍ لإثارة أزمة كبيرة في علم الكونيات.
تستخدم فريدمان مع فريقها البحثي تلسكوب جيمس ويب الآن للوصول إلى أدق القياسات لثابت هابل، والأمل أن النظر إلى عدة أجرام سماوية على نفس بعد الأرض سيولّد قياسات قد تحل مسألة توتر هابل.
ينظر فريقها فيما يخص الأجرام السماوية الواقعة على نفس البعد عن الأرض. والأمل ما زال يكمن في وجود العديد من القياسات في متناول اليد حاليًا، لذلك يمكن أخيرًا حل قضية التمدد الكوني بطريقة أو بأخرى.
وفيما يلي، ننقل بتصرف ملخص أسئلة موقع لايف ساينس لفريدمان حول توتر هابل وإجاباتها.
ما الذي لفت انتباهك إلى توتر هابل؟ ولماذا تُعد هذه القياسات مهمة جدًا لعلماء الفلك؟
يمنحنا ثابت هابل قياسًا لحجم الكون، ولعله أهم المعاملات التي نستطيع قياسها لتخبرنا عن تطور الكون. وما جذبني حقًا أننا نستطيع معه استخدام القياسات المحلية (في الفضاء القريب منا نسبيًا) لنتعلّم أشياء عن بدايات تطور الكون.
ما أهمية النموذج المعياري لعلم الكونيات؟ وما هو توتر هابل؟
يشرح النموذج المعياري توسع الكون منذ الانفجار العظيم، ما يعني أننا تشكلنا من نسبة صغيرة جدًا من المادة والطاقة الموجودة في الكون. ولذلك توجد كثير من الأشياء الأساسية التي لا نفهمها، فلا نعلم بعد ما هي المادة المظلمة ولا الطاقة المظلمة، نعلم أنها تسبب تسارع الكون فقط.
وفي هذا السياق، يتيح ثابت هابل الفرصة لنعرف أشياء أساسية، نختبر النموذج المعياري باستخدام قياسات محلية ثم مقارنتها مع تذبذبات قياسات الحرارة في الكون المبكر التي نجدها في إشعاع الخلفية الكوني الميكروي.
من المذهل إمكانية ملاءمة قياسات إشعاع الخلفية الكوني الميكروي مع النموذج المعياري، ولأنه نموذج تنبؤي بوسعنا استخدام نفس البيانات لنعلم قيمة ثابت هابل اليوم. لكن مقارنة هذه القيم مع القياسات باستخدام “متغيرات سيفيد” سيظهر اختلافًا، وهذا هو توتر هابل.
إذا افترضنا أن توتر هابل حقيقي وليس خطأ بالمنظومة، فإلى أي حد يشكل هذا تحديًا للنموذج المعياري لعلم الكونيات؟
أتقبّل احتمال أن يكون توتر هابل غير حقيقي بعقل منفتح، لكن التحديات ستكون مهمة جدًا حتى لو لم تكن بحجم النموذج المعياري نفسه. وإذا قادتنا إلى فهم جديد وأعمق يحسّن معرفتنا عن الأشياء الغامضة حاليًا، سيكون ذلك عظيمًا.
ما طرق قياس قيمة ثابت هابل؟ وما متغيرات سيفيد؟ وكيف نستخدمها لقياس المسافات الفلكية؟
استخدم إدوين هابل “متغيرات سيفيد” لاكتشاف تمدد الكون، وهي نجوم تصل كتلتها إلى 5-20 ضعف كتلة الشمس، ولها أغلفة جوية نابضة مع مرور الزمن (تتحرك داخلًا وخارجًا)، إذ تمر بمئة طور تقريبًا من مستويات الإضاءة في دورات منتظمة كل بضعة أيام.
وجدت هنريتا سوان ليفيت في بداية القرن العشرين ترابطًا بين سرعة نبض هذه النجوم ومدى سطوعها، ما يمنحنا وسيلة لقياس المسافات تعد عمليًا من الأدق اليوم.
فإذا استطعنا قياس النجوم القريبة وتحديد مسافتها، نستخدم بعدها “متغيرات سيفيد” في المجرات لتحديد المسافة بمقارنة سطوعها خلال فترة معينة، باستخدام علاقة السطوع بالفترة الزمنية، ثم قانون التربيع العكسي للضوء (انخفاض سطوع مصدر ضوئي يتناسب مع مربع مسافته عن الناظر).
فإن استطعنا قياس النجوم القريبة ونتمكن من تحديد مسافاتها، عبر الهندسة مثلًا، عندئذٍ سنتمكن من التطلع نحو دراسة المتغيرات القيفاوية في مُختلف المجرات، ثم بمقارنة سطوعها في فترةٍ معينة؛ مستخدمًين علاقة (فترة اللمعان)، ومن ثم عبر القانون الثاني لانتشار الضوء التربيع العكسي (إذ إن الضوء يخفت بعد انتشاره من المصدر بما يتناسب مع مربع المسافة للناظر) سنحصل على المسافة.
حتى مع دقتها العالية، يرتبط الشك بقياسات “متغيرات سيفيد” كثيرًا، فما هو مصدر الشك؟ وماذا يفعل الباحثون لأخذه بالحسبان في قياساتهم؟
توجد تعقيدات لأسباب مختلفة تؤدي لعدم اليقين بالقياسات، مثل وجود الغبار بيننا وبين نجوم السيفيد الذي يجعلها تبدو أخفت مما هي عليه، أو معدنيتها العالية (احتواء أغلفتها الجوية على كميات مختلفة من العناصر الثقيلة) ما يغير سطوعها. وعند النظر إلى المجرات الأبعد يصعب أخذ القياسات لنجوم السيفيد وحدها، لأن نجوم المجرة الأخرى تساهم بضوء يصعب فصله عن نجوم السيفيد.
لكن تطوير دقة القياسات يجري منذ عقود، ففي بداية القرن العشرين كانت قيم ثابت هابل من نجوم السيفيد 50-100 كيلومتر في الثانية لكل ميجا بارسك، وعامل شك بنسبة الضعف تقريبًا. أما في 2001 فوصلنا قيمة 72 مع شك بنسبة 10% ما زالت قريبة لقيم اليوم، إذ نرى أرقامًا مثل 72 إلى 74.
ولكن بالنظر إلى قياسات حديثة لإشعاع الخلفية الكوني الميكروي باستخدام القمر الصناعي بلانك، نرى قيمة 67 تقريبًا، بفرق أقل من 7 لا يبدو مختلفًا جدًا، فلماذا يهمكم هذا الأمر؟
مصدر توتر هابل في السنوات القليلة الماضية هو قدرتنا على أخذ قياسات دقيقة جدًا -بنسبة جزء من مئة ألف- للاختلافات الصغيرة في درجة حرارة إشعاع الخلفية الكوني الميكروي.
وهذه الدقة تلاءم النموذج المعياري لنستدل إلى أن قيمة ثابت هابل هي 67. والاختلاف بين 67 و 73 لا يبدو كبيرًا مقارنةً بما كان عليه بين 50 و 100، ولكن تحسن الدقة إلى هذه الدرجة يشير إلى أن هذا الفرق كبير ومهم. والمثير للاهتمام اليوم، أننا بدأنا نستخدم تلسكوب جيمس ويب لقياسات السيفيد.
تحدثنا عن أخطاء المنظومة المختلفة في كل طريقة، ومهما جعلنا القياسات أكثر دقة، ستنال هذه الأخطاء منا ما لم نفهمها، فقد استخدمنا سابقًا قياسات دقيقة لنجوم نابضة قريبة جدًا من فئة العملاق الأحمر، وبالمقارنة كانت القيمة 70 تقريبًا، وضمن حدود الشك يتوافق ذلك مع قياسات السيفيد ومع إشعاع الخلفية الكوني الميكروي.
أما برنامجنا الآن مع جيمس ويب لقياس السيفيد فيتضمن في نفس المجرة تلك الفئة بالإضافة إلى فئة JAGB، نجوم كربونية قديمة بسطوع شبه ثابت، وجميعها من نفس المسافة. وسنرى كم ستتوافق النتائج ونقترب أكثر من الإجابة.
لماذا تعد فئة نجوم العملاق الأحمر جيدة للمقارنة مع نجوم السيفيد؟
لأن هذه النجوم إما أقدم عمرًا وإما أقل كتلة وأقل اعتمادًا على المعادن، بينما لا نعلم جيدًا اعتماد نجوم السيفيد على المعادن. أضف إلى ذلك، تُعد نجوم السيفيد حديثة نسبيًا فلم تحظَ بالوقت الكافي لتبتعد عن مكان نشأتها، فهي في مناطق مزدحمة ذات كثافة سطحية عالية، أما نجوم العملاق الأحمر معزولة ما يسهل قياس سطوعها.
هل توجد نتائج بوسعك مشاركتها؟ أو متى ستفصحون عن ذلك؟
لا ليس بعد، ولن نبدأ المعايرة الكلية للمسافات حتى تتوفر البيانات ونحللها، فعلينا قياس إضاءة نجوم السيفيد ومدتها، وإنشاء علاقة السطوع بالفترة الزمنية وقياس السطوع لنجوم JAGB أيضًا، ولذلك لا نعلم بالضبط متى سنعلن أي شيء عن القياسات.
طلبنا استخدام تلسكوب جيمس ويب ﻷن دقته تفوق دقة تلسكوب هابل عند أطوال الأشعة تحت الحمراء بأربع مرات، ما يعني أن مشكلة ازدحام النجوم قد خُففت كثيرًا، ولدينا اختبار باستخدام مرشح مختلف للبحث عن تأثيرات المعدن مباشرة في المكان الذي نراقبه، لذلك سنتمكن من الحد أكثر من أخطاء المنظومة.
لا أعلم كيف سيحل هذا توتر هابل، لكننا متحمسون لأننا سنشارك شيئًا مثيرًا للاهتمام، لأننا بخلاف السابق ننظر الآن إلى مجرات ليست مزدحمة كثيرًا، وكما قلت سابقًا عقلي منفتح لكل ما سيقدمه هذا السؤال التجريبي.
اقرأ أيضًا:
تلسكوب جيمس ويب الفضائي يؤكد معدل تمدد الكون وأحد أكبر الألغاز الفيزيائية
اكتشاف جدار من المجرات يتمدد عبر الكون
ترجمة: زين العابدين بدور
تدقيق: محمد حسان عجك