لا يوجد الكثير من القواسم المشتركة بين الأرض وكوكب المشتري. أحدهما صغير نسبيًا وصخري السطح وصالح للسكن، والآخر ضخم جدًا ويفتقر تمامًا للصلابة وتحتدم فيه عواصف هائلة. لكن عند وضع صور القمر الصناعي للعوالق النباتية البحرية واسعة الانتشار على الأرض، جوار صور الاضطراب الجوي فوق كوكب المشتري، قد يستعصي التفريق بينهما.
تشابه أخّاذ قادنا أخيرًا إلى الإجابة عن سبب الاضطراب لكوكب المشتري الهائل، وهو الحمل الحراري الرطب. عندما يكون الجو دافئًا، يتصاعد الهواء قليل الكثافة، ويكفي القليل منه لإحداث أعاصير هائلة على أكبر كواكب مجموعتنا الشمسية.
من المدهش أن الأمر تطلب عالمة محيطات لملاحظة التشابه بين الكوكبين.
قالت عالمة المحيطات ليا سيغلمان من معهد سكريبس لعلوم المحيطات: «عندما رأيت الاضطرابات الشديدة حول أعاصير العملاق الغازي مع كل تلك الخطوط والدوامات، تذكرت دوامات المحيط الضخمة على الأرض. هذا واضح تمامًا في صور الأقمار الصناعية عالية الدقة، حيث تظهر العوالق واسعة الانتشار».
اقتُرحت سابقًا آلية الحمل الحراري الرطب لتفسير اضطراب كوكب المشتري، لكننا لم نتوصل إلى بيانات تفصيلية كافية للتأكيد. ظل الحال كذلك حتى تبوأت مركبة جونو مكانها، ودارت حول العملاق الغازي مارّةً بقطبيه، ما زودنا بمشاهد مفصلة لهذه المناطق المضطربة.
رأى العلماء مجموعات غريبة من الأعاصير تمتد نحو 5000 كيلومتر، مع دوامات وخطوط أصغر، يتراوح طولها بين 100 و1600 كيلومتر.
زُوّدت جونو بكاميرتين، كاميرا بصرية وأخرى بالأشعة تحت الحمراء، بمدى يبلغ 10 كيلومترات. حللت سيغلمان وزملاؤها صور جونو للقطب الشمالي للمشتري، باستخدام سلسلة من الصور البصرية لتتبع تحركات السحب، ما يوفر تقديرات لسرعة الرياح واتجاهها.
مكّنت صور الأشعة تحت الحمراء العلماء من معرفة درجات الحرارة، إذ تمثل المناطق الأسخن في الصور سحبًا أرق، في حين تشير السحب السميكة إلى المناطق الأبرد.
ساعدت درجة الدقة ووضوح التفاصيل الفريق على معرفة كيفية حدوث الاضطراب. إذ وجدوا أن زيادة الحمل الحراري بفعل الهواء الساخن قليل الكثافة ينقل الطاقة صعودًا إلى الأعاصير الهائلة، إذ يغذي الهواء تلك الأعاصير. وإن كنا لم نعرف بعد سبب حدوث تلك الأعاصير من البداية.
لم يُلاحَظ هذا النوع من انتقال الطاقة على أي كوكب آخر، ومن المثير للاهتمام أنه يطابق الدراسات المدعومة حول تيارات الحمل الحراري السريعة «رايلي بينارد»، حيث تسخن طبقة أفقية سفلية من السائل، ليرتفع البخار إلى الطبقة الأبرد. يدعم هذا التشابه نموذج الحمل الحراري الرطب في الأعاصير القطبية للعمالقة الغازية.
يثير هذا الاكتشاف مسألة التشابه العجيب بين الأرض والمشتري. قال الباحثون: «قد يقدم هذا الاكتشاف بعض الرؤى عن الظواهر الجوية الخاصة بكوكبنا. تظهر عمليات رصد الرياح على الأرض طيفًا حركيًا مماثلًا لما رصدناه في أعاصير العمالقة الغازية، ما يشير إلى أن انتقال الطاقة ذاته قد يحدث على كلا الكوكبين»
قالت سيغلمان: «إن القدرة على دراسة كوكب بعيد جدًا والتوصل إلى الفيزياء التي تحكمه أمر رائع، ما يطرح سؤالًا: هل تنطبق تلك العمليات الفيزيائية أيضًا على كوكبنا؟ نحن بحاجة إلى المزيد من الأبحاث للتحقق من ذلك، من أجل فهم أفضل لكوكبنا».
اقرأ أيضًا:
تسارع غامض للرياح حول البقعة الحمراء في المشتري والسبب غير معروف حتى الآن!
ما الذي يجعل المشتري أحد أغرب الكواكب في المجموعة الشمسية؟
ترجمة: عصماء عصمت
تدقيق: عبد المنعم الحسين