تأثير راتشيت (السُّقاطة) The ratchet effect هو نظرية كينيزية Keynesian theory(نسبةً إلى الاقتصاد الكينيزي Keynesian economics الذي يدرس الإنفاق الإجمالي وتأثيره على الإنتاج والتضخم)، تنص على أن ارتفاع الأسعار نتيجةً لارتفاع الطلب الكلي، لا يعني بالضرورة انخفاض الأسعار عندما ينخفض الطلب؛ وهذا هو سبب استخدام تعبير السُّقاطة، كأن شيئًا يمنع الأسعار من الانخفاض مع انخفاض الطلب، وإن كانت ترتفع بارتفاعه.
فهم تأثير راتشيت (السُّقاطة)
تتصف بعض الاتجاهات الاقتصادية، خاصةً تلك المرتبطة بالإنتاج، بأن تميل إلى إدامة ذاتها. مثلًا، إذا تعرضت مبيعات أحد المتاجر للركود، فإن الإدارة تتبنى بعض التغييرات، مثل تغيير استراتيجية الإدارة، أو تطوير طاقم العمل، أو برامج التحفيز، وإذا أثمرت تلك الإجراءات زيادةً في دخل المتجر، فسيكون من الصعب تبرير أي نقص يطرأ عليها، خاصةً أن الأعمال تبحث دومًا عن النمو، وهوامش الربح الأعلى.
يشير تأثير راتشيت إلى أن زيادة الإنتاج، أو ارتفاع الأسعار، يميل ذاتيًا لإدامة ذاته، فبمجرد زيادة القدرة الإنتاجية، أو ارتفاع السعر، يصبح من الصعب أن ينعكس هذا التغير، لأن التأثر به قد حدث بالفعل.
ظهر مصطلح تأثير راتشيت لأول مرة في بحث آلان بيكوكAlan Peacock وجاك وايزمان Jack Wiseman المُعَنون «نمو الإنفاق العام في المملكة المتحدة Growth of Public Expenditure in the United Kingdom». لاحظ بيكوك ووايزمان أن الإنفاق العام المتزايد، الذي يلي أوقات الأزمات، يعاني من تأثير راتشيت؛ أي أنه لا يعود إلى مستوياته السابقة.
وبالمثل فإن الحكومات تجد صعوبة في سحب مؤسساتها البيروقراطية العملاقة، والتي أُنشئَت في الأساس من أجل أغراض مؤقتة، مثل أوقات النزاعات المسلحة، أو الأزمات الاقتصادية. ويظهر هذا التأثير أيضًا في الشركات الكبرى، عندما تبدأ في إضافة المزيد من البيروقراطية لدعم منظومات هائلة ومعقدة من المنتجات أو الخدمات أو البنية التحتية.
يظهر أيضًا تأثير راتشيت في الاستثمارات الرأسمالية للشركات العملاقة. في صناعة السيارات مثلًا، تدفع المنافسة الشركات إلى إضافة المزيد من الميزات إلى مركباتها باستمرار، وهو ما يتطلب المزيد من الاستثمارات الرأسمالية، في صورة معدات جديدة، أو أطقم عمل متعددة المهارات، ما يرفع من تكلفة العمالة، وبعد استخدام الشركة لتلك الاستثمارات في الميزات الجديدة لسياراتها، يصبح من الصعب تقليص الإنتاج، لأن هذا يعني أن تفقد الشركة الاستثمارات التي أنفقتها على الأصول المادية، والموارد البشرية المتمثلة في العمالة الجديدة اللازمة لتطوير منتجاتها.
يمكن تطبيق نفس مبادئ تأثير راتشيت على الشركات لكن من وجهة نظر المستهلك. مثلًا، تسبب زيادة توقعات المستهلكين ارتفاعًا في الاستهلاك، فإذا أنتجت شركة عبوات صودا تزن 622 غرام لمدة عشرة أعوام، ثم خفضت حجم عبوتها لتزن 498 غرام فقط، فإن المستهلك يشعر بالخداع، حتى إذا صاحب هذا انخفاض مكافئ في السعر.
يمكن أيضًا ملاحظة تأثير راتشيت في الرواتب، فلن يقبل الموظفون أبدًا -باستثناء حالات نادرة- أي تخفيض للرواتب، بل إنهم لن يقبلوا بالزيادة إذا كانت غير كافية بالنسبة إليهم، وبالمثل إذا تلقى أحد المديرين زيادةً في الراتب بمقدار 10% في أحد الأعوام، ثم 5% في العام التالي له، فسيشعر أن الزيادة الثانية غير كافية، مع أن راتبه قد ازداد بالفعل.
المشكلة الأساسية بشأن تأثير راتشيت هي اعتياد الناس النمو الثابت حتى في حالة تشبع السوق، فيصبح من الصعب إشباع احتياجات ورغبات المستهلكين، وهو ما يخالف الأهداف الشاملة للاقتصاد.
تأثير راتشيت (السُّقاطة) وسوق العمل
يبرز تأثير راتشيت في سوق العمل، عندما يتلقى العاملون أجورًا متناسبة مع الإنتاج. يميل العمال حينها إلى خفض إنتاجهم، لأنهم يتوقعون أنهم إذا رفعوا من معدل الإنتاج، فإن الشركة سترفع من الحد الأدنى المطلوب، أو تُقلص الأجور، ويسبب ذلك مشكلات متكررة بين العاملين وأصحاب الأعمال. إلا أن تأثير السُّقاطة أصبح محدودًا في أسواق العمل المعتمدة على المنافسة، سواء كانت ظروف السوق في صالح العامل أم الشركة.
تَأثير راتشيت (السُّقاطة) والصناعة
يلعب تأثير راتشيت دورًا في كيفية إنفاق الشركات لرؤوس أموالها، ففي صناعة السيارات مثلًا، تدفع المنافسة الشركات إلى إضافة المزيد من التحسينات على طُرُزها الحديثة، وتعديل الأقدم منها، وبعد الاستثمار في المعدات وأطقم العمل لإنتاج الطُرُز الأحدث، لا يمكن للشركة التراجع أو تقليص الإنتاج، لأن ذلك سيمثل هدرًا للاستثمارات السابقة، كما ستصبح الشركة مهددة بالخروج من المنافسة؛ إذ يبحث المستهلك دائمًا عن الطُرُز الأحدث بأسعار أقل.
يظهر أيضًا تأثير راتشيت في النقل الجوي؛ إذ تقوم شركات الخطوط الجوية بتقديم برامج طيران متعددة، ويصبح من الصعب إلغاء أي منها. تتضمن صناعة الأجهزة المنزلية أيضًا تطوير الإمكانيات وإضافة المزيد من البرامج، مع ذلك فإن الجدل ما زال دائرًا حول ما إذا كانت هذه التحسينات تسهل الاستخدام بالفعل، أم أنها مجرد أداة تدفع الناس إلى المزيد من الشراء.
اقرأ أيضًا:
ترجمة: أحمد السقا
تدقيق: أكرم محيي الدين