يقابلُ الأفرادُ الملتزمون بعلاقةٍ مع شركائهم آلافاً من الأشخاص الجدد خلال حياتهم، ولكن ما هي العوامل النّفسيّة الكامنة التي قد يوظفها هؤلاء المرتبطون في سبيل الحفاظِ على التزامهم في علاقتهم مع الشّريك الآخر؟
توصّلَ مجموعة من علماء النّفسِ في دراسة حديثةٍ قاموا بها مؤخّرًا إلى أنَّ المرتبطين يعملون على تقليل جماليّةِ المظهرِ الخارجيِّ لمن يشكّلون عاملًا يهدّد استقرارَ علاقتهم، أي أنّهم يميلونَ إلى رؤية الجذابين من غيرِ شركائهم أقلَّ جاذبيّة ممّا هم عليه، ويمكنُ لهذا التحيّزِ الإدراكيّ أن يبيّن لنا الطريقةً اللا واعية التي تساهمُ في ضبط النفس والتّحكّم بها، إضافة إلى دورها في التغلبِ على الإغراءات، ممّا سيساعدُ المرتبطين على تحقيقِ أهدافٍ بعيدة المدى في علاقتهم مع الشّريك وعلى رأسها استمرارُ هذه العلاقة وثباتها.
تعتبر هذه الدراسة الأولى من نوعها، والسبب في ذلك يعود إلى أن معظم البحوث السابقة ركزت على التحيز الظاهري، أي أن أفراد أفراد العينة المختارة في تلك الأبحاث يدركون ويعون بأنهم يقيمون جاذبية الآخرين ويشكلون أفكاراً عنهم، بينما تركز هذه الدراسة على التحيزات البصرية الخفية اللاواعية.”
ولمعرفة تفاصيلَ أكثر حول هذه الدّراسة، فقد عُرضَ على المشاركين في التّجربة الأولى صورٌ لأشخاص جذّابين من الجنس الآخر ومرغوبين لدى جميع الأفرادِ سواءَ كانوا مرتبطين أم غيرِ مرتبطين، وطلبَ منهم أن يقرؤوا الصّفات الشّخصيّة لصاحب الصّورة، بما في ذلك حالته الاجتماعيّة إن كانَ مرتبطًا أم لا. وبعدها، قامَ المشاركون بالرّبطِ بين الصّورة المعروضة لهم مع صورٍ أخرى عديدة لنفس الشّخص قد جرى تعديلها مسبقًا، مما قد يجعلُ بعضها جذّابًا أكثرَ من الصّورة الأصليّة المعروضةِ أو العكس.
هذا وقد تنوّعت نتائج التجربة التي أجريت على مئة وواحدٍ وثلاثين من غيريّ الجنسِ heterosexual، فالملتزمون بعلاقة مع شريك آخرَ وجدوا الأشخاصَ غير المرتبطين، وبالتّالي المهدّدين لاستقرارِ علاقتهم وثباتها، أقلَّ جاذبيّة ممّا هم عليه في الواقع، أمّا بالنسبة لصور الأشخاصِ المرتبطين والتي عرضت على كلٍّ من الأفرادِ المرتبطين والعازبين، فقد وجدوهم جذّابين بشكلٍ طفيفٍ عمّا هم عليه حقيقة.
وينبغي الإشارة إلى أنَّ آراءَ المرتبطين التي قلّلت من جماليّة المظهر الخارجيّ لبعض الأفرادِ قد جاءَت على الرّغم من عرضِ المختبِرين مبلغ خمسين دولارًا كمقابلٍ ماديٍّ لمن يتعرّفُ على الصّورة الحقيقيّة للشّخصِ الجذّاب أثناء عمليّة عرضها مع الصّورِ الأخرى المعدّلة، وبالتالي تقترحُ لنا هذه النتائج أنَّ المرتبطين قد وجدوا الأفرادَ الجذابين أقلَّ جاذبيّة مما هم عليه، ويمكن لسوء التقييم الإدراكيّ لجاذبيّة الأفرادِ ممن يشكّلون تهديدًا لعلاقات الآخرين أن يكون وسيلة مساعدة تقي هؤلاء المرتبطين من سعيهم وراءَ الأشخاصِ الجذابين جسديًّا، خصوصًا أنَّ الجاذبيّة الجسديّة تمثّلُ السّبب الرئيسيّ للسّعي وراء الأفرادِ ومواعدتهم.
وفي الدّراسة الثّانية، أضاف الباحثون مئة وأربعة عشرَ مشاركًا جديدًا وطلبوا منهم تقريرًا يوضّح رضاهم عن علاقتهم بالشّريك الآخرِ، وقد تضمنت الدّراسة الثانية أيضًا معلومات عما إذا كان الأشخاص مرتبطين أم لا، وتباينت النتائج أيضًا فقد أفادَ بعض المشاركين باهتمامهم بمواعدةِ الأشخاصِ الجذابين الذين عرضوا عليهم في الصّور، بينما لم يظهرِ الآخرون أيَّ اهتمامٍ بمواعدتهم في الوقت الحاليّ، كما أظهرَ الذين عبّروا عن رضاهم تجاه علاقتهم مع شركائهم نتائجَ مطابقة تمامًا لنتائجِ التّجربة الأولى، أي أنّهم وجدوا تلك الصّور أقلًّ جاذبيّة مما يبدو عليه أصحاب هذه الصّور فعليًّا، أمّا بالنّسبة لمن كان رضاهم أقلَّ حيالَ علاقتهم مع شريكهم الآخر، فقد تشابهت نتائجهم مع أقوالِ غير المرتبطين في الدّراسة الأولى، فكانوا أكثرَ دقّة خلال مطابقةِ الوجوه الجذّابة في الصّور الأصليّة والأخرى المعدّلة لهم.
وفي الختام، أشارَت الطبيبة شانا كول Shana Cole، من الأطباء المساهمين في هذه الدّراسة، إلى أنَّ الدراسات التّالية حول هذا الموضوع ستوضّح لنا صحّة النتائج التي توصّلنا إليها هنا بشكل أكبر، فإذا وجدَ المرتبطون أولئك الأفرادَ الجذّابين أقلَّ جاذبيّة مما عليه، فمن الممكن أن تقلَّ المحاولات لاستلطافهم أو أن يتمّ التصرف بحزم أكثرَ قبل أن يتبادلوا معهم أرقامَ الهواتفِ.
ترجمة: علي حميد
تدقيق: ميس كروم