عندما تعاني من أي مرض يطلب منك الطبيب أن تجري مسح بأشعة أكس أو بالأشعة المقطعية أو بالرنين المغناطيسي ليرى إن كان شيء قد تأثر داخليًا.
الباحثون في المعهد القومي للقياسات والجودة يستخدمون نفس المبدأ، لكن بشكل أقوى ليرصدوا التآكل الذي يحدث للحديد المستخدم في المباني والطرقات وكل المنشآت القديمة.
ما طوروه هو تقنية تستطيع أن تكشف التآكل في الحديد الصلب المدفون داخل الحوائط الخرسانية دون الحاجة للتكسير عن طريق قراءة البصمة الطيفية له، وبذلك يمكن كشفه قبل أن يُحدث أي ضرر للبناء.
الطريقة الجديدة تم نشرها في ورقة بحثية في مجلة تطبيقات الرنين المغناطيسي.
عندما يتحد الماء والأكسجين مع الحديد يتآكل وتنتج أكاسيد الحديد بأنواعها وأشهرهم الغوثيت(goethite) والهيماتيت (hematite).
يوضح ديف بلاسكيليك(Dave Plusquellic) عالم الفيزياء الكيميائية في المعهد: «إنَّ الصدأ البني الذي يتكون على قطعة الحديد إذا تعرضت للماء يكون أغلبه من نوع الغوثيت، بينما الحديد الصلب في الحوائط الخرسانية عندما يصدأ غالبًا ما يكون من نوع هيماتيت»
ويضيف: «لقد أوضحنا في بحثنا الحالي وبحثنا السابق أن الغوثيت والهيماتيت يمكن أن يتم اكتشافهم في مراحل مبكرة من تكوينهم باستخدام إشعاع بتردد تيرا هيرتز (موجة كهرومغناطيسية بتردد من 10 إلى 100 مرة أعلى من الميكروويف المستخدم في تجهيز الطعام)»
إنَّ طريقة التصوير الحالية تستخدم موجات الميكروويف لتسجل التغير في الحالة الفيزيائية للحديد مثل التغير في سُمكه داخل الخرسانة في أي بناء.
«ولكن للأسف عندما تحدث هذه التغيرات بدرجة يمكن كشفها يكون التآكل وصل لمرحلة أنه سيسبب شرخ في الخرسانة» يقول الفيزيائي ايد جاربوكزي(Ed Garboczi) ويضيف جاربوكزي أن أغلب طرق المسح بموجات الميكروويف تعتمد على المقارنة مع قيمة قياسات الحديد التي تم أخذها وقت إنشاء البناء، وقد بدأ تسجيل قياسات الحديد منذ 25 سنة فقط.
«هذه مشكلة حقيقية حيث أن متوسط عمر ال 400 ألف جسر التي تم إنشائها في الولايات المتحدة باستخدام الخرسانة المسلحة يبلغ 50 سنة، ولذلك لا يوجد قياسات أُخذت وقت الإنشاء للمقارنة معها» كما يشرح إيد.
إنَّ إشعاع بتردد تيرا هيرتز يستطيع كشف الغوثيت والهيماتيت لأنهما مواد غير ممغنطة، بمعنى آخر فإن أزواج الإلكترونات المتوضعة بجانب بعضهما البعض في ذرة الحديد تدور في اتجاهات مختلفة، مما يجعلها لا تتأثر بالمجال المغناطيسي الخارجي، بينما الإلكترونات في ذرة الحديد في المغناطيس تدور في نفس الاتجاه والتي إما أن تنجذب أو تتنافر مع المجال المغناطيسي الخارجي.
«إنَّ الموجات ذات التردد بالتيرا هيرتز تعكس دوران أحد الإلكترونات في زوج الإلكترونات وتُمتَص بواسطة الغوثيت أو الهيماتيت، وباستخدام كاشف لتحديد الموجات بدقة الميللي متر اكتشفنا أن هذا الامتصاص من المواد غيرالممغنطة يمكن أن يحدث فقط في نطاق ضيق من الترددات في الطيف المغناطيسي – لينتج بصمة طيفية فريدة ل الغوثيت والهيماتيت وبالتالي لتآكل الحديد بالمثل» يشرح بلاسكيليك.
ومع التقدم الحادث في مصادر إنتاج الموجات بتردد تيرا هيرتز وطرق كشفها، فإنًّ التقنية الجديدة التي تم تطويرها في المعهد القومي للقياسات والجودة من الممكن أن تكتشف بسرعة الكميات الضئيلة من أكاسيد الحديد في المراحل الأولى من تآكل الحديد المدفون بداخل الخرسانة ومركبات البوليمر (كما في المواد المستخدمة في عزل المواسير في المصانع) والدهانات والمواد الأخرى المستخدمة في الحماية.
يقول بلاسكيليك «لقد أثبتنا في المعمل أن مصدر موجات بتردد تيرا هيرتز بقوة 2 ميللي واط يستطيع إنتاج موجات تستطيع الكشف عن وجود الهيماتيت الموجود بداخل خرسانة بسمك 25 مم، باستخدام مولد موجات بقوة مئات الميللي واط ومستقبلات موجات ذو تقنية عالية (بنسب غير مسبوقة بين قوة الإشارة والضجيج) من المفترض أن نستطيع اكتشاف التآكل على عمق 50 مم من الخرسانة وهو السُمك الذي توضع عليه أو طبقة من الحديد في أغلب البيانات التي تستخدم الخرسانة المسلحة»
سيحاول الفريق لاحقًا محاولة إيجاد بصمة طيفية ل الأكاجينيت (akageneite) وهو منتج تآكل الحديد الذي يتشكل بوجود أيونات الكلوريد التي تأتي من مصادر مثل مياه البحار أو من الأملاح التي تستخدم لإذابة الجليد المتراكم على الطرق1.
يقول جاربوكازي «إنَّ الأكاجينيت يستطيع إحداث مشاكل في الحديد المستخدم في الخرسانة المسلحة تمامًا كالغوثيت والهيماتيت».
إنَّ طريقة اكتشاف التآكل بالاعتماد على الخواص المضادة للمغناطيسية ابتكرت لأول مرة سنة 2009 عن طريق ويليم أيغليهوف(William Egelhoff) الباحث في المعهد القومي للقياسات والجودة والرائد في مجال المواد المغناطيسية.
هامش:
1- إنَّ إضافة الملح إلى الجليد يخفض نقطة الذوبان مما يجعل الجليد يذوب عند درجة حرارة أقل ولذلك يستخدم لإذابة الجليد على الطرق.
ترجمة: مينا صبحي جبرائيل
تدقيق: منار نعيم
تحرير: محمد سمور
المصدر