من على بعد 13 مليار سنة ضوئية عبر الفجوة الزمانية والمكانية، التقط تلسكوب جيمس ويب لمحة عن اندماج الثقب الأسود الأبعد الذي اكتُشف حتى الآن.

إذ اكتشف فريق دولي من علماء الفلك اثنين من الثقوب السوداء فائقة الضخامة ومجراتهما المصاحبة وهما يتجهان نحو تصادم كوني هائل، وذلك بعد 740 مليون سنة فقط من الانفجار العظيم. قد تكون هذه الاكتشافات دليلًا يساعدنا على فهم مصدر الثقوب السوداء الفائقة الضخامة وكيف نمت بهذا الحجم الكبير في وقت مبكر من تاريخ الكون.

تقول عالمة الفلك هانا أوبلر من جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة: «تشير نتائجنا إلى أن الاندماج هو طريق مهم يمكّن الثقوب السوداء من النمو بسرعة، حتى في فجر الكون، إلى جانب الاكتشافات الأخرى لتلسكوب جيمس ويب للثقوب السوداء النشطة والضخمة في الكون البعيد، تُظهر نتائجنا أيضًا أن الثقوب السوداء الضخمة كانت تشكل تطور المجرات منذ البداية».

الثقوب السوداء مليئة بالألغاز، ومن أكثرها إثارة أصل الثقوب الكبيرة. فبوسعنا تفسير الثقوب الصغيرة -التي تصل كتلتها إلى نحو 65 ضعف كتلة الشمس- بالسوبرنوفا وانهيار نواة النجوم الضخمة، وبوسعنا تفسير الأكبر قليلًا بتصادم هذه النوى النجمية المنهارة واندماجها.

أما الثقوب السوداء فائقة الضخامة -التي تكون كتلتها ملايين إلى مليارات أضعاف كتلة الشمس- فمن الممكن نظريًا أن تنمو بهذه الطريقة أيضًا، بسلسلة من التصادمات الهرمية بين الثقوب السوداء الأكبر فالأكبر، لكن هذه العملية يجب أن تستغرق وقتًا طويلًا. المشكلة أننا رأينا ثقوبًا سوداء كبيرة جدًا في بداية الكون، ما يجعل الوقت غير كافٍ لنموها بهذه الطريقة البطيئة.

من الحلول المحتملة -بل الأكثر احتمالًا- أن البذور الأولية التي تشكلت منها الثقوب السوداء كانت ضخمة في البداية، لكن إن كان هذا هو الحال فمن المحتمل أيضًا أن التصادمات والاندماجات أدّت دورًا في نمو هذه الثقوب السوداء إلى أحجام أكبر.

من مهمات تلسكوب جيمس ويب مساعدتنا على فهم كيفية تشكل الكون بعد الانفجار العظيم، باستخدام قدراته القوية على الأشعة تحت الحمراء لاستكشاف فجر الكون -مليار سنة الأولى بعد نشوء الكون- بأعلى دقة حتى الآن. الثقوب السوداء فائقة الضخامة هي من الأمور التي يبحث عنها علماء الفلك والكونيات خصوصًا.

خلال إحدى مسحاته، التقط تلسكوب جيمس ويب زوجًا من المجرات في مسار تصادمي، نظام يعرف الآن باسم (ZS7)، في مركز كل مجرة يوجد ثقب أسود فائق الضخامة، وكلا الثقبين الأسودين ينموان بنشاط، وهي عملية تجعل الغبار والغاز حولهما يتوهجان بالضوء. تقول أوبلر: «لقد وجدنا دليلًا على وجود غاز كثيف جدًا بحركات سريعة في محيط الثقب الأسود، إضافة إلى غاز ساخن ومؤين بدرجة عالية تضيئه الإشعاعات النشطة التي تنتجها الثقوب السوداء خلال حلقات الامتصاص، بفضل دقة التصوير غير المسبوقة لتلسكوب جيمس ويب، تمكن فريقنا أيضًا من فصل الثقوب السوداء مكانيًا».

تمكن الباحثون من تحديد أن أحد الثقوب السوداء تبلغ كتلته 50 مليون كتلة شمسية، وكان من الصعب قياس الآخر لأن كثافة الغاز والغبار حوله كانت عالية جدًا، ولكن من المحتمل أن يكون له كتلة مماثلة.

لقد رأينا أنظمة دمج أخرى في وقت لاحق من الكون، في الواقع، يُعتقد أن الاندماجات هي جزء مهم من نمو المجرة. ولكن اكتشاف نظام دمج في وقت مبكر كهذا يُظهر أن النموذج الذي يتضمن كلًا من الاندماجات والبذور الكبيرة للثقوب السوداء في البداية هو نموذج معقول جدًا.

من المعتقد أن هذه الاندماجات الهائلة تنتج همهمة مستمرة من موجات الجاذبية التي تتردد في جميع أنحاء الكون. وأطوال موجات هذه الهمهمة كبيرة جدًا بحيث لا يمكن اكتشافها باستخدام أدوات موجات الجاذبية الحالية، مع أننا قد اكتشفناها باستخدام النجوم النابضة. ولكن بتحديد الاندماجات الجارية عبر مختلف العصور الكونية، يستطيع العلماء تقدير معدل حدوثها بدقة أكبر ومساهمتها في الهمهمة الكونية.

كتب الباحثون: «تقدم ملاحظاتنا دليلًا واضحًا وقويًا على وجود ثقب أسود ضخم يشارك في اندماج مع مجرة أخرى، من المحتمل أن تحتوي على ثقب أسود آخر يمتص المادة، عند قيمة (z = 7.15)، بعد 740 مليون سنة فقط من الانفجار العظيم … يبدو عمومًا أن نتائجنا تدعم سيناريو اندماج الثقب الأسود الضخم في الكون المبكر، ما يبرز هذا قناةً إضافية مهمة للنمو المبكر للثقوب السوداء. جنبًا إلى جنب مع الاكتشافات الحديثة الأخرى، يشير هذا إلى أن اندماجات الثقوب السوداء الضخمة في الكون البعيد شائعة».

اقرأ أيضًا:

تلسكوب جيمس ويب الفضائي يفجر مفاجأة حول تشكل المجرات والثقوب السوداء

تلسكوب جيمس ويب الفضائي يؤكد وجود خطأ كبير في فهمنا للكون

ترجمة: حمداش رانية

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر