بدأت الإمبراطورية الرومانية نحو عام 800 قبل الميلاد واستمرت لمدة 1200 عام.
خلال هذه الأعوام، تقدّمت ممارسة الطب ومعرفته في كثير من الجوانب.
شجّع الرومان توفير تسهيلات الصحة العامة في جميع أنحاء الإمبراطورية.
وتقدَّم طبُّهم لحاجتهم إليه في ساحة المعارك ومن تعلُّمهم من اليونانيين.
ومن ضمن الممارسات التي اعتمدها الرومان من اليونانيين كانت نظرية الأخلاط الأربعة، والتي ظلّت مشهورة في أوروبا حتى القرن السابع عشر.
التأثير اليوناني:
كانت أول بداية للرومان في الطب اليوناني عندما وصل أرشاجاثيوس الإسبرطي، وهو ممارس طبي، إلى روما في عام 219 قبل الميلاد.
قدِمَ علماء وأطباء آخرون من اليونان، أولًا كأسرى للحرب ثم لاحقًا لكسب مال أكثر في روما، واستمروا في بحثهم في النظريات اليونانية عن الأمراض الجسدية والاضطرابات العقلية.
سمح الرومان لهؤلاء العلماء والأطباء بالاستمرار في بحثهم وقاموا بتبنّي الكثير من أفكارهم.
ومع ذلك، على نقيض اليونانيين، لم يحبّ الرومان فكرة تشريح الجثث، لذلك لم يكتشفوا الكثيرعن علم تشريح الإنسان.
كانت المعتقدات الروحانية المحيطة بالطب في اليونان شائعة أيضًا في روما.
ومع حلول القرن الثالث قبل الميلاد، تبنّى الرومان نظام شفاء ديني يُدعى “عبادة إيسكليبيوس”، والذي اشُتُقّ اسمه من إله الشفاء عند اليونانيين.
في البداية، بنوا الأضرحة، ولكن ذلك أخذ منهم وقتًا طويلًا حتى يشمل المنتجعات الصحية والحمّامات البخارية في حضور الأطباء.
عندما حلَّ الطاعون على إيطاليا في عام 431 قبل الميلاد، بنى الرومان معبدًا للإله اليوناني أبولو، معتقدين أنه يمتلك قدرات شفائية.
أخد الرومان أيضًا أفعى مقدسة من اليونانيين.
هربت هذه الأفعى ولكنها ظهرت مجددًا في جزيرة تمبر، حيث بنى الرومان معبدًا لها هناك.
يأتي الناس إلى هذا المكان من أجل البحث عن الشفاء.
ومع غزو الإسكندرية، وجد الرومان مكتبات وجامعات عديدة أنشأها اليونانيون احتوت على مراكز تعليم وأماكن للبحث وكذلك ثروة من المعرفة الطبية المُوثَّقَة.
أمثلة عن الممارسات الطبية:
أدرك القادة الرومانيون أهمية الصحة العامة وذلك عن طريق ملاحظة صحة الجنود.
في ساحة المعركة:
معظم الجراحين الرومان اكتسبوا خبراتهم العملية في ساحة الحرب.
كانوا يحملون معهم مجموعة أدوات تحتوي على مُخِرِج أسهم، وقسطرة، ومشارط وملاقط.
كما اعتادوا تعقيم أدواتهم في ماء مغلي قبيل استخدامها.
أجرى الرومان العمليات الجراحية مستخدمين الأفيون والسكوبالامين لتخفيف الآلام، والخل الحمضي لتنظيف الجروح.
لم يمتلكوا وسائل تخدير فعّالة للعمليات الجراحية المعقّدة، ولكنه كان من غير الشائع أن يقوموا بالتوغّل عميقًا داخل جسد الإنسان.
رعاية الأمومة:
كان لدى الرومان أيضًا القابلات اللاتي عومِلن باحترام شديد.
كما احتوت السجلّات على أدوات طبية منها كرسي الولادة، الذي كان كرسيًا ذا أربعة أرجل ومسند للذراع والرأس مع فتحة هلالية الشكل من أجل ولادة الطفل.
لم يكن هناك الكثير من العمليات القيصرية، لأن الأم ما كانت لتنجو منها ولكن الطفل كان من المحتمل أن يفعل.
المستشفيات:
في مستشفيات بُنيَت خصيصًا لهذا الغرض، استطاع الناس أن يستريحوا وأن يحصلوا على فرصة أفضل للاستشفاء.
وفي إدارة المستشفى، اعتمد الأطباء على مراقبة الحالة الصحية للمرضى بدلًا من الاعتماد على القوى الخارقة للطبيعة في حصول المعجزات.
التعلُّم عن جسم الإنسان:
وبما أن الرومان لم يكن لديهم الإذن بالسماح بتشريح الجثث، كانت معرفتهم بعلم تشريح جسم الانسان محدودة.
ومع ذلك، كان الجنود والمصارعون يصابون بجروح من الممكن أن تكون شديدة وكان يجب على الأطباء معالجتها، وبهذه الطريقة استطاعوا معرفة المزيد عن علم التشريح.
كلاوديس جالين، الذي انتقل من اليونان إلى روما في عام 162 قبل الميلاد، أصبح خبيرًا في علم التشريح عن طريق تشريحه للحيوانات وتطبيق معرفته تلك على البشر.
وكان كلاوديس محاضرًا مشهورًا وطبيبًا معروفًا جيدًا، وفي نهاية المطاف أصبح الطبيبَ المعالج الخاص للإمبراطور ماركوس أوريليوس.
كما كتب أيضًا العديد من الكتب الطبية.
قام جالين أيضًا بتشريح بعض الجثث.
إذ شرَّحَ المجرمين المشنوقين وبعض الجثث التي دفنها الفيضان.
وكنتيجة لذلك، أظهر جالين معرفة ممتازة عن العظام.
فبعد قطعه للحبل الشوكي لخنزير وتشريحه، أدرك أن المخ يرسل إشارات للتحكم بالعضلات.
معرفة الأسباب:
أحرز الرومان تقدمًا في معرفتهم عن أسباب الأمراض وكيفية منعها.
فقد كانت النظريات الطبية لديهم قريبة للغاية لما نعرفه اليوم.
آمن ماركوس تيرنتيوس فارو (116-27 قبل الميلاد) أن الأمراض تحدث بسبب كائنات دقيقة وصغيرة للغاية على العين المجردة لتتمكّن من رؤيتها.
نحن الآن نعرف عن البكتريا والفيروسات والتي يمكن أن نراها فقط بواسطة الميكروسكوب.
مع ذلك، آمن آخرون أن النجوم تسبّب المرض.
لوسيوس جونيوس موديراتيوس كولوميلا (4-70 للميلاد) كان كاتبًا زراعيًا.
اعتقد أن الأمراض تأتي من أبخرة المستنقع.
حتى قرنَين ماضيين، كثير من تلك المعتقدات كانت ما تزال منتشرة.
التشخيص والعلاج:
تكوّن التشخيص والعلاج الروماني من مزيج من الطب اليوناني وبعض الممارسات المحلية.
وفيما كان اليونانيون قد سبقوهم في فعل ذلك، أجرى الأطباء الرومان فحصًا جسديًا شاملًا للفرد.
كان التقدم في التشخيص والعلاج والاستنتاج في روما القديمة بطيئًا وغير منظم.
كما مال الأطباء إلى تطوير نظرياتهم الخاصة، مما أدى إلى خلق اختلافات واسعة في العديد من الاتجاهات.
العلاج بالأعشاب:
استخدم الرومان العديد من العلاجات ومنها طب الأعشاب الذي تكوّن من:
الشمرة: كان هذا النبات علاجًا أساسيًا للاضطرابات العصبية لاعتقاد الرومان بأنه يهدئ الأعصاب.
الصوف غير المغسول: طبقه الرومان على أماكن القرح.
الراسن: يعرف أيضًا باسم مُعالِج الخيل، استخدمه الناس للمشاكل الهضمية.
صفار البيض: وصفه الأطباء للإسهال.
الميرمية: لهذه النبتة المُعمّرة قيمة دينية. فقد كان استخدامها شائعًا لدى هؤلاء المعتقدين أن الآلهة تستطيع علاجهم.
الثوم: نصح الأطباء بالثوم لأنه جيد من أجل القلب.
الكبد المسلوق: كان يستخدمه الأشخاص المصابون بالتهاب العين.
نبات الحلبة: غالبًا ما وصفه الأطباء من أجل أمراض الرئة، خاصةً الالتهاب الرئوي.
الكرنب: رشَّحه كاتو للعديد من الأغراض، منها للتخلّص من آثار الخمر وعلاج الجروح والقرح.
السيلفيوم: استخدمه الناس كمانع للحمل وأيضًا من أجل الحمى، والكحّة، وعسر الهضم، والتهاب الحلق، وعلاج الآلام والبثور.
لا يعلم المؤرخون بالتحديد ما هو السيلفيوم، لكنهم يعتقدون أنه نبات منقرض من نوع نباتات القصب، ومن المحتمل أنه عبارة عن مجموعة متنوعة من الشمر العملاق.
الصفصاف: استخدمه الناس كمُطهِّر.
دستور أدوية ديوسكورايدس:
عاش بيدانيوس ديوسكورايدس نحو (40-90 للميلاد).
كان عالم نباتات يونانيًا، وصيدليًا، وطبيبًا مارس مهنته عندما كان نيرون هو الحاكم.
ثم أصبح بيدانيوس طبيبًا رومانيًا حربيًا مشهورًا.
كما كتب خمسة مجلّدات من دستور الأدوية وأسماها (De Materia Medica).
واضعًا فيه ما يزيد عن 600 نوع من الأعشاب المعالِجة.
استخدم الأطباء دستور الأدوية هذا بشكل كبير حتى بعد ألف وخمسمئة عام قادم.
قَدِمَ العديد من الأطباء الرومان من اليونان، وآمنوا بضرورة تحقيق التوازن بين الأربعة أخلاط واستعادة الحرارة الطبيعية للأشخاص المصابين بحالات طبية.
قال جالين إن المتضادات غالبًا ما تقوم بشفاء الأشخاص.
لمعالجة البرد، كان يعطي الشخص الفلفل الحار.
ولتخفيف الحُمّى، نصح الأطباءَ باستخدام الخيار.
الصحة العامة:
تهدف الصحة العامة إلى جعل المجتمع بالكامل في صحة جيدة ومنع انتشار الأمراض.
اليوم، ضمن أشياء أخرى، تحتوي على برامج للتطعيمات، وتنمية نظام حياتي وغذائي صحي، وبناء المستشفيات وتوفير مياه نظيفة من أجل الشرب والاغتسال.
كان الرومان، على نقيض اليونانيين والمصريين، مؤمنين بشدة بالصحة العامة، فقد كانوا يعلمون أن النظافة الشخصية سبب فعّال في منع انتشار الأمراض.
كانت المشاريع العملية، مثل إنشاء مصادر للمياه، مهمة للغاية بالنسبة إليهم. فقد قاموا ببناء قنوات للمياه لضخها إلى المدن.
أما نظام المجاري في روما فكان متقدمًا للغاية لدرجة أنه بقي مستخدمًا حتى أواخر القرن السابع عشر دون أن يُبنى غيره.
هناك تفسير وحيد لقدرة الرومان على تنظيم مثل هذه المشاريع العامة الرئيسية وهو أنهم امتلكوا إمبراطورية واسعة ولكن منظمة، إذ بسط الإمبراطور سلطته على كامل الأراضي الرومانية، وكان هناك عمالة رخيصة وثروة كافية لتنفيذ مثل هذه المخططات.
امتلك بعض من الأثرياء تدفئة تحت الأرض في منازلهم.
وطوَّر الرومان أيضًا تسهيلات لمرافق النظافة الشخصية من خلال بناء الحمامات العامة والمغاسل.
كان تركيزهم على الحفاظ على جيش متحرك وصحي، لكن مواطنيهم استفادوا أيضًا.
تسهيلات الصحة العامة:
هذه أمثلة من تسهيلات الصحة العامة لدى الرومان:
الحمامات العامة: كان هناك تسعة حمامات عامة في روما بمفردها.
احتوى كل واحد منها على أحواض استحمام بدرجات حرارة مختلفة.
كما احتوت أيضًا على قاعة لممارسة الرياضة وغرف تدليك.
كان المفتشون الحكوميون نشطين في تطبيق المعايير الصحية السليمة.
المستشفيات: كان الرومان القدماء مسؤولين عن بناء أوائل المستشفيات التي صُممت مبدئيًا لعلاج الجنود والحيوانات.
الإمداد المائي: كان الرومان مهندسين رائعين، فقد قاموا ببناء العديد من القنوات المائية عبر إمبراطوريتهم لإمداد الناس بالماء.
التخطيط: حرص الرومان على إقامة ثكناتهم العسكرية بعيدًا عن المستنقعات، فإذا وُجِدَت في طريقهم، عملوا على تصريفها.
كما كانوا واعين جيدًا لعلاقة المستنقعات بالذباب وقدرة هذه الحشرات على نقل الأمراض إلى البشر.
وفي النهاية يجب أن نتذكّر أن الرومان تعلّموا عن الطب من اليونانيين والمصريين القدماء، وقدّموا مساهمتهم الخاصة في الانضباط من خلال التركيز على الصحة العامة والوقاية من الأمراض.
ومع ذلك، لم يحرزوا تقدمًا ملحوظًا في فهم كيفية عمل جسم الإنسان، ولم يدركوا العلاقة بين الجراثيم والأمراض.
وبعد سقوط الإمبرطوارية الرومانية، لم يحدث أي تقدّم في المعرفة الطبية في أوروبا حتى فترة عصر النهضة.
- ترجمة: نسمة عادل.
- تدقيق: رزان حميدة.
- تحرير: عيسى هزيم.
- المصدر