كشف تحليل جديد أن الرياح تتسارع بغموض حول حافة البقعة الحمراء العظيمة، تلك السمة المميزة لكوكب المشتري، العاصفة الدوامة الأنتيسيكلونية -عاصفة ذات ضغط عال في الوسط- وهي الأكبر من نوعها في نظامنا الشمسي لدرجة أنه يمكنها ابتلاع كوكب الأرض.
استخدم الباحثون البيانات التي جمعها تلسكوب هابل الفضائي ودرسوا أنماط العاصفة منذ عام 2009 وحتى عام 2020، وقارنوا سرعات الرياح في الحافة الخارجية سنة بعد أخرى، فوجدوا زيادة بنسبة 8% خلال هذه الفترة، نعم هي زيادة طفيفة لكنها مهمة جدًا، إذ تعادل ما يقارب 2.5 كيلومترًا في الساعة لكل سنة، وما كنا لنعرف ذلك لولا قدرة تلسكوب هابل على التقاط صور عالية الدقة للبقعة الحمراء العظيمة.
سرعات الرياح الداخلية والخارجية لعاصفة بقعة المشتري الحمراء العظيمة (Wong et al, Geophysical Research Letters, 2021)
يقول مايكل وونغ، عالم الكواكب في جامعة كاليفورنيا ببيركلي: «لم يشهد أحدٌ شيئا كهذا من قبل! ومع ذلك فقِدم تلسكوب هابل ورصده الدائم جعلا هذا الاكتشاف ممكنًا، ولا شيء آخر غير هابل يمكنه فعل ذلك».
لقد وضع الباحثون معًا نهجًا جديدًا لتحليل البيانات للتوصل إلى هذا الاستنتاج باستخدام برامج النمذجة في تقييم عشرات الألوف من متجهات الرياح المختلفة -الاتجاه والسرعة- في كل مرة تمكن فيها هابل من تصوير كوكب المشتري، ووجدوا أن سرعات رياح السحب الملونة على أطراف البقعة العاصفة وصلت إلى 640 كيلومترًا في الساعة -398 ميلًا في الساعة- عكس اتجاه عقارب الساعة، والسؤال الذي تصعب الإجابة عنه، ما سبب هذا التسارع يا ترى؟!
لغز محير!
استبعد الباحثون بعض الاحتمالات في سياق الدراسة والبيانات التي جُمعت، فلا يُعتقد مثلا أن التغيرات في شكل الرياح أو زاويتها ولا التغيرات في درجات الحرارة عند الارتفاعات المختلفة هي المسؤولة، فالسبب الكامن إذن وراء هذا التسارع ما زال محيرًا للخبراء.
يضيف مايكل وونغ في السياق ذاته: «تكمن الصعوبة في معرفة السر أو تشخيص هذا التسارع في عدم قدرة هابل على رؤية قاع العاصفة جيدًا، فأي شيء تحت قمة السحابة العاصفة غير مرئي، ومع ذلك لدينا الآن قطعة مثيرة للاهتمام من الأحجية قد تساعدنا في فهم ما يغذي البقعة الحمراء العظيمة وكيف تحافظ على عنفوانها وطاقتها».
نعلم من الأبحاث السابقة أن بقعة المشتري العظيمة يتضاءل حجمها مع مرور الوقت، وهو لغز آخر علينا حله، وإلى أن تؤخذ قياسات أكثر دقة وتفصيلًا للعاصفة العملاقة، وستكون لدينا الكثير من الأسئلة المحيرة بلا إجابة، وقد كان الفلكيون يراقبون سمة كوكب المشتري الأشهر -البقعة الحمراء الكبيرة- منذ القرن السابع عشر مسجلين ملاحظاتهم باستمرار منذ عام 1878، وقد دلت على أن البقعة قد أصبحت دائرية أكثر وأصغر من ذي قبل.
يستطيع تلسكوب هابل أن يرصد الأجسام التي يزيد حجمها عن 170 كيلومترًا، ولكن عندما يتعلق الأمر برسم خرائط الفضاء ورصد ما يحدث على كوكب المشتري، فإن لهابل قدرات هائلة ودقة عالية وخيالية.
تقول عالمة الكواكب أيمي سيمون من مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا بميريلاند: «لا يمكننا قياس سرعة الرياح باستمرار في المركز لعدم وجود طائرة رصد وتتبع عواصف للمشتري، لكن هابل هو التلسكوب الوحيد الذي لديه نوع من التغطية الزمنية والمكانية الدقيقة التي يمكنها رصد وتصوير رياح المشتري بهذا القدر الهائل من التفاصيل».
اقرأ أيضًا:
مفاجأة! يبدو أن المشتري عليه مياه أكثر مما كنا نتوقع
لماذا لم يتحول كوكب المشتري إلى شمس ثانية؟
ترجمة: أحمد محروس عثمان
تدقيق: سمية بن لكحل