يكشف نموذج ثلاثي الأبعاد لنمط تغذية الثقب الأسود عن تفسير محتمل لسلوك غريب للكوازار خافت اللمعان، إذ ليس من المعتاد أن تفعل المجرات أي شيء بسرعة، لكن الكوازارات «متغيرة المظهر» هي استثناء.
قد تشغّل وتوقف هذه الكوازارات أشعتها الكثيفة خلال أعوام قليلة أو حتى شهور، وقد لوحظت هذه الظاهرة أول مرة في عام 2014، وما زالت تثير دهشة العلماء حتى يومنا هذا.
يكون الكوازار عادةً في مركز المجرات الصغيرة، وعادةً ما تُنير بسطوع يصل إلى 27 تريليون مرة أكثر من شمسنا. وتتألف الكوازارات من ثقب أسود فائق الكتلة شرهٍ يتغذى على الغاز والغبار الذي يتدفق حوله في القرص التجميعي.
افترضت النماذج السابقة أن المادة التي تدور حول الثقب الأسود ستعبر أفق الحدث بطريقة مرتبة نسبيًا، مثل الماء الذي يتدفق إلى أسفل المصرف. وافتُرِضَ أن هذه العملية بطيئة وتستمر 10,000 عام أو أكثر.
يقول المؤلف الرئيسي نيك كاز، وهو فيزيائي فلكي في جامعة نورث وسترن في الولايات المتحدة: «لعقودٍ، وجّه الناس افتراضًا كبيرًا جدًا بأن الأقراص التجميعية كانت متماثلة مع دوران الثقب الأسود، لكن الغاز الذي يغذي هذه الثقوب السوداء لا يعرف بالضرورة اتجاه دوران الثقب الأسود، لذا لماذا يكونون متماثلين تلقائيًا؟ تغيير التموضع يغيّر الصورة تغييرًا جذريًا».
عندما أنشأ الفريق نموذجًا حاسوبيًا ثلاثي الأبعاد لثقب أسود دوّار كان خارجًا عن محور تموضعه مع القرص التجميعي، بدأت أمور غريبة بالحدوث، وبدلًا من السلوك المتوقع -إذ يدور القرص التجميعي مثلما تدور البيتزا حول إصبع الطاهي- بدأ القرص التجميعي يتشوه ويتمزق.
انقسم إلى قرص فرعي داخلي وقرص خارجي، وكل قرص يدور بزاوية مائلة مختلفة تشبه إلى حد كبير الجيروسكوب. وكان انقسام هذا القرص نتيجةً لدوران الثقب الأسود الذي يلوي الزمكان حوله، وهذه عملية تابعة للنسبية العامة وتُسمى «سحب الإطار».
يقول كاز: «عندما تدور الثقوب السوداء، فإنها تجر الفضاء من حولها مثل قرص دوار عملاق وتجبره على الدوران أيضًا».
تمتلك ظاهرة سحب الإطار جاذبية أقوى على المواد التي تدور على مقربة من الثقب الأسود، وجاذبية أضعف على المواد التي تدور على مقربة منه. ويعني هذا الاختلاف أن القرص الداخلي يدور بسرعة أكبر من القرص الخارجي.
في البداية، يحافظ الاحتكاك والضغط على تماسك القرص. ولكن في النهاية، يتسبب لوي الزمكان بواسطة الثقب الأسود في فصل القرص الداخلي إلى قرص منفصل أصغر حجمًا، ومن ثمّ أسهل في التحرك.
يقول كاز: «المنطقة التي تمزق فيها هي المنطقة التي ينتصر فيها الثقب الأسود».
هذان القرصان مائلان بزوايا غير عادية لبعضهما ويتصادمان، ما يتسبب في حدوث صدمات كبيرة. وتتساقط نثرات من القرص الخارجي على القرص الداخلي الفرعي، ما يجبر المادة على تغذية الثقب الأسود بسرعة أكبر.
تدفع هذه الكتلة الإضافية القرص الداخلي نحو الثقب الأسود ليُبتَلَع، ثم تجذب جاذبية الثقب الأسود الغاز من المنطقة الخارجية لإعادة تعبئة المنطقة الداخلية. وقد تسهم هذه العمليات في توضيح سبب تشغيل الكوازارات وإيقافها على نحو مفاجئ.
يقول كاز: «لا تستطيع النظرية التقليدية للأقراص التجميعية أن تشرح هذا التباين الجذري، لكن الظواهر التي نراها في محاكاة الحاسوب لدينا قد تفسر ذلك تفسيرًا محتملًا. فالتفجير السريع والخفوت متوافقان مع تدمير المناطق الداخلية للقرص».
نُشِرَت الورقة البحثية في مجلة Astrophysical Journal.
اقرأ أيضًا:
الثقوب الدودية: جسور في نسيج الزمكان
الجاذبية الكمية الحلقية: هل يتكون الزمكان من أجزاء صغيرة جدًا لا نستطيع قياسها؟
ترجمة: محمد فواز السيد
تدقيق: غفران التميمي
مراجعة: هادية أحمد زكي