تقترح دراسة جديدة أنَّ الأشخاص الذين شعروا في صغرهم أنَّ آباءهم كانوا مُتسلِّطين على نحوٍ زائد يصبحون أقل سعادة من أقرانهم في سنوات المراهقة وفي الثلاثينيات والأربعينيات وحتى الستينيات من عمرهم.
قارن الباحثون من كلية لندن الجامعية انخفاض الصحة العقلية (بما يتضمن الصحة النفسية)، بذلك الانخفاض الناتج عن فقدان صديق أو قريب. تعقَّبَت الدراسة مجموعة من أكثر من ألفي شخص وُلِدوا في عام 1946 حتى يومنا الحالي، بهدف اكتشاف تأثير الأساليب التربوية على صحتهم طوال حياتهم. انتهى الأطفال الذين قالوا أنَّ آباءهم مُحبِّين إلى تحقيق أعلى الدرجات من حيث الصحة العقلية، بينما أولئك الذين قالوا أنَّ والدتهم أو والدهم كانوا يتحكَّمون فيهم نفسيًّا -بالتدخُّل في خصوصياتهم أو منعهم من رؤية أصدقائهم- حقَّقوا درجات أقل في مجموعة متنوعة من اختبارات السعادة.
بينما بحثَت العديد من الدراسات كيفية تأثير التربية على نمو الأطفال، إلَّا إنَّ هذه هي إحدى الدراسات طويلة المدى الأولى التي تبحث في كيفية تأثير التربية على السعادة على مدار حياةٍ كاملة. ولكن لا تُوضِّح الدراسة حتى الآن سوى ارتباطِ بينهما، ولا تُقدِّم أي دليل على أنَّ الآباء المُتحكِّمين نفسيًّا يؤثِّرون مباشرةً على صحة أطفالهم العقلية.
هناك أيضًا مشاكل واضحة في البحث؛ وبالأساس حقيقة أنَّ المُشاركين قد طُلِب منهم تذكُّر كيف كان آباؤهم عندما كانوا أطفالًا بعد عقودٍ، في سن 43 عامًا. ممَّا يترك احتمالية الانحياز في الذاكرة، التي سيتذكَّر الأشخاص غير السعداء وفقًا لها طفولتهم بكونها على الأرجح أقل من مثالية.
يعترف الباحثون أنَّه ما زالت هناك حاجة إلى المزيد من البحث في كيفية تأثير التحكُّم سلبًا على الأطفال، ولكنَّهم شرحوا أنَّ النتائج ترتبط أيضًا بدراسات توضِّح أنَّ الأطفال الذين يُكوِّنون روابط آمنة مع آبائهم يحظون بعلاقات أسعد في حيواتهم بعد ذلك.
وقالت ميا ستافورد «Mai Stafford»؛ الباحثة الرئيسة في الدراسة للإندبندنت: «يمنحنا الآباء قاعدةً ثابتة يمكننا منها استكشاف العالم، وقد توضح أنَّ الدفء والاستجابة يساعدان على النمو الاجتماعي والعاطفي. أمَّا التحكُّم النفسي، فعلى العكس، يمكنه تحديد استقلالية الطفل وجعله أقل قدرةً على تنظيم سلوكه الخاص».
عرَّفَت الدراسة التحكُّم النفسي بأنَّه محاولة الآباء جعل الطفل معتمدًا على أحدهما أو كليهما، والتدخُّل في خصوصياتهم، وعدم الرغبة في جعلهم يتَّخذون قراراتهم بأنفسهم. ويبدو على النقيض أنَّ الآباء الذين كانوا مُتحكِّمين سلوكيًّا؛ أي لا يسمحون لأبنائهم بفعل الأمور بطريقتهم طوال الوقت على سبيل المثال، لم يؤثِّروا سلبًا على أطفالهم في حيواتهم فيما بعد.
قاست الدراسة صحة المشاركين العقلية في أربع مراحل في حيواتهم؛ بين الأعمار 13 و15، وفي عمر 36 عامًا، و 43 عامًا، وأخيرًا عندما كانوا بين 60 و64 عامًا. كان مقياس السعادة في كل مرحلة مختلفًا قليلًا؛ فكانت السعادة في مرحلة المراهقة تُقاس بواسطة مُعلِّميهم، وفي الثلاثينيات والأربعينيات كان المشاركون يُقيِّمون رضاهم الشخصي عن حياتهم، وفي الستينيات استُخدِم مقياسان مُستقلان لقياس السعادة.
من الواضح أنَّ هناك بعض الفجوات الكبيرة جدًا في الدراسة التي تحتاج إلى متابعة، ولكنها تُقدِّم نظرةً مثيرة للاهتمام لبعض الطرق التي قد تترك التربية بها علاماتها على الأطفال. نريد أن نرى المزيد من النتائج قبل أن نتوصَّل إلى أي استنتاجات، ولكن الدراسة تُذكِّرنا بأنَّ بإمكاننا جميعًا التساهل أكثر قليلًا.
هذا ونُشِرَت النتائج في مجلة Journal of Positive Psychology.