تصطاد العناكب في الظلام المطلق، و ما ينقصها في حدة البصر تعوض عنه هذه العنكبوتيات بشقوق صغيرة في هياكلها الخارجية ، صدوع تهتز استجابة للإهتزازات من بيئتها الخارجية ، ينتقي النظام العصبي الخاص بالعنكبوت الاهتزازات الأكثر أهمية من الضوضاء الخارجية، إنه حساس الطبيعة الأمثل.
يأخذ العلماء الآن الإلهام من العالم الطبيعي ليصنعوا نسختهم الإصطناعية من حساس العنكبوت،في ورقة بحث نشرت في مجلة “nature” ، فريق من الباحثين من كوريا الجنوبية قاموا بوصف حساسهم الميكانيكي الجديد قاموا ببنائه عن طريق تضمين شقوق في صفيحة من البلاتينوم ليحاكي الشقوق في الهيكل الخارجي ويقولون أن هذا الحساس قد يؤمن مستوى غير مسبوق من الحساسية ، “الحساس قد يستخدم كمستشعر جهد فائق الحساسية أو كمستشعر مراقبة بيولوجية” يقول مانسو تشوي ، مهندس ميكانيكي في جامعة سيؤول الوطنية في كوريا الجنوبية و قائد الدراسة “قد يستخدم في مراقبة آداء القلب بالتفاصيل و قد يتم تطويره لدرجة أن يستشعر أصغر الاهتزازات الجسدية التي قد ينفذها إنسان من ذوي الإحتياجات الخاصة ليفسر نواياه كالكلام مثلاً”.
تقنية النانو تلتقي بالحاسة العنكبوتية.
تشوي وفريقه بدأوا بإستشارة أختصاصيين في التركيب الجسماني للعناكب و عرفوا أن تلك الأعضاء-الشقوق تسمى أيضاً “أعضاء شبيهة القيثارة” أو ال “lyriform” لشبهها بقيثارات مدمجة في الهيكل الخارجي بالقرب من مفاصل أرجل العناكب.
خطط الباحثون لمحاكاة قدرة أجهزة الشقوق على استشعار الاهتزازات من بيئتها باستخدام مواد صناعية، و في قلب حساسهم توجد صفيحة شديدة الرقة بسمك 20 نانومتر فقط مليئة بالشقوق الصغيرة المتوازية (النانو متر هو 1\1000,000,000 متر أو واحد على بليون من المتر)
الاهتزازات الخفية التي تسببها موجات الصوت أو دقات القلب على سبيل المثال ستزيد عرض الشقوق أو تقلّله ما يغير مقاومتها الكهربائية” ،هذا يعني أن حتى أصغر إزاحة قد تغير المقاومة الكهربائية بشكل كبير” يقول تشوي “فإذا قست اختلاف المقاومة الكهربائية ستلاحظ حتى أصغر تبدل في الإزاحة بدقة كبيرة”.
النتيجة هي مستشعر دقيق لم يسبق أن تم صنع مثله،الحساسات القريبة عادة ما تقاس بعامل قياس هو نسبة تغير المقاومة الكهربائية إلى الجهد الميكانيكي،معظم الحساسات لها عامل قياس أقل من 10 بينما مستشعر تشوي له عامل قياس يزيد على 2,000!
نحو ارتداء المستشعرات
واحد من فضائل تقنية النانو هو أن أي مادة تصبح مرنة مطيعة إذا جعلتها دقيقة كفاية،و لأنها فائقة الرقة فصفيحة البلاتينوم في حساس تشوي تستطيع الإنثناء مع الجسد بينما تحافظ على جودة حساسيتها العالية ما يفتح المجال أمام تطبيقات يمكن إرتداؤها ، “المستشعر يمكن أن يعلق على سطوح منحنية مثل الجلد أو الملابس لتحسس تغيرات القوى الخارجية مع مرور الوقت ، ما يسمح بمراقبة علامات التغييرات الفيزيولوجية” وفقاً لتشوي.
لأن المستشعر يستطيع تمييز اهتزازات كلمات معينة ، تشوي و فريقه قاموا بتعليقه بعنق المشاركين وعرض امكانية لعب لعبة كمبيوتر بسيطة باستخدام الأوامر الصوتية ،و عند ارتداء المستشعر على المعصم استطاع أن يجمع معلومات مفصلة عن معدل ضربات القلب ، “نشعر أن هذا يمكن استخدامه في التطبيقات الطبية نظراً لكونه سهل الإرتداء على الجلد مع الحفاظ على حساسيته” يضيف تشوي.
الخطوة القادمة لتشوي وفريقه ستكون الإستمرار بتطوير الحساس حتى يمكن في النهاية نشره تجارياً،يقدر تشوي أن فريقه سيحتاج من 3-5 سنوات قبل أن يكون المستشعر جاهزاً للسوق،أما في الوقت الحالي فتهدف خطط تشوي إلى إتخاذ خطوات لتخفيض السعر ،”قد نحتاج إلى استبدال البلاتينوم الغالي بمعدن عالي الناقلية لكن أرخص،كالنحاس أو الألمنيوم حتى نستطيع أن نخفض السعر أكثر” كما يقول .
التمييز بين الإشارات والضوضاء
علماء آخرون يحذرون أن رغم حساسية مستشعر تشوي لن يكون قادراً بشكل قاطع على التمييز بين صوتين مختلفين،مستشعر العنكبوت الطبيعي لا يلتقط أصغر الاهتزازات فحسب،لكن يستطيع أيضاً استخراج الإشارات المهمة من الضوضاء المحيطة ،”يستخدم العنكبوت فلاتر للتردد ليتخلص من قدر ما أمكن من الضوضاء” يقول بيتر فراتزل،فيزيائي وخبير بالمواد الحيوية في معهد ماكس بلانك للمواد الغروية والسطوح البينية في ألمانيا ،”إذا سجلت كل صوت تسمعه فستصاب بالجنون ، علينا أن نكون إنتقائيين فيما نتقبل،و أن نتجاهل الضوضاء،طبعاً هذا ليس شيئاً سهلاً في مستشعر”
في بحث متعلق نشر في نفس العدد ، يعترف فراتزل بأن مستوى الحساسية للمستشعر مثير للإعجاب لكن يتطلب أداة أكثر إنتقائية وأكبر قدرة على التمييز بين الإهتزازات الأكثر أهمية من الضوضاء المربكة ، “إنه إنجاز عظيم من ناحية حساسيتها الرائعة ” يقول فريتزل “لكني أعلن أن المستشعر الطبيعي للعنكبوت لا يزال يتضمن الكثير من الأسرار التي يجب النظر فيها”.
[divider]
[author ]ترجمة : فارس المقداد[/author]
[divider]