سام لامبرت (Sam Lambert) طالب الدراسات العليا في مركز دونيللي (Donnelly Centre) والذي عمل سابقًا في مختبر هيوز حيث عمل على ورقته البحثية ثم انتقل إلى جامعة كامبريدج University of Cambridge ليكمل مرحلة ما بعد الدكتوراه، والذي طور أسلوب حوسبة جديد كشف عن مجموعة غنية من المورثات أو الجينات (GENES) التي سبق أن حُسب أنها تلعب أدوارًا متشابهة في باقي التصنيفات والأنواع، وهي في الواقع فريدة بالنسبة للبشر. وجد الباحثون في مركز دونيللي أن العشرات من المورثات أو الجينات في الحمض النووي التي تلعب أدوارًا متعددة ومتشابهة لدى الكائنات الحية المختلفة، هي في الواقع فريدة من نوعها بالنسبة للبشر ومن الممكن أن توضح لنا كيفية ظهور جنسنا البشري و تطور البشر.
تشير هذه الجينات الى فئة من البروتينات والتي تعرف بعوامل النسخ (transcription factors) ويرمز لها بـ (TFs) وهي المسؤولة عن نشاط الجينات، كما أنها تحدد مقاطع معينة من الحمض النووي الريبوزي DNA المعروفة باسم المعززات أو المحفزات (motifs) وتستعملها كمواقع هبوط لربط الحمض النووي وتشغيل الجينات أو إيقافها.
وفقًا لأبحاث سابقة يظهر تشابه TFs في مختلف أنواع الكائنات، بل وتترابط بشكل المعززات أو المحفزات حتى في أنواع مختلفة على سبيل المثال: بين ذباب الفاكهة والبشر، لكن هذا ليس هو الحال على الدوام. هذا ما أظهرته أبحاث جديدة من مختبر البروفيسور تيموثي هيوز (Timothy Hughes’ lab) في مركز دونيللي للبحوث الخلوية والجزيئات الحيوية Donnelly Centre for Cellular and Biomolecular Research.
بحسب ما ذكر في مجلة Nature Genetics يصف الباحثون الطريقة الحسابية الجديدة التي مكنتهم من التنبؤ بدقة أكبر بتسلسل أشكال المعززات التي ترتبط بها كل TFs في مختلف الأنواع. واكتشفوا أيضًا أن بعض الطبقات الفرعية للـ TFs لديها وظائف متنوعة بعكس الشائع سابقًا.
يقول لامبرت: «حتى في الأنواع ذات الصلة والتشابه، هناك جزء غير بسيط من TFs التي من المرجح أن تربط تسلسلات جديدة»، ويكمل قائلًا: «هذا يعني أنه من المحتمل أن يكون لديهم وظائف جديدة عن طريق ضبط الجينات المختلفة، وهو ما قد يكون مهمًا للاختلافات بين الأنواع».
حتى في حالة التطابق الجيني بنسبة ٩٩٪ بين نوعين مثل الشامبنزي والبشر، هناك الكثير من الـTFs التي تتعرف على المعززات المتنوعة بين النوعين بطريقة فريدة تؤثر على تعبير (affect expression) مئات الجينات المختلفة.
«نعتقد أن هذه الاختلافات الجزيئية (molecular differences) قد تقودنا إلى بعض الاختلافات بين الشمبانزي والبشر». هذا ما قاله لامبرت الحائز على جائزة جنيفر دورنجتون لأبحاث الدراسات العليا عن أبحاث الدكتوراه المتميزة في كلية الطب جامعة تورونتو.
طور لامبرت برمجيات جديدة تبحث عن أوجه التشابه المحورية بين مناطق ربط الحمض النووي والـTFs والتي تتعلق بقدرتهم على ربط المعززات المتشابهة أو المختلفة في الحمض نووي، وتلك البرمجيات لإعادة تحليل تسلسل المعزز.
أما إذا كان اثنان من الـTFs في الأنواع المختلفة لديهم تركيبة مماثلة من الأحماض الأمينية (amino-acids) واللبنات الأساسية للبروتينات، فربما تربطها معززات متشابهة أيضًا، ولكن على عكس الأساليب القديمة التي تقارن بين هذه المناطق بالمجمل، فإن لامبرت خصص تلقائيًا أهمية أكبر لتلك الأحماض الأمينية -جزءًا من المنطقة بأكملها- والتي تتصل مباشرة بالحمض النووي.
في هذه الحالة، قد يظهر اثنان من الـ TFs متشابهَين بشكل عام، ولكن، إذا كانا مختلفَين في مواضع هذه الأحماض الأمينية الرئيسية، فمن المرجح أن يرتبطا بمعززات مختلفة.
في الصورة، البروتينات C2H2 ZF تظهر مختلفة وظيفيًا حتى بين الأنواع المتقاربة جدًا مثل الإنسان والشمبانزي.
عندما قارن لامبرت جميع الـ TFs عبر الأنواع المختلفة وطابقها مع جميع بيانات تسلسل المعزز المتوفرة، وجد أن الكثير من الـ TFs البشرية تتعرف على تسلسلات مختلفة، وبالتالي تنظم جينات مختلفة، عن نُسَخ من نفس البروتينات في الحيوانات الأخرى.
في الدراسات السابقة والتي تتناقض مع النتائج الجديدة، بينت أن كل تشابه تقريبًا، بين الإنسان وذبابة الفاكهة في الـ TFs يرتبط بتسلسل المعزز ذاته، وهو تنبيه للعلماء الذين يأملون في استخلاص رؤى حول TFs الخاصة بالإنسان فقط عن طريق دراسة نظرائهم في الكائنات الحية البسيطة.
يقول هيوز وهو أيضًا أستاذ في قسم الوراثة الجزيئية بجامعة تورونتو وزميل المعهد الكندي للبحوث المتقدمة: «توجد هذه الفكرة التي طورتها وهي أن الـ TFs ترتبط مع المعززات شبه المتطابقة بين البشر وذباب الفاكهة، وعلى الرغم من وجود الكثير من الأمثلة التي تُحفظ فيها هذه البروتينات وظيفيًا، فإن هذا لا يشير بأي حال من الأحوال إلى المستوى الذي قُبل».
بالنسبة لـ TFs التي لها أدوار فريدة من نوعها لدى البشر، تنتمي هذه إلى الفئة المتطورة بسرعة لما يسمى TFs إصبع الزنك C2H2، تشبيهًا بنتوءات (protrusions) الإصبع المحتوية على أيونات الزنك والتي تربطها بالحمض النووي.
من المعروف أن الكائنات الحية التي تملك الـ TFs لديها أيضًا أنواع خلايا أكثر تنوعًا، والتي يمكن أن تتحد بطرائق جديدة لبناء أجسام أكثر تعقيدًا، لذلك يعتبر دور الـ TFs غير محدود حتى الآن.
هيوز متحمس لإمكانيات غامضة ومحيرة لدور بعض من هذه الـ TFs إصبع الزنك التي يمكن أن تكون مسؤولة عن الميزات الفسيولوجية (physiology) والتشريحية (anatomy) للجسم البشري ونظام المناعة لدينا والدماغ والذي يعتبر الأكثر تعقيدًا بين الحيوانات.
على صعيد ازدواج الشكل جنسيًا (sexual dimorphism) نرى فروقات لا تحصى وغالبًا غير واضحة، بين الجنسين تتحكم باختيار الشريك، القرارات التي لها تأثير مباشر على نجاح التكاثر، ويمكن أيضًا أن يكون لها تأثير عميق على فسيولوجية الجسم على المدى الطويل، ذيل الطاووس (peacock’s tail) هو مثال كلاسيكي على ذلك.
يقول هيوز: «لا يوجد أحد تقريبًا في علم الوراثة البشرية (human genetics) يدرس الأساس الجزيئي للازدواج الجنسي، ومع ذلك فهذه هي السمات التي يراها جميع البشر في بعضهم البعض ويُسحرون بها». ويقول: «قد أميل إلى قضاء النصف الأخير من حياتي المهنية في دراسة ذلك، إذا كان بإمكاني معرفة الكيفية».
مُوِّل البحث من مِنح مقدمة من المعاهد الكندية لأبحاث الصحة
Canadian Institutes of Health Research والمجلس القومي لبحوث العلوم والهندسة
National Science and Engineering Research والمعاهد الوطنية الأمريكية للصحة
US National Institutes of Health.
كما يشغل هيوز كرسي بيلز Billes Chair للأبحاث الطبية بجامعة تورنتو.
اقرأ أيضًا:
العلماء يعثرون على أدلة مرتبطة بالحمض النووي تظهر كيفية تطور البشر الآن
كيف يؤثر تطور البشر على قدرتهم على استهلاك الكحول؟
كيف سيتطور البشر خلال الألف سنة القادمة؟
دراسة كبيرة: الفيروسات لها تأثير هائل على تطور البشر
البحث عن كيفية تطور الذكاء البشري يثير بعض الأسئلة الأخلاقية
ترجمة: عمر النبواني
تدقيق: عون حداد