اسبرطة هي مدينة في مقاطعة لاكونيا (Laconia) في إقليم بيلوبونيز (Peloponnese) في اليونان، كانت في العصور القديمة ذات تراث مشهور عسكريًا وحربيًا، بلغت أقصى مراحل قوتها عام 404 قبل الميلاد بعد الانتصار على أثينا في الحرب البيلوبونيزية، لم تمتلك اسبرطة في بداياتها جدران مدينة كما كانت العادة في المدن الكبيرة في ذلك الوقت، حيث فضّل أهلها الدفاع عن مدينتهم بالرجال بدل الإسمنت، على كل حال وخلال بضعة عقود لاحقة وبعد هزيمة ضد الطيبيين (Thebans) في ليوكترا (Leuctra) وجدت المدينة نفسها متراجعة إلى قوة من الدرجة الثانية.
ألهمت شجاعة وجسارة فرسان اسبرطة العالم الغربي لآلاف السنين حتى في القرن الواحد والعشرين حيث اندمجت قصصهم بأفلام هوليوود كفيلم (300) وسلسلة ألعاب الفيديو المستقبلية (Halo)، ولكن القصة الحقيقية لحياة هذه المدينة أكثر تعقيدًا مما تحكيه الأساطير المشهورة، وتُعد مهمة فرز القصص الحقيقية عن الأساطير أمرًا شديد الصعوبة كون معظم التقارير القديمة كتابها من غير الاسبرطيين، وفي العادة تحوي التقارير المشابهة على بعض المبالغة.
بدايات اسبرطة:
بالرغم من أنه لم يتم بناء المدينة حتى الألفية الأولى قبل الميلاد؛ إلا أن بعض الدراسات الجديدة أكدت أنه كان لموقع اسبرطة أهمية منذ ما يقارب 3500 سنة على الأقل، في عالم 2015 اكتشف قصر من 10 غرف فيه كتابة بخط يدعوه علماء الآثار (linear B) على بعد 7.5 ميل (12 كيلومتر) من موقع البناء، كما تم اكتشاف جدران وكأس عليه رأس ثور وسيوف برونزية، أُحرق هذا القصر في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، ويفترض أن هناك مدينة قديمة في مكان ما بالقرب منه ولكن في موقع يختلف عن موقع اسبرطة التي بنيت في الألفية الأولى قبل الميلاد، وربما تكشف الحفريات المستقبلية عن مكان هذه المدينة.
ليس من الواضح كم هم الناس الذي استمروا بالعيش في المنطقة بعد حرق القصر حيث اقترحت بعض الدراسات الجديدة أن جفافًا استمر لثلاثة قرون أصاب اليونان في نفس الفترة التي احترق فيها المعبد، ويعرف علماء الآثار أنه في وقت مبكر خلال العصر الحديدي أي حوالي 1000 سنة قبل الميلاد وجدت أربع قرى (ليمناي وبيتانا وميسوا و سينوسور) توحدت لتشكل اسبرطة الجديدة.
كتب المؤرخ نايجل كينيل (Nigel Kennell) في كتابه “Spartans: A New History” أن موقع المدينة في وادي يوروتاس (Eurotas) الخصب منح سكانها إمكانية الوصول إلى وفرة من الطعام وهذا بالضبط ما لم يعجب المنافسين المحليين حتى أن اسم اسبرطة أتى من فعل (زرع) أو (أنا أزرع).
وعلى الرغم من أن اسبرطة بذلت مجهودًا لتعزيز أراضيها في لاكونيا فمن المعروف أيضًا أن سكان المدينة كانوا يفتخرون بمهاراتهم الفنية؛ حيث اشتهرت بالشعر وصناعة الفخار ووصلت صناعاتها حتى مدينة سيرين في ليبيا وجزيرة ساموس (جزيرة ليست بعيدة عن ساحل تركيا حاليًا) وأشار الباحث كونستانتينوس كوبانياس (Konstantinos Kopanias) في مقالة نشرت عام 2009 أنه وحتى القرن السادس قبل الميلاد كانت اسبرطة أنشأت ورشة عمل عاجية، العاج الباقي من حرم أرتميس أورثيا (Artemis Orthia) في اسبرطة يصور الطيور والشخصيات الذكور والإناث و (شجرة الحياة أو الشجرة المقدسة).
وكان الشعر إنجازًا رئيسيًا آخر للاسبرطيين خلال العصور المبكرة، يقول المؤرخ تشيستر ستار (Chester Starr) في فصل من كتاب “اسبرطة” (مطبعة جامعة ادنبره، 2002): «في الواقع لدينا أدلة على النشاط الشعري في اسبرطة أكثر من أي دولة يونانية أخرى بما في ذلك أثينا»، وفي حين أن الكثير من هذا الشعر بقي بشكل مجزأ كما هو الحال بالنسبة لـ تيرتايوس (Tyrtaeus) فهو يعكس القيمة الحربية التي اشتهرت بها اسبرطة كما توجد أيضًا بعض الأعمال التي تعكس مجتمعًا معنيًا بالفن وليس الحرب فقط.
الحرب مع ميسينيا (Messenia):
كان غزو أراضي ميسينيا غربي اسبرطة الحدث الرئيسي في طريق المدينة لتصبح مجتمعًا حربيًا وخاصة بعد أن جعل الاسبرطيون من رعاياها عبيدًا، يشير كينيل إلى أن هذا الغزو بدأ على ما يبدو في القرن الثامن قبل الميلاد مدعمًا بدليل أثري من مدينة ميسيني (Messene) يظهر أن آخر حالات الاستيطان كانت في القرن الثامن والسابع قبل الميلاد، تمامًا قبل أن تبدأ حالات الهجرة للفرار من التجنيد.
إن دمج سكان ميسينيا في مجتمع العبيد في اسبرطة كان مهمًا لأنه كما كتب كينيل: «قدّم لاسبرطة وسيلة للحفاظ على أقرب شيء لجيش دائم في اليونان، لأنه حرر الرجال البالغين في اسبرطة من الأعمال اليدوية»، وكان الحفاظ على هذا التعداد من العبيد يسبب مشكلة للاسبرطيين لعدة قرون تبعًا للظروف القاسية للتوظيف أو الاستعباد، يدعي الكاتب بلوتارخ (Plutarch) 46-120 ميلادي أن الاسبرطيين استعملوا ما نعتبره اليوم فرق الموت: «أرسل الحكام بصفة عامة أكثر المحاربين شبابًا من وقت لآخر مجهزين فقط بالخناجر والإمدادات الضرورية لينتشروا في أماكن غامضة حيث اختبأوا وبقوا هادئين حتى يحل الليل ليخرجوا ويقتلوا أي عبد يقبضون عليه».
في قصيدة كتبت في القرن السابع قبل الميلاد تظهر تحول اسبرطة إلى مجتمع عسكري، يكتب تيرتايوس:
هذه الشجاعة، أرقى ما تمتلكه البشرية
أنبل جائزة أن شابًا يسعى للفوز
وهو لشيء جيد يمكن لمدينته وناسه مشاركته معه
عندما يزرع الرجل قديمه ويقف قبل الرماح
بلا هوادة، كل الأفكار عن رحلته الكريهة أصبحت منسية
درّب قلبه ليصمد ويتحمّل
وبكلماته يشجع من تمركز بجانبه
رجل ثبت نفسه وأصبح باسلًا في الحرب
نظام التدريب الاسبرطي:
سمح وجود عدد كبير من العبيد بتحرير رجال اسبرطة من الأعمال اليدوية وبناء نظام تدريب مدني ساهم بتحضير الأولاد في المدينة لقسوة الحرب، يكتب البروفيسور ليندون (J.E. Lendon) من جامعة فيرجينيا في كتابه “الجنود والأشباح، تاريخ المعارك في العصور القديمة”: «كان يؤخذ الصبي الاسبرطي في السابعة من عمره إلى ثكنات التدريب ليكبر تحت أنظار الصبية الأكبر عمرًا، حيث كانوا يتعرضون للتوبيخ والجلد من أجل زرع الاحترام والرضوخ في نفوسهم، يمرضون ويتعذبون ويتضورون جوعًا لجعلهم أقوياء في مواجهة أعتى الظروف، وفي حال أصبح الجوع غير محتمل، يتم تشجيعهم على السرقة، ولكن تتم معاقبتهم إن قُبض عليهم».
تسير خطوات التدريب بصرامة حتى تصبح أعمارهم 20 سنة وبعدها يسمح لهم بالاندماج بالمجتمع على اعتبار كل منهم مواطن كامل، وعلى كل فرد توفير كمية معينة من المواد الغذائية وعليه أيضًا أن يستمر بالتدريب، وأولئك الذين لا يستطيعون يتعرضون للسخرية كما كتب والتر بينروس (Walter Penrose) وهو أستاذ تاريخ في جامعة ولاية سان دييغو في ورقة نشرت في عام 2015 في دورية “العالم الكلاسيكي”: «وفقًا لمعاييرهم المتطرفة للرجولة، كانوا يكافئون أولئك الذين يستطيعون القتال رغم انحطاطهم أخلاقيًا»، كما أن زعماء اسبرطة كانوا يأمرون بقتل الرضع إذا اعتبر أن لديهم إعاقة.
كتب بلوتارخ: «لا يملك الأب الحق في تربية نسله ولكن كان عليه أن يأخذهم إلى مكان يدعى (Lesche) حيث يجلس زعماء القبيلة كلجنة حكم ويفحصون الأولاد، إذا كان الولد قويًا وسليم الجسم يأمرون بأنه يمكن تربيته ويمنح عددًا من الأراضي كتعويض وإذا كان مريضًا أو مشوهًا يرمى داخل حفرة في مكان يدعى (Apothetae) تحت جبل تايجتوس (Taygetus) لأنه من الأفضل له وللمدينة ألا يبقى حيًا».
المرأة الرياضية:
كتبت سو بلونديل (Sue Blundell) في كتابها “المرأة في اليونان القديمة” (مطبعة جامعة هارفارد، 1995): «القوة البدنية كانت أمرًا متوقعًا من الفتيات والنساء كما هو الحال بالنسبة للرجال، فكان لهنّ مكان مهم في سباق التدريب والقوة، تضمن ذلك الركض، والمصارعة، ورمي الرمح، كما تعلمت النساء ترويض الأحصنة لقيادة العربات في المواكب»، كما شاركت المرأة الاسبرطية في الألعاب الأولمبية أقلها سباق العربات، ووفقًا للكتاب القدامى توجت الأميرة الاسبرطية سينيسكا أو كينيسكا (Cynisca) في القرن الخامس قبل الميلاد كأول امرأة تفوز بجائزة في الألعاب الأولمبية.
كتب بوسانياس (Pausanias) الذي عاش في القرن الثاني ميلادي: «كانت طموحة جدًا فيما يتعلق بتحقيق الفوز في الألعاب الأولمبية، أول امرأة تولّد الخيول والأولى أيضًا لتحقق فوزًا أولمبيًا».
العري، والغذاء، والمساواة:
يشير البروفيسور من كلية دارتموث بول كريستيسن (Paul Christesen) في ورقة نشرت في كتاب “دليل الرياضة وطرق العرض في العصور اليونانية والرومانية”: «يعتقد بعض اليونانيين القدماء بأن رجال اسبرطة كانوا أول من تعرى في مراكز التدريب وأثناء المنافسة في الرياضات المختلفة، في حين أن المرأة الاسبرطية لم تشارك في أي نشاط تعري عام»، كما كتب اليوناني ثوسيديدس (Thucydides) في القرن الخامس قبل الميلاد: «كان رجال اسبرطة أول من تجرد عاريًا بشكل علني ليدهنوا أنفسهم بالزيت بعد ممارسة الرياضة».
كتب ثوسيديدس أيضًا أن الاسبرطيين فضلوا اللباس بشكل متواضع وأن: «المواطنين الأكثر ثراءً وضعوا أنفسهم على قدم المساواة مع عامة الناس»، كما أظهر الشعراء الرغبة في المساواة بين رجال اسبرطة، هذه الرغبة بمستوى معين من المساواة تنطبق على كل شيء مهما كان بسيطًا مثل وعاء من الحساء، يقول ألكمان (Alcman) في إحدى قصائده: «سوف أعطيك وعاء لم يسبق له أن وضع فوق النار، لكنه قريبًا سيمتلئ بالحساء، النوع الذي يحبه ألكمان ساخنًا، لا يأكل الحلويات لأنه يريد طعامًا عامًا مثل باقي الناس».
ملوك اسبرطة:
طورت اسبرطة مع الوقت نظام حكم ثنائي (ملكان يحكمان في آن واحد) السلطة كانت مضبوطة من قبل المجلس المنتخب من القضاة والذي كان يستمر لمدة سنة واحدة فقط، كما كان هنالك مجلس من الزعماء الذين تجاوزت أعمارهم 60 عامًا ليخدم بقية حياته في هذا المنصب كما أتيح للجمعية العامة التي تمثل كل المواطنين التصويت على التشريعات.
كثيرًا ما يشار للمشرّع الأسطوري ليكورغوس (Lycurgus) في المراجع القديمة على أنه قدم أسس القانون الاسبرطي، ومع ذلك يشير كينيل إلى أنه ربما لم يكون موجودًا أساسًا، أي أنه في الواقع شخصية أسطورية.
الحرب مع الفرس:
في البداية تردد الاسبرطيون بخصوص الاحتكاك مع فارس، عندما توعد الفرس¬ المدن اليونانية في ايونيا (Ionia) على السواحل الغربية لما يعرف اليوم بتركيا أرسل أهالي هذه المدن رسولًا إلى اسبرطة لطلب المساعدة، رفض الاسبرطيون المساعدة ولكن أرسلوا تحذيرًا للملك سايروس (King Cyrus) بأن يترك المدن اليونانية وشأنها، لم يردع ذلك الفرس وكانت أول غزوة بقيادة داريوس الأول (Darius I) في 492 قبل الميلاد وتم صدها من قبل قوات أثينا في معركة ماراثون عام 490 قبل الميلاد، وجاءت الغزوة الثانية بقيادة زركسيس (Xerxes) عام 480 قبل الميلاد حيث عبر الفرس مضيق هيليسبونت (وهو المضيق بين بحر إيجة والبحر الأسود) نحو الجنوب وكسبوا الحلفاء على طول الطريق.
أصبح الملك اليوناني ليونيداس (Leonidas) رئيسًا لتحالف معادي للفرس مع اسبرطة، بدأت الأحداث في ثيرموبيلاي بجانب الساحل والذي احتوى على مضيق وقف فيه الإغريق ليمنعوا تقدم زركسيس وتيشر المصادر القديمة إلى أن ليونيداس بدأ المعركة ببضعة آلاف جندي (بما في ذلك 300 اسبرطي) بمواجهة قوة فارسية تفوقهم أضعافًا.
بعد التجسس على الاسبرطيين لاكتشاف ما إذا كانوا سيعلنون استسلامهم أمر زركسيس بالهجوم، كتب هيروديت: «هرع ميديس إلى الأمام وتقدم على الإغريق ولكن سقطت أعداد هائلة من جيشه، ليأخذ الآخرون أماكن القتلى على كل حال وبالرغم من أنهم عانوا من خسائر فادحة وأصبح واضحًا للجميع وخاصة للملك أنه وعلى الرغم من تعداد جيشه الكبير فإن قلة منهم محاربين حقيقيين ومع ذلك استمر الكفاح طوال اليوم»، وبعد أن انسحبت هذه القوة الضاربة أرسل زركسيس نخبة من مقاتليه المعروفين باسم (الخالدين) باتجاه الاسبرطيين ولكنهم فشلوا أيضًا، وأشار هيروديت إلى تكتيك المعركة الذي استخدمه الاسبرطيون: «أدار الاسبرطيون ظهرهم وكأنهم جميعًا يتساقطون، وسمحوا للبربريين أن يبادروهم الهجوم وهم أكثر صخبًا وضجيجًا، ثم أعادوا الجولة، استداروا وواجهوا عدوهم، وبهذه الطريقة استطاعوا سحق أعداد كبيرة من جيش العدو».
في نهاية المطاف، قدم رجل يوناني لرزكسيس طريقًا سمح لقسم من القوة الفارسية بالتفوق على الإغريق ومهاجمتهم من الجناحين، حكم على ليونيداس بالفشل وتراجعت معظم القوات التي كان يقودها «غالبًا لأن الملك الاسبرطي أمر بذلك» وفقًا لهيروديت.
قتل الفرس تقريبًا كل القوات الاسبرطية مع العبيد الذين كانوا معهم وتقدموا نحو أثينا في الجنوب واقتحموا بيلوبونيز (Peloponnese) وأدى هذا التفوق إلى انتصار بحري يوناني في معركة سلاميس، عاد زركسيس إلى موطنه تاركًا خلفه جيشًا تم القضاء عليه في وقت لاحق من قبل الإغريق المتبقين والذين كانوا تحت قيادة ليونيداس قبل أن يموت.
الحرب البيلوبونيزية:
بعد أن تراجع تهديد الفرس عاد الإغريق للنزاع فيما بينهم، وتصاعد التوتر بين اسبرطة وأثينا كأكبر وأقوى مدينتين في العقود التي تلت انتصارهم على الفرس.
في 465/464 قبل الميلاد ضربت اسبرطة زلازل قوية، استغل العبيد الوضع وثاروا وكان الوضع حرجًا لدرجة أن الاسبرطيين أرسلوا في طلب المساعدة من حلفائهم لتهدئة الأمور، وصلت القوات من أثينا ولكن الاسبرطيين على أي حال رفضوا مساعدتهم ما عزز النظرة المعادية لهم لدى أثينا.
أدت معركة تناجرا (Tanagra) إلى حقبة من النزاع بين المدينتين استمرت لأكثر من 50 سنة، بدا وكأن أثينا امتلكت الأفضلية كما في معركة سفاكتريا (Sphacteria) عام 425 قبل الميلاد بعد أن استسلم 120 اسبرطي بشكل مفاجئ.
هناك أوقات حيث كانت أثينا في ورطة كما في عام 430 قبل الميلاد عندما أصاب مرض الرجال المتمركزين خلف أسوار المدينة أثناء هجوم اسبرطي وقتل العديد من الأشخاص بمن فيهم قادة وزعماء وتقول بعض التخمينات أن هذا المرض هو نسخة قديمة من فايروس إيبولا.
تم حل النزاع بين اسبرطة وأثينا في البحر، حيث تغير الوضع بعد أن استلم رجل اسمه ليساندر (Lysander) قيادة القوات البحرية الاسبرطية وسعى للحصول على الدعم المالي الفارسي للمساعدة في بناء الأسطول البحري الاسبرطي، وبعد الحصول على الدعم بنا ليساندر أسطوله ودرّب بحاريه، وفي عام 405 قبل الميلاد اشتبك مع الأسطول الأثيني في إيغوسبوتامي، على هيليسبونت حيث غافلهم على حين غرة وحقق انتصارًا حاسمًا وقطع إمدادات الحبوب من شبه جزيرة القرم عن أثينا ما اضطرها إلى توقيع معاهدة تحت شروط اسبرطة، أجبرت أثينا هدم أسوارها وحصر النشاط على أتيكا، وكما أمر ليساندر تم حكمها من قبل هيئة من 30 رجلًا تمت تسميتهم الطغاة الثلاثين.
كانت اسبرطة في هذه المرحلة في ذروة قوتها.
السقوط من السلطة:
بعد انتصارهم بفترة قصيرة انقلب الاسبرطيون على الفرس وأطلقوا حملة غير حاسمة باتجاه تركيا وفي العقود اللاحقة اضطروا أن يحاربوا على عدة جبهات، ففي عام 385 قبل الميلاد واجهوا المانتينيان (Mantineans) واستخدموا الفيضانات للدخول إلى مدينتهم، كتب زينوفون (Xenophon): «غرقت الأحجار السفلية ولم تعد قادرة على الحمل، بدأت الجدران بالتصدع ومن ثم بفتح الطريق» واضطرت المدينة إلى الاستسلام تحت هذا الهجوم غير التقليدي.
واجهت هيمنة اسبرطة المزيد من التحديات، عام 378 قبل الميلاد شكلت أثينا الكونفدرالية البحرية الثانية وهي المجموعة التي تحدت وأخيرًا سيطرة اسبرطة في البحر، ومع ذلك جاء سقوط اسبرطة عن طريق مدينة أخرى تدعى طيبة (Thebes).
وفي زمن الملك أجيسيلاوس الثاني (Agesilaus II) توترت العلاقات بين المدينتين بشكل متزايد وفي عام 371 قبل الميلاد وقعت معركة محورية في ليوكترا (Leuctra)، يكتب ليندون: «تم تحطيم قوتهم على أيدي طيبة في ساحة المعركة في ليوكترا، على الرغم من أنهم كانوا حلفاء خلال الحرب البيلوبونيزية الطويلة، إلا أن طيبة انقلبت للمقاومة بعد أن حل عليهم غضب اسبرطة بعد النصر».
ويشير هنا إلى أنه بعد اتفاق السلام مع أثينا عام 371 قبل الميلاد حولت اسبرطة اهتمامها إلى طيبة.
ارتبكت صفوف اسبرطة وبدأت المذبحة، قتل القادة واحدًا تلو الآخر أثناء المعركة، ومن أصل 700 اسبرطي قتل 400.
زحف الطيبيون جنوبًا وحصلوا على الدعم من المجتمعات المحلية أثناء مسيرتهم وتحريرهم لتلك الأراضي، وحرم ذلك الاسبرطيين من كثير من عمالهم، ولم تتعافى اسبرطة أبدًا من الخسائر في حياة الاسبرطيين وتعداد العبيد، وكما كتب كينيل: «أصبحت المدينة قوة من الدرجة الثانية ولن تعود إلى سابق عهدها مرة أخرى».
التاريخ في وقت لاحق:
في القرون التالية، وجدت اسبرطة نفسها (في حالتها الضعيفة) تحت تأثير القوى المختلفة بما في ذلك مقدونيا (بقيادة الاسكندر الأكبر) ورابطة أخيان (Achaean) أو كونفدرالية المدن اليونانية وفي وقت لاحق روما، خلال هذه الفترة من التراجع اضطر أبناء المدينة لبناء سور حولها للمرة الأولى.
كان هناك جهود لإعادة اسبرطة إلى قوتها العسكرية السابقة.
أجرى الملوك أجيس الرابع (Agis IV) 244-241 قبل الميلاد، وبعد ذلك كليومينس الثالث (Cleomenes III) 235-221 قبل الميلاد الإصلاحات التي ألغت الديون وأعادت توزيع الأراضي وسمحت للأجانب وغير المواطنين أن ينتموا لاسبرطة ما وسع تعداد المواطنين إلى 4000 شخص، وبعد هذه المرحلة من التجديد، اضطر لأن يضع المدينة تحت سيطرة أخيان، وفي نهاية المطاف سقطت أخيان لروما جنبًا إلى جنب مع كامل اليونان.
اسبرطة في العصر الحديث:
استمرت اسبرطة في العصور الوسطى وفي الواقع ما تزال مستمرة حتى اليوم، مدينة اسبرطة الحديثة أقيمت بالقرب من آثار المدينة القديمة ويبلغ عدد سكانها أكثر من 35000 شخص.
ربما لا تكون آثار اسبرطة مثيرة للإعجاب كما هو الحال بالنسبة لأثينا أو أولمبيا أو عدد من المدن اليونانية الأخرى ولكن قصص اسبرطة ما زالت حية، وفي العصر الحديث فإن مشاهدة فيلم أو لعبة فيديو أو دراسة التاريخ القديم توضح ما تعنيه هذه الأسطورة.
- ترجمة: أسامة ونوس.
- تدقيق: دانه أبو فرحة.
- تحرير: عيسى هزيم.
- المصدر