تمثال الحرية عمل مشترك بين فرنسا والولايات المتحدة والهدف منه الاحتفاء بالصداقة الدائمة بين شعبي الدولتين، شيَّد النحات الفرنسي فريدريك-أوغست بارثولدي التمثال مستخدمًا رقائق النحاس المطروق، في حين صمم هيكل التمثال الفولاذي ألكسندر غوستاف إيفيل الذي صمم برج إيفيل الشهير، أُهدي تمثال الحرية إلى الولايات المتحدة ونُصب على قاعدة أمريكية التصميم على جزيرة صغيرة في خليج نيويورك الشمالي التي أصبحت معروفة الآن بجزيرة ليبيرتي –الحرية- وافتتحها الرئيس غروفر كليفلاند عام 1886.
انتصب التمثال شامخًا على مر السنوات وكان ملايين المهاجرين يصلون إلى أمريكا عبر جزيرة إليس القريبة. خضع التمثال لأعمال صيانة وتجديد عام 1986 احتفالًا بالذكرى المئوية لإهدائه، حتى اليوم لا يزال تمثال الحرية رمزًا مستمرًا وثابتًا للحرية والديمقراطية إضافةً إلى كونه من أكثر الصروح شهرة في العالم.
أصول تمثال الحرية:
شارفت الحرب الأهلية الأمريكية على نهايتها عام 1865 ولذلك اقترح المؤرخ الفرنسي إدوارد دي لابولي أن تبني فرنسا تمثالًا وتمنحه للولايات المتحدة احتفالًا بنجاح هذه الأمة في إقامة ديمقراطية ناجحة. وافق النحات الفرنسي فريدريك أوغست بارثولدي –المعروف بمنحوتاته الضخمة- على تولي هذه المهمة، وكان الهدف تصميم التمثال بالتزامن مع الذكرى المئوية لإعلان وثيقة الاستقلال عام 1876. مثّل المشروع عملًا مشتركًا بين البلدين ورمزًا للصداقة بين الشعبين، إذ سيتعين على الفرنسيين بناء التمثال وتجميعه، أما الأمريكيون فسيبنون القاعدة التي سينتصب التمثال عليها.
بسبب الحاجة إلى جمع التمويل اللازم لبناء التمثال، لم يبدأ العمل عليه حتى عام 1875. يصور تمثال بارثولدي هائل الحجم -الذي حمل عنوان: «تمثال الحرية ينير العالم»- امرأةً تحمل مشعلًا في يديها اليمنى وترفعه عاليًا، ولوحًا في يدها اليسرى نُقِش عليه الرابع من يوليو 1776، تاريخ إعلان وثيقة الاستقلال.
طرق بارثولدي -الذي قيل إنه نحت وجه التمثال مستوحيًا وجه أمه- رقائق النحاس ليبني الطبقة السطحية للتمثال، ولتشييد هيكل التمثال الذي ستُجمَع عليه الطبقة السطحية، استعان بارثولدي بألكسندر غوستاف إيفيل -مصمم برج إيفيل- الذي صمم، مستعيتًا بإيوجين إيمانويل فايوليت ليدوس، الهيكل من الحديد الصلب والفولاذ الذي يسمح للطبقة السطحية النحاسية بالحركة على نحو مستقل، ما يُعد حاجة ضرورية وملحة بسبب الرياح القوية التي سيتعرض لها التمثال في الموقع الذي اختير لبنائه في ميناء نيويورك.
تجميع تمثال الحرية وإهداؤه:
بينما كان بناء التمثال يجري على قدم وساق في فرنسا، استمرت الجهود في الولايات المتحدة لجمع التمويل اللازم لبناء قاعدة التمثال، وتضمنت هذه الجهود إقامة مسابقات ومعارض وتقديم مساهمات، ومع اقتراب الأمريكيين من جمع الأموال المتبقية لبناء القاعدة استغل الصحفي النيويوركي الشهير جوزيف بوليتزر صحيفته، لحث العالم جمع القسم المتبقي من الأموال، صمم القاعدة المهندس المعماري ريتشارد موريس هانت وبُنيَت داخل حصن فورت وود الذي أُنشِئ من أجل حرب عام 1812 وكان يقع في جزيرة بودلي مقابل الحافة الجنوبية لمنهاتن في خليج نيويورك الشمالي.
سنة 1855 أنهى بارثولدي التمثال الذي كان مفككًا ومجمعًا في أكثر من 200 صندوق وشُحِن إلى نيويورك ووصل إليها على متن الفرقاطة الفرنسية إيسيري، وفي غضون أربعة أشهر أعاد العمال تركيب التمثال ووضعوه على المنصة ليبلغ ارتفاعه مع قاعدته 93 مترًا. في 18 أكتوبر 1886 افتتح الرئيس غروفر كليفلاند تمثال الحرية رسميًا أمام آلاف المشاهدين.
تمثال الحرية وجزيرة إليس:
عام 1892 افتتحت حكومة الولايات المتحدة مركز هجرة فيدرالي على جزيرة إليس التي تقع قرب جزيرة بودلي في خليج نيويورك الشمالي. بين عامي 1892 و1954 كانت ملفات قرابة 12 مليون مهاجر تُعالَج وتُدرَس في جزيرة إليس قبل السماح لهم بدخول الولايات المتحدة، وشهد مركز الهجرة هذا بين عامي 1900 و1914 عبور نحو 5000 – 10000 شخص يوميًا إلى الولايات المتحدة، وكانت هذه المدة من أكثر سنوات مركز الهجرة نشاطًا.
يقدم تمثال الحرية- الذي يظهر في أفق ميناء نيويورك- ترحيبًا مهيبًا إلى العابرين نحو جزيرة إليس، وعلى لافتة في المدخل المؤدي إلى قاعدة التمثال نُقشَت قصيدة العملاق الجديد لإيما لازاروس جزءًا من جهود التمويل، ومن أشهر مقاطعها مقطع يتحدث عن دور التمثال بوصفه رمزًا مُرحبًا من رموز الحرية والديمقراطية لملايين المهاجرين الذي أتوا إلى أمريكا من أجل حياة أفضل، تقول إيما في ذلك المقطع: «أعطني فقراءك المتعبين، تلك الأكوام المنهكة والمتعطشة لتستنشق الحرية، أولئك المنبوذين البؤساء المحتشدين على شواطئكم، أرسلوا أولئك المشردين المكلومين والمعذبين إلي، ها أنا أرفع مشعلي بجانب الباب الذهبي!»
تمثال الحرية على مر السنين:
حتى عام 1901 كان مجلس المنارات في الولايات المتحدة هو من يشغل تمثال الحرية كون مشعل التمثال يساعد البحارة في الملاحة، بعد ذلك التاريخ انتقلت إدارة التمثال إلى وزارة الحربية الأمريكية بسبب وضع حصن فورت وود بوصفه مركزًا عسكريًا لا يزال في الخدمة. عام 1924 جعلت الحكومة الفيدرالية التمثال معلمًا وطنيًا وتسلمت إدارته وتشغيله دائرة المتنزهات الوطنية عام 1933.
سنة 1956 تغير اسم جزيرة بودلي إلى جزيرة الحرية، وأصبحت جزيرة إليس جزءًا من معلم تمثال الحرية الوطني بعد مرور أكثر من عقد على غلق مركز الهجرة. بحلول القرن العشرين كانت عملية التأكسد التي طالت الطبقة السطحية للتمثال بسبب تعرضه للمطر والرياح والشمس قد منحته لونًا أخضر مميزًا يُعرف بالزنجار (صدأ النحاس).
أُغلِق التمثال أمام العامة عام 1984 وخضع لأعمال ترميم وصيانة ضخمة تزامنًا مع الاحتفال بمئوية تشييده. مع بدء الترميم أعلنت الأمم المتحدة أن التمثال أصبح من ضمن مواقع التراث العالمية. في 5 يوليو 1986 أُعيد افتتاح التمثال أمام العامة في الاحتفال المئوي لإقامته. بعد هجمات 11 سبتمبر، أُغلقَت جزيرة الحرية مئة يوم ولم يُسمح للزوار بالوصول إلى تمثال الحرية حتى أغسطس 2004. في يوليو 2009 أُعيد افتتاح تاج التمثال أمام العامة بشرط إجراء حجز مسبق حتى يصعدوا إلى أعلى القاعدة أو التاج.
اقرأ أيضًا:
ترجمة: طارق العبد
تدقيق: أحمد الحميّد