إرنست ماخ (Ernst Mach) هو الفيزيائي الشهير لعمله على الترددات فوق السمعيّة (الأسرع من الصوت)، ومنه استُمِدت فكرة عدد ماخ (ماخ 1 تكون سرعة الصوت، ماخ 2 ضعف سرعة الصوت، وهكذا دواليك).
ماخ كان معروفًا أيضًا بمناقشة أن السبيل الوحيد لشرح ظاهرة القصور الذاتي هو افتراض أن جميع الكُتَل في الكون مرتبطة بطريقة أو بأخرى. عرَّف ألبرت أينشتاين لاحقًا هذا النقاش بمبدأ ماخ.
ما هو مبدأ ماخ
يفترض مبدأ ماخ، من بين عدة أمور، أنه «يرجع قصور الجسيمات الذاتي إلى تفاعل بعض هذا الجسيم (غير محدد) مع كل الكتل الأخرى في الكون، ويتم تحديد المعايير المحلية للجسيم غير قابل التسارع من قِبَل بعض مُعَدَلات الحركات من جميع الكتل في الكون، والحركة النسبيّة لجميع الكتل هي كل ما يهم في الميكانيكا.
وعلاوةً على ذلك، لا يعني مبدأ ماخ في الواقع الجاذبية فقط ولكن يجب أن يصيغ جميع الفيزياء دون الرجوع إلى تفضيل أشكال القصور الذاتي، ونتيجة لذلك، فإنه لا يؤيد شيئًا أقل من النسبية الكلية للفيزياء، وهكذا فإنه يعني حتى التفاعلات بين القصور الذاتي والكهرومغناطيسية».
يمكن النظر إلى مبدأ ماخ على أنه كون كامل يتم تغييره من خلال التغيرات في جسيم واحد، كثيرًا بنفس طريقة حدوث العواصف والأعاصير في فلوريدا بسبب نمط طقس إل نينيو -وهو ظاهرة مناخية عالمية، حيث يؤثر تغير الحرارة في أحد المحيطات على الجو بمنطقة أخرى بعيدة- في المحيط الهادئ، أو ربما أكثر ملاءمة، كرفرفة من أجنحة فراشة في البيرو مما يتسبب بهطول الأمطار في ولاية كانساس.
العمل على مسافة
والوسائل التي يمكن أن تكون من خلالها الأعمال على مسافة مترابطة (سواءً من خلال تبادل الجسيمات الأولية، أو بعض الوسائل) لديها تاريخ طويل في الفيزياء. في وجهة نظر نيوتن، استندت معادلات الحركة على إطار القصور الذاتي من «النجوم الثابتة».
ولكن نظرا لأن النسبية -الحركة الموحدة لإطار قصور ذاتي واحد بالنسبة لآخر- لا يمكن الكشف عنها بواسطة تجارب الميكانيكية الداخلية رهنًا بنظرية نيوتن، فقد افترض نيوتن وجود الفضاء المطلق.
كان لفضاء نيوتن المطلق العديد من النُقّاد، من معاصريه القريبين إلى أولئك في العصر الحديث. حاليًا، الحجج ضد مفهوم نيوتن للفضاء المطلق تتضمن أنه يتعارض مع الفهم العلمي الوحيد لتصور مسألة (AS) أي الفضاء المطلق، الذي يعمل ولكن لا يمكن التأثير عليه. الكلمات هي لأينشتاين، لكنه يعزو الفكر إلى ماخ.
على أية حال، ربما يكون هذا اعتراض أقوى من الجميع.
في الوقت نفسه، من الواضح أن أينشتاين قاد إلى النسبية العامة في المقام الأول من خلال رغبته الفلسفيّة لإلغاء دور الفضاء المطلق من الفيزياء تمامًا، فمبدأ ماخ هو بالتالي حجة للنسبية وضد أي فكرة عن الفضاء المطلق.
في عام 1959 أحيا الفيزيائي البريطاني دينيس ويليام سياما (D.W. Sciama) نظرية جاذبية ماكسويل ومددها على غرار عالم الفلك الفرنسي فيليكس تيسيراند (F. Tisserand) ووجد أنها تشمل مبدأ ماخ، قائلًا إن القوى بالقصور الذاتي تتوافق في الواقع مع مجال إشعاع الجاذبية الكونية وتتناسب مع القوة الأولى العكسية للمسافة.
وربما كان أثير ماكسويل قد قدم ردًا بديلًا على الاعتراضات على الفضاء المطلق، (الأثير هي مادة في علم الفيزياء. كان يُعتقد أنها تملأ كل الفضاء). في نظرية ماكسويل لدينا ثابت (س) مع أبعاد السرعة والتي تم تعريفها في الأصل على أنها نسبة بين الوحدات الكهروستاتيكية (الكهربائية الساكنة)، والكهروديناميكية (الكهرباء المتحركة) من الشُحنة.
ولكن النظرية شملت وجود موجات كهرومغناطيسية أيضًا، حيث كانت سرعة انتشار الاضطرابات في المجال الكهرومغناطيسي في الفراغ بنفس سرعة ذلك الثابت. حقيقة أن الثابت (س) تزامن بالضبط في نفس الفراغ مع سرعة الضوء، والذي أرشد ماكسويل إلى التخمين أن ذلك الضوء لا بد وأن يكون ظاهرة الموجات الكهرومغناطيسية.
وقد بدأت فكرة ماكسويل عن «الأثير المضيء» لحل تلك المشكلة في النظرية الكهرومغناطيسية، لا يمكن للمرء أن يغير سرعة الضوء بالنسبة إلى نفسه أبدًا مهما حاول مواكبة موجة الضوء، لأن مثل هذا السلوك كان عبثيًا تمامًا من وجهة نظر الكينماتيكا الكلاسيكية (الكينماتيكا هي علم الحركة المجردة)، وأصبح من الضروري افتراضات طول الانكماش وتمدد الزمن (لورنتز – Lorentz).
ثم أضاف أينشتاين مبدأ النسبية الذي أكد أنّ جميع الأُطُر بالقصور الذاتي هي مكافِئةً تمامًا لأداء جميع التجارب الفيزيائية؛ تعميمًا لكل فيزياء مبدأ نسبية نيوتن الميكانيكية البحتة. أعلن أينشتاين عن أن أثير ماكسويل غير قابل للرصد، وبالتالي ألغى الأثير إلى الأبد.
ومع ذلك، إطارات القصور الذاتي تبدو حقيقيةً جدًا، وفي حالة، على سبيل المثال، عُلقت اثنين من الكرات المرنة على محور مشترك -حيث تدور واحدة وتنتفخ في حين أن الأخرى ساكنة وغير مشوهة- فإنه ليس من الواضح كيف تعرف أي من الكرات تدور وهي التي تنتفخ قبل ذلك. ماخ كان قد أجاب أن انتفاخ الكرة أحس تأثير الكتل الكونية الدورية حوله.
بالقياس لنيوتن، الدوران فيما يتعلق بالفضاء المطلق ينتج قوى (القصور الذاتي) الطرد المركزي، والتي هي متميزة تمامًا عن قوى الجاذبية؛ وبالقياس لماخ، الطرد المركزي هي الجاذبية، أي الناجمة عن عمل الكتلة على الكتلة.
يمضي ريندلر إلى القول أنّه: «يحدد الزمكان تمامًا جميع الحركات الحرة (أي الحركات تحت الجمود والجاذبية)، والسؤال هو ما إذا كان توزيع المسألة، بدوره، يحدد الزمكان تمامًا».
إذا كنا نفكر في الزمكان على أنه يعمل على كتلة (كحقل توجيه) ويجري التصرف عليه من قبل كتلة (أي يعاني انحناء) على حدٍ سواء، ثم يمكننا مواجهة البرهان الأصلي ضد الفضاء المطلق لنيوتن باعتباره شيئًا يؤثِر ولكن لا يتم التأثير عليه.
مُنَّظرين الكم اليوم (فضلا عن الكثير غيرهم) لديهم الانسجام قليلًا مع مبدأ ماخ.
ويشيرون إلى أن الأمر ليس فقط مسألة الفيزياء، بل الحقول أيضًا، وأن كل الزمكان تحتله حقول الجسيمات الأولية.
ولكن ماذا لو كانت «الحقول» هي مجرد روابط وصل بين المادة؟ هل يجعلوا مبدأ ماخ أقل صلاحيّة في هذا المظهر؟
حتى في غياب المادة، فإن حقول الجسيمات الظاهرية تشكل خلفية شاملة والتي لا يمكن إلغائها بأي حال من الأحوال. في الواقع، المادة ليست سوى اضطراب صغير من الحقول. يمكن النظر لهذه الخلفية، التي تمتلك ثبات لورنتز المحلي، على أنها الأثير الحديث.
وبما أنها لا تمتلك طاقة صافية فإنها لا تساهم في الانحناء، وبالتالي فإنها لا تمتلك تأثير مباشر في النسبية العامة. ولكنها تشير إلى وجود مسبق للزمكان، ذاك أن المادة مجرد تعديل وليس إنشاء.
وفقًا لريندلر، الذي يقول أن «مجالات الجسيمات الظاهرية تشكل» «الأثير الحديث»!
في نهاية المطاف، نحن توصلنا إلى أن فكرة مبدأ ماخ تعني أن الكون كله قضايا محليّة، وهذا يتفق بالتالي مع وعي العنصر الرئيسي في التفاعلات بين العقل والمادة، وأنه أكثر ارتباطًا بـ«إقحام النظام» للفيزيائي الأمريكي ديفيد بوم (David Bohm) منه من مجرد مادة أو قضية (على افتراض أن كل هذا في الواقع هو عبارة عن مواد أو قضايا).
ترجمة: أحمد صفاء.
تدقيق: صهيب الأغبري.
المصدر