النظرية النسبية هي إحدى أكثر النظريات العلمية شهرةً في القرن العشرين، ولكن كيف نستطيع تفسير الأشياء التي نراها في حياتنا من خلالها؟
وُضعت هذه النّظريّة من قِبَل آلبرت آينشتاين عام ١٩٠٥م، والتّي تنصّ على أنّ قوانين الفيزياء هي نفسها في كلّ مكان وتفسر النظرية سلوك الأشياء في الزمن والفضاء، ويمكن أن تُستخدم النظرية للتنبّؤ بكلّ شيء، بدءًا من وجود الثقوب السوداء مرورًا بانكسار الضوء بسبب الجاذبية وانتهاءً بسلوك كوكب عطارد في مداره.
أسس النظرية النسبية
- أولًا: «المطلق» كإطار مرجعي يعتبر غير موجود، ففي كلّ مرةٍ يتمّ قياس القوة الدافعة لكائنٍ ما أو سرعته أو كيف تختبر الوقت، ستجد أنّ الأمر متعلق بشيءٍ آخر دائمًا.
- ثانيًا: سرعة الضوء هي نفسها دائمًا، بغضّ النظر عمن يقوم بقياسها أو مدى سرعته.
- ثالثًا: لا شيء أسرع من الضوء.
آثار النظرية النسبية على حياتنا اليومية
إنّ الآثار المترتبة على النظرية النسبية عميقة، فإذا كانت سرعة الضوء واحدة دائمًا، فهذا يعني أنّ رائد الفضاء إذا ذهب بسرعةٍ كبيرةٍ بالنسبة للأرض، فإنّ الثواني ستقاس بشكل أبطأ من المراقب الأرضيّ (أي أن يمر الزمن على رائد الفضاء بشكل أبطأ من الزمن على الأرض بعدة ثوان) وتعرف هذه الظاهرة بـ «تمدّد الزمن».
إنّ أيّ شيءٍ يدخل حقل جاذبية كبير سيكون في تسارعٍ مستمرّ، لذلك سيختبر تمدّد الزّمن، وفي الوقت ذاتِه فإنّ سفينة الفضاء ستختبر انكماشًا في الطول، وهذا يعني أنّك إذا قمت بالتقاط صورة للمركبة الفضائية أثناء طيرانها ستبدو كأنّها مسحوقة من جهة الحركة، أمّا بالنسبة لرائد الفضاء الذي على متنها سيبدو كلُّ شيءٍ طبيعيًا، وستبدو كتلة السفينة الفضائية كأنّها تزداد من وجهة نظر الناس الذين على الأرض.
ولكنّك لن تحتاج فعليًّا إلى مركبةٍ فضائيةٍ بسرعة الضوء لتلاحظ آثار النسبية، فهناك العديد من الحالات التي نراها في حياتنا اليومية وحتى التكنولوجيا التي نستخدمها تبين أنّ آينشتاين كان محقًّا، وهذه بعض حالات النسبية التي نستخدمها:
1- نظام تحديد المواقع العالمي
من أجل أن يعمل جهاز تحديد المواقع بسيارتك بنفس الكفاءة التي يعمل بها دائمًا على الأقمار الصناعية يجب أن تأخذ النسبية بعين الاعتبار، حتى لو أنّ هذه الأقمار الصناعية لا تتحرك بسرعة الضوء، لكنّها لا تزال تدور بسرعةٍ كبيرة، كما أنّها ترسل إشارات إلى المحطات الأرضية (جهاز تحديد المواقع في السيارة) وهذه المحطات تختبر تسارعًا كبيرًا بسبب الجاذبية أكثر من الأقمار في المدارات.
وللحصول على الموقع بدقة متناهية تستخدم الأقمار الصناعية ساعاتٍ دقيقةً تصل الى أجزاء بليون ثانية (نانو ثانية)، حيث إنّ كلّ قمر صناعي يكون على ارتفاع 20,300 كيلومتر عن سطح الأرض ويتحرك بسرعة 10,000 كيلومتر بالساعة، هناك تقارب النسبية في تمدد الزمن 4 ميكروثانية في كل يوم بالإضافة الى تأثير الجاذبية ليرتفع الرقم الى 7 ميكروثانية وهذا ما يقارب 7,000 نانو ثانية.
إنّ الفرق حقيقي جدًا: فلو لم تكن تأثيرات النسبية أُخذت بعين الاعتبار، فإنّ وحدة نظام تحديد المواقع ستخبرنا الآن بأنّ الوصول إلى محطة الوقود التالية ستأخذ مسافة نصف ميل، لكنّها ستتحول إلى 5 أميال بعد يوم واحد فقط.
2- المغانط الكهربائية
المغناطيسية هي تأثير نسبيّ، وإذا كنت تستخدم الكهرباء فعليك بشكر النّسبية لأنّ المولدات تعمل طوالَ الوقت، فإذا أخذتَ مجموعة من الأسلاك، ومرّرتها عبر مجالٍ مغناطيسيّ، فإنّك ستُولّد تيّارًا كهربائيًّا، نتيجةً لتأثُّر الجسيمات المشحونة داخل الأسلاك بوساطة المجال المغناطيسيّ المُتغيّر، وهذا سيجبر بعض الجسيمات على التّحرّك وتوليد التّيّار الكهربائيّ.
ولكن تخيل الآن أنّ السلك في حالة سكون بينما يتحرك المغناطيس، في هذه الحالة ستجد أنّ الجسيمات المشحونة في السلك (البروتونات والنيوترونات) يجب ألّا تتحرك بمعنى أنّ الحقل المغناطيسي لا ينبغي له أن يؤثر على تلك الجسيمات، ولكنّه يؤثر فعلًا، والتيار ما زال يتدفق. هذا يظهر لنا بأنّه لا وجود لهيكلية موحدة يمكن الرجوع إليها.
ويستخدم توماس مور -أستاذ الفيزياء في كلية بومونا في كليرمونت كاليفورنيا- مبدأ النسبية لإظهار سبب صحة قانون فاراداي (ينصّ القانون على أنّ المجال المغناطيسي المتغير يخلق التيار الكهربائي).
يقول مور: «لأنّ هذا هو المبدأ الأساسيّ وراء المحولات والمولدات الكهربائية، فإنّ أيّ شخص يستخدم الكهرباء فهو يجرب آثار النسبية».
فالمغانط الكهربائية تعمل من خلال النسبية أيضًا، فعندما يتدفّق تيّارٌ مستمرّ من الشّحنات الكهربائية في سلكٍ ما، ستجد أنّ الإلكترونات بدورها تنجرف داخل المادّة، لأنّ السلك عادةً ما يكون متعادلًا كهربائيًّا بدون وجود شحنات موجبة أو سالبة، وهذا هو السبب في وجود نفس العدد من البروتونات (الشحنات الموجبة) والإلكترونات (الشحنات السالبة).
ولكن إذا وُجد سلكٌ آخر قريب من التيّار المستمر، فإنّ الأسلاك ستتجاذب أو تتنافر اعتمادًا على الجهة التي يتحرك فيها التيار.
وإذا افترضنا أنّ التيارات تسير في نفس الاتجاه فالإلكترونات في السلك الأول تدرك أنّ الإلكترونات في السلك الثاني بلا حركة على فرض أنّ التّيارَين يملكان نفس القوة ونفس التوقيت.
ومن وجهة نظر الإلكترونات فإنّ النيوترونات تبدو كأنّها تتحرك في كلا السلكين، بسبب الانقباض في امتداد النسبية فتبدوان كأنّهما تسيران بسرعة متقاربة، لذا فإنّ هناك شحنات موجبة على امتداد السلك أكثر منها سالبة ولأنّ الشحنات تتنافر فإنّ الأسلاك تتنافر.
إنّ التيارات متعاكسة الاتجاهات تؤدي الى الانجذاب، وبالنظر إلى السلك الأول فإنّ الإلكترونات مزدحمة بشكل أكبر لتخلق شبكة من الشحنات السالبة بينما تشكل البروتونات في السلك الأول شبكة شحنات موجبة فتتجاذب الشحنات المتعاكسة.
3- لون الذهب الأصفر
يرجع لون بعض المعادن الساطعة إلى أنّ الإلكترونات في الذرة تكون من مستويات طاقة مختلفة ومدارات مختلفة، هذا وأنّ بعض الفوتونات التي تصيب المعدن يتمّ امتصاصها وإعادة انبعاثها حتى لو كان هناك طول موجي فإنّ معظم الضوء المرئي يحصل فيه انعكاس.
وبما أنّ ذرة الذهب تكون ثقيلة، فإنّ الإلكترونات الداخلية تتحرك بسرعة كافية لتكوّن زيادة في الكتلة ويعد هذا من آثار النسبية المهمة، فضلًا عن التقلص في الطول ولذلك فإنّ الإلكترونات تدور حول النواة في مدارات أقصر مع تزايد الزخم.
تحمل الإلكترونات في المدارات الدّاخليّة طاقةً مُقاربةً لطاقة الإلكترونات خارج المدارات، كما أنّ الأطوال الموجيّة المُمتصّة والمنعكسة تكون أطول. والأطوال الموجية للضوء هي امتصاص الضوء المرئي في حالة انعكاسه عندما يكون في نهاية الطيف الألوان الزرقاء.
فالضوء الأبيض عبارة عن خليط من كلّ ألوان الطيف، ولكن في حالة الذهب عندما يتمّ عكس الضوء وامتصاصه فإنّ الموجات تزداد طولًا، ممّا يعني أنّ خليط الضوء الذي نراه يميل إلى أن يحوي درجة أقلّ من الأزرق والبنفسجي بداخله، وهذا يجعل الذهب يبدو أكثر اصفرارًا لأنّ طول موجة الضوء الأصفر والبرتقالي والأحمر أقلّ من طول موجة اللون الأزرق.
4- الذهب لا يصدأ بسهولة
إنّ أحد أهمّ أسباب التّي تجعل معدن الذهب لا يصدأ ولا يتفاعل مع أي شيءٍ آخر بسهولة هو تأثير النسبية على إلكتروناته.
يمتلك الذهب إلكترونًا واحدًا فقط في غلافه الخارجي، ولكنّه لا يزال غير متفاعل كما هو الحال بالنسبة للكالسيوم والليثيوم.
وبدلًا من ذلك تكون الإلكترونات في الذهب أثقل ممّا يجب أن تكون، وتجري جميعها بالقرب من نواة الذرة، وهذا يعني أنّ الإلكترون الخارجي هو في مكانٍ لا يُمَكّنُه من التفاعل مع أيّ شيء على الإطلاق، ومن المرجح أن يكون بين زملائه الإلكترونات القريبة من النواة.
5- الزئبق هو سائل
ذرة الزئبق ثقيلة على غرار الذهب، مع وجود إلكترونات تتجمع قريبةً من النواة بسبب سرعتها، ممّا يترتب على ذلك زيادة في الكتلة.
إنّ الروابط بين ذرات الزئبق تكون ضعيفة، لذلك نجد أنّ الزئبق يذوب في درجات حرارة أقل، فكلما نظرنا إليه وجدناه سائلًا.
6- جهاز التلفاز القديم الخاص بك
قبل بضع سنين كانت كلّ أجهزة التلفاز والشاشات تقريبًا تحتوي على أنبوب شعاع الكاثود، والذي يعمل عن طريق إطلاق الإلكترونات على سطح فسفوري مع مغناطيس كبير وكل إلكترون يضيء نقطةً (بيكسل) من الجزء الخلفي للشاشة.
وتُطلق الإلكترونات لجعل الصورة تتحرك الى ما يصل لـ 30% من سرعة الضوء، إنّ تأثيرات النسبية تكون ملحوظة فعندما يقوم المصنعون بصنع المغناطيس عليهم أخذ هذه الآثار بعين الاعتبار.
7- الضوء
إذا كان إسحاق نيوتن مُحقًّا في افتراضاته حول وجود أطر مرجعية مطلقة، فسنكون مضطرّين لاستخدام سُبل شرحٍ مغايرة تمامًا للضوء.
لأنّ الموجات الكهرومغناطيسية ليست وحدها غير موجودة، بل الضوء غير موجود أيضًا؛ لأنّه وفقًا للنسبية فإنّ أيّ تغير في خطوط المجال الكهرومغناطيسي يتطلب سرعة محددة، وإذا لم تلتزم النسبية بهذا الشرط فإنّ الكهربية ستحلّ محلّ الكهرومغناطيسية والضوء.
8- محطات الطاقة النووية والمستعرات العظمى (Supernova)
تعد النسبية من أهمّ النظريات التي تعبر عن كيفية تحويل الطاقة إلى كتلة وبالعكس، وهذا التحويل هو أساس عمل محطات الطاقة النوويّة، بالإضافة إلى توهّج النجوم وإشعاعها، وتتكون المستعرات العظمى لأن النسبية تتفوق على ميكانيكا الكم في النجوم العملاقة.
ترجمة: ايناس حاج علي
تدقيق: عبدالسلام الطائي