ندرك وجود آلاف الكواكب خارج المجموعة الشمسية وربما ملايين أخرى في انتظار الاكتشاف، لكن يبدو أن الغالبية العظمى من هذه الكواكب غير صالحة للحياة.
بالنسبة للقليل من الكواكب التي قد تكون صالحة للحياة، لا نستطيع تحديد قدرتها على دعم وجود حياة إلا بدراسة غلافها الجوي. قد يساعد مقياس LIFE في تقدير إمكانية وجود حياة على هذه الكواكب الخارجية.
يتزايد البحث عن بصمات حيوية على الكواكب الواقعة خارج المجموعة الشمسية التي يُحتمل أن تكون صالحة للحياة، نجح تلسكوب جيمس ويب الفضائي في جمع بعض أطياف أغلفة جوية من عدد الكواكب الواقعة خارج مجموعتنا الشمسية، لكن تلسكوب جيمس ويب لديه الكثير من المهام الأخرى مقارنةً بوقته المحدود، لذا خُصص تلسكوب فضائي يسمى LIFE للعثور على البصمات الحيوية في الكواكب الواقعة خارج المجموعة الشمسية، ومؤخرًا أجرى الباحثون اختبارًا له لمعرفة إمكانية قدرته على اكتشاف البصمة الحيوية للأرض.
يتكون LIFE من خمسة تلسكوبات منفصلة تعمل في انسجام تام لتوسيع حجم عمل التلسكوب بوصفه مقياس تداخل، وهو من تطوير المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في زيوريخ في سويسرا، وسيعمل على المراقبة بموجات تقع في منتصف مجال الأشعة تحت الحمراء، إذ يمكن العثور على الخطوط الطيفية من المواد الكيميائية ذات الأهمية الحيوية مثل الأوزون والميثان وأكسيد النيتروز.
سيتوضع LIFE في نقطة لاغرانج 2، على بعد 1.5 مليون كيلومتر حيث يقع تلسكوب جيمس ويب الفضائي أيضًا، ومن هذا الموقع سيراقب مجموعة محددة من الكواكب على أمل العثور على بصمات حيوية.
أوضح ساشا كوانز أستاذ الكواكب الخارجية وقابلية وجود الحياة الذي يقود مبادرة LIFE: «هدفنا هو اكتشاف مركبات كيميائية في طيف الضوء تشير إلى وجود حياة على الكواكب الخارجية».
ما يزال مشروع LIFE مجرد فكرة، وأراد الباحثون اختبار أدائه، وبما أنه قيد الإنشاء ، استخدم فريق من الباحثين الغلاف الجوي للأرض بوصفه حالة اختبار، كما لو كانت الأرض كوكبًا خارج المجموعة الشمسية، واختبروا أساليب LIFE على الطيف الجوي المعروف للأرض في ظروف مختلفة. لقد استخدموا أداة تسمى LIFEsim للعمل على البيانات، غالبًا ما يستخدم الباحثون بيانات مستخرجة من محاكاة لاختبار قدرات المهمة، لكنهم استخدموا هنا بيانات حقيقية.
في المهمة الفعلية ستكون الأرض بقعة بعيدة يكاد يستحيل تمييزها، كل ما ستشاهده LIFE هو الطيف الجوي للكوكب الذي سيتغير بمرور الوقت اعتمادًا على المشاهد التي سيلتقطها التلسكوب، والأهم من ذلك، مدة مراقبته له.
ستُجمَع هذه الأطياف مع مرور الوقت، وهذا يقود إلى سؤال مهم: كيف ستؤثر هندسة الرصد والتغيرات الموسمية في البيانات الرصدية التي يقدمها LIFE؟
لحسن حظ فريق البحث، لدينا كمية كبيرة من البيانات الرصدية للأرض ليعملوا عليها، عمل الباحثون بثلاثة أشكال هندسية رصدية مختلفة: منظران من القطبين وواحد من المنطقة الاستوائية، ومن وجهات النظر الثلاث هذه، عملوا مع بيانات الغلاف الجوي من يناير ويوليو التي تمثل أكبر التغيرات الموسمية.
مع إن الأغلفة الجوية للكواكب قد تكون معقدة جدًأ، فإنّ علماء الأحياء الفلكية يركزون على نقاط محددة للكشف عن قدرة الكوكب على استضافة الحياة، إذ يتركز الاهتمام خصوصًا على المواد الكيميائية N2O، وCH3Cl، وCH3Br (أكسيد النيتروز، والكلوروميثان، والبروموميثان)، التي يمكن إنتاج جميعها بيولوجيًا.
يضيف الباحث: «نحن نستخدم مجموعة من السيناريوهات المستمدة من النماذج الحركية الكيميائية لإنتاج نماذج متقدمة لبرنامج المحاكاة LIFEsim، وهي تحاكي الاستجابة الجوية لمستويات متنوعة من الإنتاج الحيوي من (أكسيد النيتروز، والكلوروميثان، والبروموميثان)، في أجواء الكواكب الأرضية -التي تحتوي يابسة- الغنية بالأكسجين».
أراد الباحثون على وجه الخصوص اختبار قدرة LIFE على اكتشاف ثاني أكسيد الكربون والماء والأوزون و الميثان على كوكب الأرض من على بعد نحو 30 سنة ضوئية، وهي دلائل على وجود عالم معتدل يدعم الحياة، وخاصة الأوزون والميثان اللذان تنتجهما الحياة على الأرض، لذلك إذا تمكن LIFE من اكتشاف الكيمياء البيولوجية على الأرض بهذه الطريقة، فسيتمكن من اكتشافها في عوالم أخرى.
تمكن LIFE من اكتشاف ثاني أكسيد الكربون والماء والأوزون والميثان على الأرض، ورصد بعض الظروف السطحية التي تشير إلى وجود ماء سائل، ومن المثير للاهتمام أن نتائج LIFE لم تعتمد على الزاوية التي يُنظر منها إلى الأرض، وهذا أمر مهم لأننا لا نعرف ما هي الزوايا التي سيتمكن من رصد الكواكب الخارجية منها في محاولة رصد الحياة عليها.
التقلبات الموسمية هي القضية الأخرى، ولم يكن من السهل مراقبتها، ولكن لحسن الحظ، يبدو أن هذا لن يكون عاملًا مهمًا، وقال كوانز: «حتى لو لم يتم ملاحظة موسمية الغلاف الجوي بسهولة، فإن دراستنا توضح أن البعثات الفضائية من الجيل التالي يمكنها تقييم إمكانية أن تكون الكواكب الخارجية الأرضية المعتدلة القريبة صالحة للحياة أو حتى مأهولة».
مع ذلك، فإن الكشف عن المواد الكيميائية المطلوبة ليس كافيًا، العامل الحاسم هو كم من الوقت يستغرق ذلك، إن استغراق الكثير من الوقت في بناء مقياس التداخل الفضائي القادر على كشف هذه المواد الكيميائية لن يكون عمليًا أو فعالًا.
كتب فريق البحث في ورقته البحثية: «نستخدم هذه النتائج لاستنتاج مدة المراقبة اللازمة للكشف عن البصمة الحيوية وفقًا لهذه السيناريوهات و نستخدم هذه النتائج لتحديد المتطلبات العلمية للمهمة».
لتحديد أوقات المراقبة المطلوبة من LIFE بدقة أكبر، طور الباحثون قائمة بالأهداف، إذ أنشأوا توزيعًا لمسافة الكواكب في منطقة صالحة لوجود الحياة (HZ) التي يتراوح نصف قطرها بين 0.5 و1.5 مرة من نصف قطر الأرض حول نجوم من نوع M و من نوع FGK، على بعد 20 فرسخًا فلكيًا من الشمس التي قد تُكتشَف باستخدام LIFE، تأتي البيانات الخاصة بهذه الأهداف من وكالة ناسا ومن أبحاث سابقة أخرى.
المنطقة الصالحة للسكن (HZ) هي منطقة من الفضاء المحيط بنجم يستطيع فيها الكوكب أن يحتفظ بالمياه السائلة، اقترح هذا المفهوم أول مرة عالم الفيزياء الفلكية سو شو هوانغ في عام 1959، بناءً على القيود المناخية التي يفرضها النجم المضيف.
تظهر النتائج أن المدة المطلوبة تقدّر ببضعة أيام فقط لبعض الأهداف، بينما بالنسبة لأهداف أخرى، قد يستغرق الأمر ما يصل إلى 100 يوم للكشف البيانات المطلوبة.
ما يسميه الفريق الأهداف الذهبية هي الكواكب الأسهل في المراقبة، وكواكب بروكسيما سنتوري تُعد مثالًا على هذه الأنواع من الأهداف، فهو نجم قزم أحمر يبعد عن الأرض حوالي 4.2 سنة ضوئية ويمكن مراقبة هذه الكواكب خلال بضعة أيام فقط. وكتب الباحثون أن LIFE يحتاج إلى نحو عشرة أيام بالمتوسط لمسح الكواكب الأرضية المعتدلة التي تدور حول نجوم من نوع M على بعد خمس فراسخ فلكية.
إن أصعب الحالات التي ما تزال قابلة للتنفيذ، وهي الكواكب الخارجية من نوع توأم الأرض على بعد حوالي 5 فرسخ فلكي، ووفقًا للنتائج، يحتاج LIFE إلى ما بين 50 إلى 100 يوم من المراقبة للكشف عن بصماتها الحيوية.
ما تزال LIFE مجرد مهمة محتملة في هذه المرحلة، وهي ليست أول مهمة مقترحة ستركز فقط على إمكانية وجود حياة على الكواكب الخارجية، ففي 2023 اقترحت وكالة ناسا إنشاء مرصد العوالم الصالحة للسكن (HWO). هدفها هو تصوير ما لا يقل عن 25 عالمًا يحتمل أن يكون صالحًا للحياة، ثم البحث عن البصمات الحيوية في أغلفتها الجوية. لكن، وفقًا للمؤلفين، تظهر نتائجهم أن LIFE هي الخيار الأفضل.
خلص الباحثون إلى أنه «إذا كانت هناك أنظمة كواكب خارجية نجمية من النوع المتأخر في المنطقة الشمسية مع كواكب تظهر محيطات حيوية عالمية تنتج إشارات N2O وCH3X، فإن LIFE ستكون المهمة المستقبلية الأكثر ملاءمة للبحث عنها بطريقة منهجية واكتشافها في النهاية»
اقرأ أيضًا:
تلسكوب جيمس ويب الفضائي يرصد مجرة تحتوي كميات مدهشة من المعادن
ناسا تعلن خطة جديدة للبحث عن علامات الحياة في الكواكب الخارجية
ترجمة: يوسف الشيخ
تدقيق: ريم الجردي
مراجعة: محمد حسان عجك
