الكولوسيوم هو مدرج حجري ضخم أنشأه الإمبراطور فسبازيان من سلالة فلافيان نحو سنة 70-72 ميلادية هديةً للشعب الروماني. ويقع شرق المنتدى الروماني مباشرة.
سنة 80 ميلادية، افتتح تيتوس -ابن فسبازيان- الكولوسيوم، المعروف رسميًا باسم مدرج فلافيان، مع احتفالية استمرت 100 يوم من الألعاب التي شملت المصارعة ومعارك الحيوانات المفترسة. وبعد أربعة قرون من الاستخدام، تعرضت هذه الساحة الرائعة للإهمال، وحتى القرن الثامن عشر استُخدم هذا الصرح مصدرًا لمواد البناء.
رغم دمار ثلثي الكولوسيوم الأصلي بمرور الوقت، ما زال المدرج مقصدًا سياحيًا شهيرًا، إضافةً إلى أنه رمز أيقوني لروما التاريخية.
أصل الكولوسيوم:
بعد انتحار الإمبراطور الروماني نيرون سنة 68 ميلادية، أدى سوء حكمه وتجاوزاته إلى تأجيج سلسلة من الحروب الأهلية. تولى أربعة أباطرة العرش في العام التالي لوفاة نيرون، كان رابعهم فسبازيان، الذي حكم مدة 10 سنوات (69-79).
حاول أباطرة سلالة فلافيان، مثل فسبازيان وأبنائه تيتوس (79-81) ودوميتيان (81-96)، تخفيف حدة تجاوزات المحكمة الرومانية، واستعادة سلطة مجلس الشيوخ وتعزيز الرفاهية العامة. نحو سنة 70-72، أعاد فسبازيان الأرض الخصبة بالقرب من وسط المدينة إلى الشعب الروماني، حيث بنى نيرون سابقًا قصرًا هائلًا لنفسه بعد اندلاع حريق روما سنة 64 ميلادية. في هذا الموقع صدر مرسوم ببناء مدرج جديد حيث يمكن الجمهور الاستمتاع بمعارك المصارعة وغيرها من أشكال الترفيه.
بعد نحو عقد من أعمال البناء -وهذا قليل بالنسبة إلى مشروع بهذا الحجم- خصّص تيتوس للكولوسيوم رسميًا سنة 80 ميلادية مهرجانًا يتضمن 100 يوم من الألعاب. كان تيتوس حاكمًا محبوبًا، كسب إخلاص شعبه بحسن تعامله مع جهود الإصلاح بعد ثوران بركان فيزوف سنة 79 ميلادية، الذي دمر مدينتي هيركولانيوم وبومبي. استُكملت المراحل الأخيرة من بناء الكولوسيوم في عهد شقيق تيتوس وخليفته دوميتيان.
الكولوسيوم: المدرج الكبير
كان الكولوسيوم المدرج الروماني الأكبر بمساحة 190 × 155 مترًا. على عكس العديد من المدرجات السابقة التي نُحتت في سفوح التلال لتوفير الدعم الكافي لها، كان الكولوسيوم هيكلًا قائمًا بذاته مصنوعًا من الحجر والخرسانة. يتكون الجزء الخارجي المميز من ثلاث طبقات من المداخل المقوسة -عددها نحو 80- تدعمها أعمدة نصف دائرية. احتوت كل طبقة على أعمدة بترتيب مختلف، ويقع قوس قسطنطين قرب المدخل الرئيسي للكولوسيوم، الذي بُني عام 315 ميلادية تكريمًا لانتصار قسطنطين الأول على ماكسينتيوس في بونس ميلفيوس.
أما بالداخل، فكان الكولوسيوم يتسع لأكثر من 50000 متفرج، مرتبين وفقًا لطبقاتهم الاجتماعية، لكنهم كانوا مكدسين بشدة غالبًا. رُفعت المظلات على الطوابق العليا لحماية الجمهور من أشعة الشمس في أثناء مشاهدتهم المصارعة والصيد ومعارك الحيوانات المفترسة، والمعارك الأكبر عالية التكلفة مثل الاشتباكات البحرية الوهمية، إذ غُمرت الساحة بالمياه. كان أكثر المقاتلين الذين قاتلوا أمام الجمهور في الكولوسيوم من الرجال، رغم وجود بعض المصارعات الإناث. وكان المصارعون عمومًا من العبيد أو المجرمين المدانين أو أسرى الحرب.
الكولوسيوم عبر العصور:
شهد الكولوسيوم نحو أربعة قرون من النشاط، إلى أن بدأ تدهور الإمبراطورية الرومانية الغربية وحدث تغير تدريجي في الذوق العام، ما وضع حدًا للمصارعة وغيرها من وسائل الترفيه العامة بحلول القرن السادس. حتى ذلك الوقت، تضررت الساحة بسبب عوامل طبيعية مثل البرق والزلازل.
في القرون التالية، أُهمل الكولوسيوم تمامًا، واستُخدم مصدرًا للحجارة للعديد من مشاريع البناء، متضمنةً كاتدرائيات القديس بطرس والقديس جون لاتيران، وقصر فينيسيا والتحصينات الدفاعية على طول نهر التيبر.
في بداية القرن الثامن عشر، سعى العديد من الباباوات إلى الحفاظ على ساحة الكولوسيوم بوصفها موقعًا مسيحيًا مقدسًا، مع أن استشهاد المسيحيين الأوائل في الكولوسيوم ليس مؤكدًا تاريخيًا.
بحلول القرن العشرين، أدى مزيج من عوامل الطقس والكوارث الطبيعية والإهمال والتخريب إلى تدمير قرابة ثلثي الكولوسيوم الأصلي، متضمنةً جميع المقاعد الرخامية للساحة ومحتوياتها المزخرفة. بدأت جهود الترميم في التسعينيات، واستمرت على مدار سنوات، وما زال الكولوسيوم عامل جذب رئيسي للسياح من حول العالم.
اقرأ أيضًا:
لمحة تاريخية عن مدينة روما الإيطالية
الإمبراطور الروماني نيرون: معلومات وحقائق
ترجمة: وراد الحماده
تدقيق: أكرم محيي الدين