تمامًا كما في الإنسان، يعيش ذكور الحيوانات أقل من الإناث، لكن السبب ليس اختلافًا بيولوجيًّا في عملية التشيُّخ. يقول عالم الأحياء التطوري تاماس سيكلي: «نعرف منذ زمن أن النساء يعشن أكثر من الرجال، لكننا متفاجئون لاكتشافنا أن هذه الفروق بين الجنسين في العمر تشمل الحيوانات البرية أيضًا، بل إنها قد تكون أوضح».
بعد مراجعة الإحصاءات الديموغرافية للحيوانات البرية، اكتشف سيكلي وفريقه أن عمر الإناث يفوق عمر الذكور في 60% من الفصائل التي درسوها، البالغ عددها 101. إجمالًا، تعيش الإناث تلك الفصائل أطول من الذكور بنسبة 16.8%.
عند البشر، تعيش النساء أطول من الذكور بمعدل 6 إلى 8 سنوات، و9 من كل 10 أشخاص يبلغون عمر 110 عامًا هم أناث.
أُجري الكثير من الأبحاث لشرح هذه الفروق لأهميتها طبيًّا واقتصاديًّا. تتنوع النظريات بين جينية وأخرى تتعلق بالفروق في أساليب الحياة. بتناول هذه الظاهرة من منظور أوسع يعالج فصائل الثدييات جميعًا، قد نتمكن من الحصول على إجابات أكثر.
ذكر الباحثون في مقالهم: «لم نجد فروقًا بين الجنسين في سرعة عملية التشيُّخ، ما يعني أن طول عمر النساء ليس لأن وتيرة التشيُّخ عندهن أبطأ، بل قد يكون السبب ببساطة انخفاض احتمالية الوفاة لديهن في كل الفئات العمرية للبالغين».
وجد الباحثون سابقًا أن السبب قد يكون انخراط الذكور في سلوكيات أخطر عند التنافس من أجل التزاوج، مثل ذكور فقمة الفيل التي يضرب بعضها بعضًا بعنف، لكن نتائج الدارسة الحالية لا تدعم هذا السبب. وهذا لا ينفي أثر بعض الاختلافات السلوكية الأخرى بين الجنسين.
يشرح سيكلي قائلًا: «تعيش إناث الأسود حياةً مميزة، إذ تهتم الأخوات والبنات والأمهات ببعضهن ويصطدن سويًا، في حين يعيش ذكور الأسود حياةً وحيدة أو مع إخوانهم، ولا يحظون بالدعم ذاته».
وجدت دراسة جديدة جمعت معلومات من 229 فصيلة، شملت الطيور والحشرات والأسماك والثدييات، أن وجود كروموسومين جنسيين من نفس النوع يعطي أفضليةً في البقاء. توجد هذه الخاصية عند إناث الثدييات، أما في الطيور فتوجد لدى الذكور، إذ تحمل ذكور الطيور كروموسومي ZZ وتحمل إناثها كروموسومي ZW. ما يجعل ذكور الطيور تعيش أطول من إناثها.
يقول البيولوجي المشارك في الدراسة جان فرانسوا ليميتر: «في الأنظمة الكروموسومية XX و XY، تعيش حاملات XX -أي الإناث- أطول، لذا من الواضح أن للكرموسومات الجنسية أثر. ما يضيفه مقالنا أيضًا أن الكروموسومات الجنسية ليست السبب الوحيد، لأن الفروق في العمر تتنوع بين الفصائل، ما يعني وجود عوامل أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار لتفسير الاختلافات».
ما زالت هذه العوامل الأخرى غير واضحة، ولكن وجد الباحثون أيضًا اختلافات في العمر بين الجنسين ضمن الفصيلة الواحدة. مثلًا، توجد هذه الاختلافات العمرية بين الجنسين عند مجموعات كبش الجبال الصخرية التي تواجه ضغوطًا بيئية كنقص الطعام في أثناء الشتاء القاسي، ويرجع الاختلاف هنا إلى أن الإناث تحتاج إلى القليل من الغذاء مقارنةً بالذكور (إذ تزن الأنثى 90 كيلوغرامًا في حين يزن الذكر 230 كيلو غرامًا). لكن يتلاشى هذا الاختلاف عند مجموعات الفصيلة ذاتها (كبش الجبال الصخرية) التي تعيش في محمية رينج بيسون الوطنية الغنية بالموارد.
تقود هذه الأمثلة إلى التفكير في أن العوامل البيئية المحلية تتفاعل مع آثار عمليات اختيار الأزواج والتناسل لتسبب هذه الفروقات. يقول سيكلي: «تؤثرالعوامل البيئية القاسية -ككثرة المُمْرِضَات- بطرق مختلفة في الذكور والإناث، ما قد يكون سببًا في خلق هذه الفروق في العمر بين الجنسين».
يخطط الباحثون حاليًا لمقارنة هذه الظاهرة عند الثدييات من ذات الفصائل التي تعيش إما بريًّا أو في حدائق الحيوانات. يقول ليميتر: «إن مقارنة الفروق في العمر بين الجنسين عند حيوانات من ذات الفصائل تعيش في بيئات مختلفة تبشر بإجابات واعدة».
اقرأ أيضًا:
قد تتيح التكنولوجيا الحديثة للإنسان رؤية العالم من خلال عيون الحيوانات
قائمة بأشد الحيوانات فتكًا على وجه الأرض!
ترجمة: زهراء حدرج
تدقيق: إبراهيم قسومة
مراجعة: أكرم محيي الدين