التغيُّر المناخي هو ظاهرة عالمية يُمكن لأي شخص إدراكها. بدايةً من المُدُن المُزدحِمة إلى الخاوية، والجُزُر النائية، سوف يتأثّر الجميع في كل مكان بطريقةٍ ما بالتغيُّر المناخي.
ولكن، رغم ذلك، ليست ظروف الجميع مُتشابهة، فتأثير التغيُّر المناخي يختلِف بشكل كبير من مكانٍ لآخر. إذن هل توجد أماكن على بُقعتنا الزرقاء الشاحِبة الآخِذة في الاحترار هذه، سيكون تهديد وتأثير التغيُّر المناخي عليها أقل؟ هل يُعقَل أن توجد أماكن على الأرض محفوظة بشكل نسبي من ويلات التغيُّر المناخي؟
من المُحتمل، أجل. والفُرَص هي -إن كنت تقرأ هذا المقال- فأنت في مكان منها بالفعل.
إن كنت تعتقد بأنّها قد تكون الولايات المُتحدة، فقد تكون على صدى مُفاجأة غير سارة.
النقطة الأساسية هنا ليست فقط أنّ التغير المناخي أزمة واسعة الانتشار، بل إنّها مُعقّدة جدًا أيضًا.
تقول الأستاذة الجامعية، خبيرة البيئة والتنمية وعضوة معهد بحوث الاستدامة في جامعة ليدز (Leeds) بإنجلترا، ليندسي سترينجر (Lindsay Stringer): «إنّه يعتمد على مدى تعرُّض وحساسية كل مكان، وإلى أي مدى يُمكن لهذين العامِلين الاستعداد ومواجهة التغيُّر المناخي فيما هو قادِم.
لذلك، فمن الصعب قول أنّ بلدة مُعيّنة (س) سوف تُبلي حَسَنًا أمام التغيُّر المُناخي وبلدة أُخرى (ص) لن تفعل ذلك».
إنّ انتظار فترة تَوَقُّف من التغيُّر المناخي يُعدّ مُهمة صعبة نوعًا ما.
من الأسهل استبعاد الدول التي ستتأثّر أكثر بالظاهِرة، لكن كما أكّدت سترينجر: «في النهاية، الجميع سوف يتأثّر». لا يُمكنك الهروب من التغيُّر المناخي ما دامت قدمك على الأرض.
فالأمر يعتمد، بالطبع، على مدى سوء تأثُّر مكانٍ ما بالفعل بالتغيُّر المناخي. حيثُ أصبحت الأعاصير أكثر قوّة، وحالات الجفاف سوف تُصبِح أكثر تواجُدًا وشِدّة، وموجات الحر، تحديدًا في الأماكن الساخِنة، ستُصبِح أكثر شدة، المُدُن القريبة من الشواطئ حول العالم سوف تستمر في مواجهة خطر مُتزايد من المعاناة من الفيضانات الكُبرى. الجُزُر الصغيرة، والبِقاع المُنخفِضة والدول الساحلية ذات التعداد السُكّاني القليل، الجميع في مأزق.
باختصار، أي دولة تشهد بالفعل ظروفًا قاسية، ستكون في خطر مُتزايد في المُستقبل. بدايةً من الولايات المُتحدة وصولاً إلى توفالو، لن تكون هُناك دولة على الأرض آمنة تمامًا.
مع ذلك، وكما أشارت سترينجر: «تِلك الأماكن التي يُفرَض عليها خطر التغيُّر المُناخي إضافةً إلى مخاطِر مُوبِقة أُخرى غالِبًا ما تكون أسوأ حالًا». لذلك، فلنستبعِد تِلك المناطِق.
سوف تُعاني الدول التي تعتمد بدرجة كبيرة على الإنتاج الزراعي بسبب تفاوُت نِسب هطول الأمطار. كذلك المُحيطات التي يعتمد عليها المليارات لتمُدّهم بالغذاء وأجور العمل، تُعاني أيضًا من ازياد غير مسبوق في درجة الحرارة، والأمطار الحامِضيّة ونقص الأكسجين.
وكنتيجة لذلك، سوف يعاني سكان المناطق الواقعة على سواحل المحيطات أيضًا.
تُوضِّح مُنظّمة الصحة العالمية بأنّه ما بين عامي 2030 و2050، الإجهاد الحراري والأمراض المُرتبِطة بالتغيُّر المناخي سوف تتسبّب في عدد وفيّات يبلغ 250,000 في السنة كحد أقصى. وأشارت إلى جزء هام في الموضوع وهو أنّ المناطِق ذات البنية الصحيّة الضعيفة سوف تُعاني أكثر من غيرها.
هل من غير المُرجّح أن تُبلي الدول غير المُستقِرَّة سياسيًا أو الدول المُعرَّضة للنزاعات جيدًا أمام تفاقم تغيُّر المناخ؟ بالرغم من وجود دليل يقتَرِح بأنّ التغيُّر المناخي يجلب نزاعات وعدم استقرار اجتماعي، فإنّ الربط المُباشِر بين الاثنين في علاقة سبب ونتيجة هو أمر مُثير للجدل في الحاضِر.
يقول دكتور حكيم عبدي (Abdulhakim Abdi)، الباحِث في دراسات ما بعد الدكتوراه وعالِم الاستدامة في جامعة لوند (Lund) بالسويد: «إنّه يحدث في مناطِق مُعيّنة في العالم أينما توجد أحيانًا مُناوشات حول الموارد بين الرُعاة الذين يشعرون بالضيق في أوقات الجفاف، لكنّه بعيد كل البُعد عن أي تعميم عالمي».
قد تشهد كل من سوريا والأردن حالات جفاف ناتِجة من التغيُّر المناخي، لكن من المُحتمل أن تُعاني سوريا من زيادة في الفوضى وحالات هِجرة، وذلك ليس من قُبيل الصُدفة، فالأردن دولة مُستقرّة اجتماعيًا واقتصاديًا بينما تُعدّ سوريا عكس ذلك تمامًا.
كما أنّ المخاطر المُحدقة تُشير إلى أنّ التغيُّر المناخي له علاقة بالموارد تقريبًا أكثر من أي شيء آخر. وأشارت سترينجر أيضًا أنّ الدول الأغنى، ماديًا، لكن أيضًا في نواحي اُخرى مثل الولوج للمعلومات، والتعليم، والعناية الصحية، والولوج إلى بطاقات الائتمان، والتأمين، وشبكات التواصل الاجتماعي، وهكذا، غالبًا ما تكون أكثر قدرة على التعامل مع تأثيرات تغير المناخ وتسييرها.
وقد يقترن هذا بشكل مُقلِق بحقيقة قاتمة للحياة الحديثة: على الرغم من أنها ساهمت بأقل قدر ممكن في تغير المناخ بفعل الإنسان، فإن الدول ذات الدخل المنخفض والمتدنية الموارد سوف تتأثر أكثر من غيرها. إذن، بشكل عام، فإنّ قدرة البلدان على التكيُّف مع المناخ مُنقاد بواسطة الثروة.
من الأرجح أنّ الدول الأكثر ثراءً قادرة على مواجهة الظواهر المناخية، ودعم راحة مواطنيها في أوقات الصراعات، والتعافي من أي أضرار ذات صلة بالطقس. تُعدّ هذه حقيقة مُنطبِقة على الكوكب بأكمله، لذلك إذا كنت تريد ملاذًا آمنًا، اتبع المال.
بلغت أضرار البنية التحتية مستويات قياسية بسبب الكوارث الطبيعية المُتضخمة بسبب تغيُّر المناخ، وتشير الأبحاث إلى أنّ درجات الحرارة الأعلى من المُثلى تُقلِّل من إنتاج وكفاءة القوى العاملة -وهو أمر سيؤثر بشكل مباشر على قيم إجمالي الناتج المحلي للدول.
علاوةً على ذلك، فإنّه وِفقًا لمنظمة الصحة العالمية، الآثار الصحية المُرتبطة بالمناخ ستُكلِّف الاقتصاد العالمي ما يصل إلى 4 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030.
سوف يتضرر اقتصاد العالم من جراء تفاقُم تغيُّر المناخ.
وعلى الرغم من ذلك، من الواضح أنّ الدول الغنية والزاخِرة بالموارد ستكون قادِرة على تحمُّل مِثل هذه الصدمات بشكل أفضل، رغم أنها قد تكون هائلة، مُقارنةً بالدول الأكثر فقرًا.
لذا، حتى مع وجود عامل الشك الفِطري في سُرعة هذه التأثيرات السلبية المُهلِكة لتغيُّر المناخ وقوتها، إلا أنّ السلامة من كل ذلك يُعدّ في مُتناول عدد قليل فقط من الدول -تلك التي لديها حاليًا مناخات مُعتدلة، الغنية والزاخِرة بالموارد، والتي لديها أنظمة رعاية صحية جيدة، ومُستقرة سياسيًا، ومن غير المُحتمل أن تتعرض لظروف جوية قاسية على نحو منتظم.
هذا يترك لنا قائمة قصيرة جدًا: كندا، وأوروبا الشمالية، ونيوزيلندا، ورُبّما اليابان، على سبيل المثال. انتظر، ماذا عن “أرض الحرية” (Land of the free) -من النشيد الوطني الأمريكي- الأمة الأكثر ثراءً، وربما الأكثر نفوذًا على الأرض؟ ألا تُعّد ملاذًا آمنًا؟ في الواقع، لا، ليس تمامًا.
لا يُمكنك القول ببساطة أنّ الولايات المتحدة هي المكان الأكثر أمانًا للعيش بتلك الطريقة؛ يُمكن لأي أمريكي ممن يواجهون الأعاصير أو حرائق الغابات أن يُخبرك بذلك. قد تكون أوريغون (Oregon) خالية إلى حدّ ما من الظروف المناخية القاسية، ولكن فلوريدا تتعرض لتهديد دائم من قِبَلِها.
لا يلعب عامِل الموارد أو الثروة دورًا على مستوى دولي فقط، بل أيضًا على المستوى المحلّي. حيثُ تُعاني الأجزاء الأكثر فقرًا في الدول الغنيّة بنسبة أكبر من آثار التغيُّر المناخي.
وكما أكّدت دراسة بارزة عام 2017 بأنّ عدم المُساواة الموجودة سابِقًا سوف تزداد مع استمرار احترار العالم، حتى في الولايات المُتحدة، التي تُمثِّل مصدر القوة العُظمى في العالم.
في ظِل ظروف احترار شبه واقعية، سوف تُعاني أجزاء من تكساس، وفلوريدا وأقصى الجنوب من خسائِر اقتصادية كبيرة، بما يُمثِّل 28% من مجموع إجمالي الناتج المحلي لبعض الدول، وذلك بنهاية هذا القرن.
سوف تُستَنزَف أموال المناطق الأكثر فقرًا في المنطقة بارتفاع معدّلات الزئبق حيثُ ينقُص المحصول الزراعي وترتفع أسعار الطاقة ومعها ارتفاع معدلات الوفيّات.
تتنبأ نفس الدراسة أيضًا بأنّ اقتصاد الولايات المُتّحِدة سوف تُصيبه ضربة شامِلة، لكن الشمال الغربي، حيثُ المناخ أكثر اعتدالاً، قد يستفيد بعض الشيء من التغيُّرات.
حيثُ سيزيد المحصول الزراعي بدرجات مُتفاوِتة وبفضل نقص الظروف الجوية الصعبة بشكل عام، فإنّ ولايات مثل واشنطن ومونتانا آمنة بشكل نسبي، مما يزيد من نسبة مُقيمي الأماكن الغنيّة بها.
يُشير ذلك إلى المُستقبل القريب، لكن إذا كنت تُفضِّل مِثالًا حاليًا مّذهلًا حول كيفية ارتباط ظروف الطقس الصعبة وعدم المُساواة في الولايات المُتحدة معًا بشكل غير مُنفَصِم، فقط انظر لِما حدث عندما ضرب إعصار ماريا (Hurricane Maria) عام 2017، وهو إعصار من الفِئة الخامِسة.
لا يهمُ في أي مكان يضرب إعصار قوي كهذا في الولايات المُتحدة، لأنّه لن يصل أبدًا لتِلك الصدمة المُهلِكة كالتي أحدثها إعصار ماريا في بورتوريكو. ما زال يُعاني هذا الإقليم، التابع للولايات المُتحدة من سوء استجابة حكومته الفيدرالية واقتصاد واهِن نسبيًا، ومن أزمة إنسانية بعد مرور ستّة أشهر على إعصار ماريا.
صرَّح عبدي، مُستشهِدًا بإعصار كاترينا كمِثال آخر: «في نظام الولايات المُتحدة، لا تستطيع المناطق الفقيرة التسلُّح بما هو لازم للتصدّي للتغيُّر المناخي بسبب كثرة الصعوبات أمامها».
لكن العيش في أماكن غنيّة لا يضمن البقاء آمنًا من التغيُّر المناخي. إنّ الحقيقة المؤلِمة في الأمر هي أنّك يجب أن تكون محظوظًا جغرافيًا، وغنيًا وتستطيع توفير الموارِد لنفسك. عدم المُساواة شيء قاتِل. فستكون بعض المناطق في الولايات المُتحدة في حال جيدة، أمّا المناطق الأخرى فلن تكون كذلك بالتأكيد.
لذا، إن كنت تريد دفن رأسك في الرمال في إحدى هذه المخابئ، وتمتلك الوسائل لفعل هذا، قُم به. لكن بدلًا من ذلك، يمكننا محاولة إصلاح المشكلة الأساسية لتغير المناخ في المقام الأول.
- ترجمة: بسام محمد عبد الفتاح
- تدقيق: دانه أبو فرحة
- تحرير: محمد سمور
- المصدر