ما تزال الحوسبة الكمومية على وشك إحداث ثورة تكنولوجية خلال السنوات الخمس إلى العشر الأخيرة. ومع أن الإصدارات الحالية لم تبلغ ذروة الإمكانيات التكنولوجية، فإنها قوية بدرجة رائعة.
شهد عام 2019 تطوير حاسوب جوجل الكمي «53 كيوبت»، وهو جهاز قادر على حل أي مسألة معقدة خلال ثلاث دقائق. إن كان هذا لا يبدو مثيرًا للإعجاب، فتذكر أن الحاسوب العادي قد يستغرق نحو ألف عام لإتمام مثل هذه الحسابات.
تستثمر الشركات -الكبيرة والصغيرة على حد سواء- كميات هائلة من الموارد في تطوير الحواسيب الكمومية، ويعتقد الكثيرون أنها قد تكون الثورة القادمة في عالم التكنولوجيا. عامي 2017 و2018 شهدت الحوسبة الكمومية دفعة رائعة نتيجة ضخ المستثمرين نحو 450 مليون دولار في هذا المجال. ومع استمرار نضج هذه التكنولوجيا، يمكن استخدامها في اكتشاف الأدوية المنقذة للحياة، وتطوير مواد جديدة، وبناء أجهزة أكثر كفاءة، وابتكار استراتيجيات مالية، وغير ذلك.
مع ذلك، يجب على الحوسبة الكمومية التغلب على مجموعة من العقبات قبل أن تتمكن من تحقيق ثورة تكنولوجية. لحسن الحظ، تعمل الشركات على الاقتراب من تخطي هذا الحاجز.
يجب أن تصبح أجهزة الحاسوب الكمومية قابلة للتطوير
لن تحل الحواسيب الكمومية محل حاسوبك المكتبي، دعنا نتفق على هذا أولًا. يمكن أجهزة الحاسوب الكمومية حل أنواع معينة من المشكلات المعقدة بكفاءة أكبر بكثير من الحواسيب التقليدية، لكنك بالتأكيد لن تستخدم جهاز حاسوب كموميًا في اللعب.
تخزن أجهزة الحاسوب الكمومية المعلومات في «كيوبتات»، ونظرًا إلى الخصائص الكمومية لهذه الكيوبتات، يمكنها تمثيل كل من 1 و0 في الوقت ذاته، ما يمنح الحواسيب الكمومية قوة حوسبة تفوق الحواسيب التقليدية.
مثلًا، يمكن جهاز حاسوب بحجم 50 كيوبت إجراء 1000 تريليون عملية حسابية في الوقت ذاته، ما تعجز أكبر الحواسيب العملاقة في العالم عن فعله. إذن لماذا لا نبني حواسيب كمومية بحجم 100 أو 500 أو حتى 1000 كيوبت؟ المشكلة هي قابلية التوسع.
نظرًا إلى حساسية الكيوبتات، فإن أي خلل أو مصدر للضجيج في النظام قد يسبب حدوث أخطاء في الحساب الكمي. تتطلب أجهزة الكم عناية فائقة في بيئة معزولة شديدة البرودة، وقد طور العلماء نظامًا لتصحيح الأخطاء الكمية، إلا أنه يحتاج إلى طاقة وموارد مكثفة، ويشكل تحديًا هندسيًا هائلًا.
لذا فإن توسيع نطاق الحواسيب الكمومية لتتجاوز مرحلتها البدائية الحالية ليس بالأمر السهل، إذ لا بد من تحقيق توازن بين حجم الكيوبت وبين الأخطاء.
حددت شركة مايكروسوفت التحديات والخطوات اللازمة للنهوض بالحوسبة الكمومية إلى مرحلة النضج، وحديثًا أعلنت شركة «آي بي إم» عن خطط لامتلاك حاسوب بقوة 1000 كيوبت بحلول عام 2023.
تعمل الشركات الناشئة على إدخال الحوسبة الكمية إلى مرحلة النضج
تعمل شركة «كيوبلوكس» على توفير بنية تحكم قابلة للتطوير على نطاق واسع يصل إلى 100 كيوبت. سلسلة «كلاستر» الأخيرة المقرر طرحها هذا العام، هي نظام «رفوف» معياري بقياس 19 بوصة، لديه القدرة على التحكم في نحو 20 كيوبت في جهاز واحد.
تعالج مجموعة كيوبلوكس أيضًا مشكلات الحوسبة الكمومية الأخرى، مثل تحسين جودة الكيوبت وإيجاد طرق لمعالجة الأخطاء الكمومية واستراتيجيات الحد من الأخطاء.
قد تساعد الحوسبة الكمومية صناعات الطيران والفضاء على الوصول إلى آفاق جديدة. راهنت شركات «إيرباص» على مراقبة الجودة منذ 2015. فبدلًا من إنشاء أجهزة الحواسيب الكمومية الخاصة بهم، حاولوا تكييف أجهزتهم الحالية للمساعدة في التعامل مع كميات ضخمة من البيانات وتخزينها، متضمنة فرز صور الأقمار الصناعية وتحليلها. وأطلقت شركة «إيرباص» حديثًا مسابقة للحلول المعتمدة على الحوسبة الكمومية لتحسين تصميم الجناح ومشكلات حركة السوائل فيه.
شبكات الاتصال الكمية ليست مستقبلًا بعيدًا
سنة 2017، أعلنت شركة «AT&T» للاتصالات عن مشاركتها لمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا بهدف إنشاء تقنية الشبكات الكمية الخاصة بها. رغم اعتقاد الكثيرين أن الشبكة الكمومية أقرب إلى الخيال العلمي من الواقع، فإن التطور السريع في نقل المعلومات الكمومية وتخزينها ومعالجتها أقنع بعض علماء الفيزياء باقتراب التوصل إلى دليل بسيط على المبدأ، وسنة 2020، عُرضت أول شبكة كمومية هجينة.
ستوفر لنا الشبكات الكمية قدرًا غير مسبوق من الأمان والسرعة، سنة 2017 بدأت شركة الاتصالات ومختبر الدفع النفاث التابع لناسا ووزارة الطاقة الأمريكية بناء شبكة كمية في مختبر فيرمي في باتافيا، إلينوي.
دور الحوسبة الكمومية في الذكاء الصناعي
قد تشق الخوارزميات الكمية طريقها إلى التعلم الآلي، ما يعزز قدرة تعلم الآلات الذكية. سيؤدي هذا في النهاية إلى تحسن في التطوير، وتقنيات توقع أفضل، وذكاء أعلى إجمالًا، مع ذلك لن نملك آلات فائقة الذكاء.
كما هو الحال في الحوسبة التقليدية، فإن الخوارزميات الكمومية مفيدة في حالات محددة. باختصار، لن تحل الخوارزميات الكمومية محل التقليدية منها.
يقول سامويل فيرنانديز لورينزو، الباحث في الخوارزميات الكمومية: «قد يكون التعلم الآلي الكمي أكثر كفاءة من التعلم الآلي الكلاسيكي، على الأقل لنماذج معينة يصعب تعلمها باستخدام أجهزة الحواسيب التقليدية، لكن ما زال علينا معرفة إلى أي مدى تظهر هذه النماذج في التطبيقات العملية».
إيجاد أدوية جديدة
قد تكون عملية تطوير مستحضر دوائي جديد صعبة للغاية، لتصميم دواء فعال يحتاج الكيميائيون إلى معرفة التفاعل بين الجزيئات والبروتينات والمواد الكيميائية لتحديد هل ستحسن الأدوية حالات معينة أو تعالج الأمراض؟ تستغرق هذه العملية حاليًا وقتًا طويلًا إلى حد ما.
مع ذلك، يمكن الباحثين مراجعة العديد من الجزيئات والبروتينات والمواد الكيميائية في وقت واحد، أو بمعدل أسرع بكثير بمساعدة الحواسيب الكمومية.
الحوسبة الكمومية الحقيقية قد تستغرق 5-10 سنوات لتصل إلينا
ما ذكرناه سابقًا من تحديات وعقبات ليست سوى بعض الصعوبات التي تعيق تقنيات الحوسبة الكمومية. تتصدر شركة جوجل العالم حاليًا بقوة المعالجة الكمية، ومن المتوقع أن تصدر شركة «آي بي إم» حاسوبًا بحجم 127 كيوبت العام المقبل. أما الشركات الأصغر مثل كيوبلوكس فتعمل على دفع الصناعة الكمومية إلى الأمام لتقديم حلول مبتكرة لهذه التحديات، سيكون من المثير للاهتمام أن نرى أين ستكون الحوسبة الكمومية خلال العقد القادم وكيف ستُستخدم؟
اقرأ أيضًا:
وداعًا للهاكرز! الإنترنت الكمومي سيجعل الاختراق شيئًا من الماضي
ترجمة: رضوان يوسف
تدقيق: تسبيح علي
مراجعة: أكرم محيي الدين