في يوم الجمعة السادس من مارس هذا العام، حُوِّلَت جميع الصفوف الدراسية في جامعة واشنطن في سياتل -بؤرة تفشي جائحة فيروس كوفيد-19 في الولايات المتحدة- إلى صفوف إلكترونية، إذ عمل المحاضرون على تحضير وسائل التعليم عن بعد (التعليم الإلكتروني) لما يزيد على أربعين ألف طالب، وقالت ماري ليدستروم نائب رئيس الجامعة للشؤون البحثية: «من الواضح أن الجائحة لن تنتهي قريبًا».
لم يختلف الوضع كثيرًا في الجامعات الأخرى حول العالم، إذ ساد الصمت في القاعات الدراسية، واعتمدت المختبرات على الحد الأدنى من طاقمها فقط، أما المسؤولون فقد حاربوا الظروف لاستئناف العملية التعليمية بسلام.
أجبرت أزمة فيروس كورونا الجامعات على مواجهة تحديات طويلة الأمد في ميدان التعليم العالي، ومنها التكاليف الباهظة للتعليم الإلكتروني وتوقعات نتائج هذا التغيير الذي قد يستمر طويلًا، إذ ستستمر الجامعات بالدروس التعليمية على الإنترنت فترة طويلة مثلما يحدث حاليًا، وسينخفض عدد الطلبة الدوليين، وسيعاد تشكيل بعض النشاطات لتعميق صلتها بالمجتمع المحلي والوطني بهدف حل المشاكل الملحّة وإثبات قدرتها على التعامل مع الأزمات في الوقت الذي يتعرض فيه الخبراء والمؤسسات العامة لانتقادات متزايدة.
يقول بيرت فان ديرزوان العميد السابق لجامعة يوتريخت الهولندية: «سرّعت الجائحة حدوث التغييرات إلى حد بعيد».
يعَد انخفاض الإيرادات المالية من أبرز التغييرات التي ستواجهها الجامعات، إذ تنهار الإيرادات عند عودة الطلاب الدوليين إلى أوطانهم أو عند تغيير خططهم المستقبلية، خاصةً أن صناديق القروض تنهار أيضًا نتيجة هبوط سوق الأوراق المالية.
تعَد الجامعات التي ستقدم أفضل تعليم إلكتروني الجامعات الأكثر قدرةً ماليةً وتعليميةً، لكن حتى هذه الجامعات تواجه تحديات في هذا المجال، فمثلًا ينشر معهد ماساشوستس للتكنولوجيا في كامبردج عددًا من الدورات التعليمية المجانية على الإنترنت منذ عام 2002، ومع ذلك عانى الأساتذة الأكاديميون هذا الفصل لتوفير موادهم الدراسية على شبكة الإنترنت في أثناء فترة الجائحة، وذلك وفقًا لسانجاي سارما نائب رئيس الجامعة للتعليم المفتوح.
وأضاف أيضًا أن العديد من المعاهد التعليمية استنتجت أن إيصال المواد العلمية عبر المنصات الإلكترونية ليس أفضل طريقة لتعليم الطلبة، وقال: «انتقال الجامعات إلى تطبيق زوم ليس طريقة التعليم الإلكتروني المُثلى».
يأمل سارما باكتساب الجامعات خبرات في التعليم الإلكتروني عند عودة التعليم المباشر، مشجعًا على نشر المحاضِرِين دروسهم على الإنترنت في وقت مبكر، ثم التركيز على التواصل مع الطلبة شخصيًا في الصف لضمان فهمهم المواد الدراسية، ويقول: «لا نريد الاعتماد على التعليم بطريقة الإلقاء فقط، بل يجب التركيز على التفاعل بين الطالب والمعلم».
توقّع بعض المُحاضِرين الجامعيين أن الجائحة ستحسن جودة التعليم الإلكتروني ضمن الجامعات في الدول الغنية وقليلة المدخول أيضًا. على سبيل المثال، عندما أُغلقت الجامعات في باكستان مطلع آذار الماضي، لم يكن لدى العديد من المُحاضرين والطلبة أدوات للتعليم الإلكتروني؛ إذ لم تصل شبكة الإنترنت إلى منازل العديد منهم، وفقًا لما قاله طارق بانوري مسؤول لجنة التعليم العالي في إسلام آباد.
وتابع: «وفرت اللجنة وسائل تعليم إلكتروني مناسبة وقدمت شركات الاتصالات عروض إنترنت خلوية منخفضة التكلفة للطلبة، ويجدر بالذكر أن هذه الإجراءات المطبقة في أثناء فترة مواجهة الفيروس قد تحمل فوائد طويلة الأمد».
وأضاف أيضًا: «ستؤدي جائحة كوفيد -19 إلى تسريع التخطيط طويل الأمد لتحسين نوعية التعليم وتدريب الطلبة للعمل في الوظائف في مجال التكنولوجيا».
في الوقت الحاضر تواجه جميع المؤسسات التعليمية مشاكل مالية، ويُتوقع أن تخسر الجامعات الخاصة ذات الإيرادات العالية مئات الملايين من الدولارات في السنة المالية المقبلة ومن هذه الجامعات جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور. أما جامعات المملكة المتحدة ستواجه مجتمعةً انخفاضًا ماليًا كبيرًا تقدَّر قيمته على الأقل بثلاثة مليارات دولار في السنة القادمة بسبب توقع انخفاض عدد الطلبة المسجلين في الجامعات، وذلك وفقًا للمؤسسة البريطانية للاستشارات الاقتصادية في لندن. أما في أستراليا، ستخسر الجامعات ما يقارب 21000 وظيفة منها سبعة آلاف وظيفة في مجال الأبحاث، وفق تقرير حكومي صدر في شهر مايو.
يعَد انخفاض العائد المالي لتسجيل الطلبة الدوليين المشكلة الكبرى التي ستواجهها الجامعات، إذ تحصل الجامعات الأسترالية على تمويلها الأساسي من العائدات المالية لتسجيل الطلبة الصينيين في صفوفها، وتُقدّر خسارتها بمليارين إلى ثلاثة مليارات دولار أمريكي، وذلك وفقًا لأندرو نورتون طالب الدراسات العليا في جامعة كنيبيرا في أستراليا. ويقول نورتون أيضًا: «ستتركز الخسائر المالية في الجامعات التي تجري أبحاثًا كثيرة مثل جامعة سيدني، لأن تمويل الأبحاث غالبًا ما يعتمد على العوائد المالية من الطلبة الدوليين».
تقول جيني ج. لي الباحثة في جامعة أريزونا: «قد يؤدي العجز المالي -الذي تواجهه الجامعات حول العالم- إلى إغلاقها، خاصةً الجامعات الصغيرة». ستُدمج بعض الجامعات، أما الأخرى ستبتكر شبكات خاصة مثل جامعة أريزونا التي طورت برنامجًا خاصًا بها. طُوّر برنامج جامعة أريزونا وتوسع في السنوات القليلة الماضية نتيجة التعاون بين الجامعة وأحد المعاهد الخارجية، ما سمح للطلبة بالحصول على دروس الجامعة إلكترونيًا بالإضافة إلى مُرشد دراسي محلي يتواصلون معه مباشرة. وتقول الباحثة أيضًا: «بسبب كوفيد -19 أدركنا فجأةً نتائج الانعزال عن الدول الأخرى».
سيبقى الوضع راكدًا اقتصاديًا حتى عند عبور الأزمة المالية الحالية، ويعتقد بعض الباحثين أن هذا الوضع سيدفع الجامعات والمراكز البحثية إلى التركيز على المشاريع البحثية ومشاريع البنية التحتية الأكثر صلة بالمصالح الوطنية. على سبيل المثال، تحضّر حكومة المملكة المتحدة فريق عمل يهدف إلى تقييم المشاريع البحثية في الجامعات والتخطيط لمستقبل البلد على المدى الطويل.
سيؤدي الوباء إلى التراجع عن فكرة أن الجامعات نخبوية ولا صلة لها بالمجتمع، وهو رأي الأحزاب الشعبوية في هولندا وإيطاليا وإسبانيا وأماكن أخرى. في العديد من البلدان قادت الجامعات البحث عن طرق علاج مرض كوفيد -19 أو الوقاية منه.
يقول هيلمان مدير معهد سياسات التعليم العالي في أكسفورد في المملكة المتحدة: «إذا ظهر اللقاح من المملكة المتحدة فسيكون نتيجة أبحاث إحدى جامعاتها». ومع ذلك، يخشى هيلمان أن هذا الوباء قد يزيد من التفاوت بين الجامعات، إذا وجهت الحكومات التمويل إلى مراكز البحث القوية، مثل جامعة أكسفورد.
مع كل التغييرات التي حصلت، لا يعتقد العميد السابق لجامعة يوتريخت فان ديرزوان أن الوباء سيقضي على معظم الجامعات، إذ راجع حالة الجامعات بعد وباء الطاعون الدبلي الذي دمر العديد من جوانب المجتمع في القرن الرابع عشر، ووجد أن الوباء أدى إلى إغلاق 5 جامعات من بين ما يقرب 30 جامعة في أوروبا في ذلك الوقت، ولكنه يقول: «بعد التعافي من الوباء عادت عدة جامعات للعمل وازدهرت وتطورت، وهذا درس جيد نتعلمه من الماضي».
اقرأ أيضًا:
العزلة الإجبارية لمكافحة فيروس كورونا: صراع بين حقوق الإنسان والصحة العامة
التعافي الاقتصادي بعد جائحة كورونا قد يستغرق سنوات
ترجمة: منتظر صلاح
تدقيق: غزل الكردي
مراجعة: تسنيم الطيبي