تشبه نماذج المحاكاة العلمية للذرات لعبة المتريوشكا الروسية التي تحوي أشكالًا متداخلة، إذ تتراكب الجسيمات داخل جسيمات أخرى، أنوية مبنية من النيوترونات والبروتونات التي بدورها تحتوي على ثلاثياتٍ من الجسيمات الأساسية التي تُسمى الكواركات. مع بساطة هذا الوصف إلا أن المحرك الذري الذي يعمل داخل هذه الجسيمات دون الذرية يتصرف بعشوائية فالكواركات و الكواركات المضادة تضيف وتلغي بعضها ولكنها لا تصل إلى التوازن إطلاقًا.
مطلع عام 1990، صدم الفيزيائيون البروتونات وشطروها محاولين فهم نشاط الكواركات الغريب، ما عقّد عملية البحث عن التوازن دون الذري. أثارت النتائج مزيدًا من الشك ما دفعهم لإعادة الفحص وتأكيد النتائج.
في تجارب لاحقة في مختبر فيرمي الوطني للمسرعات في الولايات المتحدة، اقترح العلماء أن شيئًا غريبًا كان يحدث عندما يصل زخم الجسيمات إلى الحد الذي تستطيع الحساسات قراءته، ما دفع الباحثين لتنظيم تجربةٍ جديدة في مختبر سي كويست حيث يضمّ خليطًا من الحسّاسات القديمة والكاشفات الأيونية التي صُمّمت لكشف مركز الكوارك الذي يعوم داخل البروتون بدقة أعلى من السابق.
استغرق الفريق عشرين عامًا من العمل على شطر الذرات والتنقيب داخل المعلومات التي جمعوها ليؤكدوا أن هنالك اختلالًا غريبًا في توازن المادة المضادة داخل كل بروتون يُفحص.
تأتي الكواركات بأشكال مختلفة وتعطى أسماءً لطيفةً مثل علويٍ وسفلي، وساحرٍ وغريب. عندما يلتصق كواركان علويان مع كوارك سفلي نتيجة القوى النووية القوية نسمي الثلاثي بروتون.
هذا أبسط تفسير لأن الطبيعة الحقيقية لهذا التركيب الثلاثي تتألف من فوضى تكونها الجسيمات المندمجة والمتلاشية كبحارةٍ تغرق في وسط العاصفة.
تتعقد الأمور عندما نعلم بأن كل نوعٍ من هذه الكواركات له صورةٌ معاكسةٌ تسمى مضاد الكوارك.
عند تقابل نوعٍ من هذه الكواركات مع الكوارك المضاد لها يتلاشى كلاهما تاركين خلفهما وميض فوتون. يتغير هذا الفوتون سريعًا تاركًا وراءه حزمةً من الجسيمات ومضاداتها التي تظهر وتختفي في فوضى ضوئية.
يقول بول ريمر فيزيائي من وزارة الطاقة الأمريكية: «الطبيعة اللحظية لأزواج الكوارك والكوارك-مضاد يجعل تواجدها في البروتون صعب الدراسة والقياس، ولكن في هذه التجربة تمكنّا من رصد تلاشي مضاد الكوارك ما أعطانا منظورًا أفضل لعدم التماثل والاتزان».
بما أن الكواركات العلوية والسفلية تمتلك تقريبًا نفس الكتلة، لا يوجد سبب يدفعنا للتفكير أن الضبابة الكمية لا تُعطي معاملة تفضيلية لخلق الجسيمات المضادة. نظريًا تلغي الكواركات بعضها ما يوحي باتزانٍ ظاهريٍ للكوارك الثلاثي.
أظهرت التجارب الأولية العائدة لعام 1990 أن حقيقة الجسيمات أكثر تعقيدًا ممّا ظنّنا وخاصةً بوجود الكواركات المضادة من النوع السفلي الأكثر وضوحًا من النوع العلوي، ما يترك الفيزيائيين في حيرةٍ من الاختلاف في التعداد الكمي للذرات.
أحد التفسيرات يوضح كيفية تحول البروتون سريعًا لنيوترون عن طريق إشعاع أزواج الكواركات ومضاداتها ثم امتصاصها مرةً أخرى بما يسمى «البيون الثلاثي».
من ناحيةٍ أخرى، إذا تخيلنا البروتون كبالونٍ من الكواركات التي تدور حوله بطاقات مختلفة قد يساعدنا هذا الزخم في ترجمة أنواع الكواركات التي تظهر وتتلاشى.
أجرى العلماء أبحاثًا في مطلع الألفية على زخم الكواركات، ما أعطى مجالًا أوسع لقياس خصائصها وتوقعها. ساعدت الاختبارات على تطور المعدات اللازمة للبحث وأظهرت النتائج أن زخم الكواركات كان عاليًا نسبيًا، هذه المرّة كان مضاد الكوارك العلوي سائدًا أكثر من غيره.
تناقضت المعلومات التي جمعها مختبر سي كويست مع هذه النتائج، إذ وُجد أن الكواركات السفلية هي المهيمنة حتى عند أعلى مستويات الزخم. هذه هي المعلومات التي يحتاجها الفيزيائيون للبدء بسبر أغوار البروتون عبر المحاكاة الحاسوبية.
يقول ريمر: «ما زال فهمنا ناقصًا للكوارك داخل البروتون وتأثيره على خصائصه».
وكما هي العادة في فيزياء الجسيمات، نحتاج الكثير من المعلومات التجريبية قبل الوصول لنتائج نهائية. هذه الدمى المركبة داخل الذرة ليس من السهل الكشف عنها دفعةً واحدة.
اقرأ أيضًا:
الفرق بين المادة المضادة و المادة المظلمة
لأول مرة: العلماء يخططون لاستخراج المادة المضادة من خارج المختبر
ترجمة: د. رؤوف طيلوني
تدقيق: مازن النفوري