كانت النصيحة الشائعة للأشخاص الذين يرغبون في إنقاص أوزانهم أن يتجنبوا تناول الوجبات الخفيفة في وقت متأخر من الليل. لا عجب في ذلك، إذ أظهرت مجموعة من الأبحاث أن تناول الطعام في وقت متأخر من الليل يرتبط بزيادة وزن الجسم وزيادة خطر الإصابة بالسمنة.
حتى الآن، هناك القليل من الدراسات التي حددت سبب ارتباط تناول الطعام في وقت متأخر من الليل بزيادة وزن الجسم. هذا ما كشفته دراسة أمريكية حديثة، إذ وجدوا أن تناول الطعام بعد أربع ساعات عن وقت الطعام الطبيعي، قد غيَّر حقًا العديد من الآليات الفسيولوجية والجزيئية التي تحفز زيادة الوزن.
أُضيفت هذه الدراسة إلى الدراسات الأخرى التي نُشرت مؤخراً، والتي وجدت أن تناول الطعام في وقت مبكر من اليوم أكثر فائدة لكل من الشهية والتحكم في وزن الجسم.
الأكل المتأخر
كان لدى الباحثين 16 مشاركًا يتبعون جدولين مختلفين للوجبات لمدة ستة أيام.
في الجدول الأول كان المشاركون يتناولون وجباتهم في وقت مبكر من اليوم، مع تناول الوجبة الأخيرة قبل نحو 6 ساعات و 40 دقيقة من موعد النوم.
أما الجدول الثاني كان المشاركون فيه يأكلون جميع وجباتهم اليومية بعد أربع ساعات تقريبًا من استيقاظهم، ما يعني أنهم تخطوا وجبة الإفطار، وبدلًا من ذلك تناولوا وجبتي الغداء والعشاء، و تناولوا وجبتهم الأخيرة قبل ساعتين ونصف فقط من النوم.
أُجريت الدراسة في مكان خاضع للرقابة، إذ تناول المشاركون في كل مجموعة نظامًا غذائيًا متطابقًا، وكانت جميع وجباتهم متباعدة بالتساوي بنحو أربع ساعات بينها.
نظر الباحثون تحديدًا في ثلاثة مقاييس مختلفة مرتبطة بزيادة الوزن؛ لفهم مدى تأثير تناول الطعام المتأخر في الجسم، وهي:
- تأثير الشهية.
- تأثير وقت الأكل في استهلاك الطاقة (حرق السعرات الحرارية).
- التغيرات الجزيئية حسب الأنسجة الدهنية.
قيست الشهية بطريقتين: الطريقة الأولى هي جعل المشاركين يقيمون شعورهم بالجوع على مدار اليوم.
الطريقة الثانية هي جمع عينات الدم لفحص مستويات الهرمونات المنظمة للشهية في دم المشاركين، مثل اللبتين (الذي يساعدنا على الشعور بالشبع) والجريلين (الذي يجعلنا نشعر بالجوع).
قُيمت هذه الهرمونات كل ساعة على مدار 24 ساعة في اليوم الثالث والسادس من كل تجربة.
لتقييم تأثير توقيت الوجبة في استهلاك الطاقة اليومي، استُخدمت تقنية تسمى قياس السعرات الحرارية غير المباشر.
تقيس هذه التقنية كمية الأكسجين التي يستخدمها الشخص إضافة إلى كمية ثنائي أكسيد الكربون التي ينتجها.
تساعد هذه المعلومات الباحثين على تقدير عدد السعرات الحرارية التي يستخدمها جسم الشخص في أثناء اليوم العادي.
أجرى الباحثون خزعة من الأنسجة الدهنية المأخوذة من البطن (وافق نصف المشاركين فقط على ذلك)؛ لدراسة كيفية تأثير تناول الطعام في وقت متأخر من الليل في طريقة تخزين الجسم للدهون على المستوى الجزيئي.
وجد الفريق أنه مقارنة بنمط الأكل المبكر، فإن تناول الطعام المتأخر لا يزيد فقط من الشعور بالجوع في اليوم التالي، بل يزيد أيضًا من نسبة هرمونات الجوع في الدم، مع أن المشاركين قد تناولوا نظامًا غذائيًا متطابقًا في كلا الجدولين.
تسبب الأكل المتأخر أيضًا في انخفاض عدد السعرات الحرارية التي حُرقت في اليوم التالي.
تبين أيضاً أن الأكل المتأخر يتسبب في تغيرات جزيئية تعزز تخزين الدهون، عند المشاركين الذين أجروا خزعة الأنسجة الدهنية.
تشير هذه النتائج مجتمعة إلى أن الأكل المتأخر يؤدي إلى عدد من التغيرات الفسيولوجية والجزيئية التي قد تؤدي مع مرور الوقت إلى زيادة الوزن.
احتمالية زيادة الوزن
مع أننا لا نفهم تمامًا جميع الآليات الكامنة وراء تعزيز تناول الطعام في وقت متأخر من الليل لزيادة الوزن، فإن هذه الدراسة توضح لنا أن زيادة الوزن قد تكون نتيجة العديد من العوامل التي تعمل معًا.
قد تكون إحدى النظريات التي تفسر تسبب تناول الطعام في وقت متأخر في زيادة الوزن هي اتزان الساعة البيولوجية لدينا.
يمتلك جسم الإنسان ساعة بيولوجية متزنة طبيعيًا، يتحكم فيها الدماغ للتأثير في المستويات الطبيعية للهرمونات، وتستجيب خاصة لضوء النهار وتناول الطعام.
يرتبط وقت تناول الطعام ارتباطًا جوهريًا باتزان الساعة البيولوجية لدى البشر، إذ إننا ننام عادة عندما يحل الظلام ونأكل في ضوء النهار.
عندما نأكل في وقت متأخر، قد يختل توازن الساعة البيولوجية الطبيعي؛ ما يسبب اضطرابات في إشارات الجوع المرسلة إلى الدماغ، والطريقة التي يستخدم بها الجسم السعرات الحرارية ويزيد من تخزين الدهون.
مع ذلك، لم يظهر هذا الارتباط -حتى الآن- إلا في الدراسات التي أُجريت على الحيوانات.
لأن الدراسة الجديدة أُجريت على عدد محدود من المشاركين وعلى مدة زمنية قصيرة جدًا؛ سوف تكون هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم ما إذا كانت هذه التغييرات مؤقتة فقط، وماذا يؤثر تناول الطعام في وقت متأخر من الليل على المدى الطويل في آليات زيادة الوزن.
لكننا نعلم من دراسات أخرى أن الأشخاص الذين يميلون إلى تناول الطعام في وقت متأخر من الليل يزداد وزنهم أيضاً بسهولة أكبر.
وجدت دراسات أخرى واسعة النطاق تبحث في تأثير الاضطرابات في توقيت الوجبة في توازن الطاقة -مثل تخطي وجبة الإفطار وتناول الطعام في وقت متأخر من الليل- أن أنماط الأكل هذه مرتبطة بزيادة وزن الجسم، وزيادة خطر الإصابة باضطرابات التمثيل الغذائي، مثل: ارتفاع ضغط الدم أو داء السكري من النمط الثاني.
تدعم هذه الدراسة مجموعة متزايدة من الأدلة التي توضح مدى أهمية توقيت الوجبة عندما يتعلق الأمر بوزن الجسم.
بناء على ما أظهرته هذه الدراسة وغيرها من الدراسات، قد يرغب الأشخاص الذين يراقبون وزنهم في التخلص من الوجبات الخفيفة في وقت متأخر من الليل وتناول معظم وجباتهم في وقت مبكر من اليوم.
اقرأ أيضًا:
فقدان الوزن: ما هو الوقت الأنسب لتناول أكبر وجبة خلال اليوم؟
عشر تغييرات بسيطة في حياتك اليومية تحميك من زيادة الوزن
ترجمة: ميس الفالوجي
تدقيق: باسل حميدي
مراجعة: عبد المنعم الحسين