وفقًا لبحث جديد، فإن الذكاء الاصطناعي أصبح قادرًا على اكتشاف المشاعر في النصوص المكتوبة سواء أكان الشخص سعيدًا أم حزينًا أم غاضبًا. على هذا فقد بدأ الذكاء الاصطناعي بالتغلغل في جوانب عدة من التجارب البشرية. فلم يعد مجرد أداة لتحليل البيانات، بل أصبح يغير الطريقة التي نتواصل بها ونعمل ونعيش بوساطتها، بدءًا من شات جي بي تي وصولًا إلى مولدات الفيديو التي تعمل بالذكاء الاصطناعي. إذ أصبحت الحدود الفاصلة بين التكنولوجيا وبين أجزاء من حياتنا تتلاشى بتزايد.
لكن هل فعلًا هذه التطورات التكنولوجية تعني أن الذكاء الاصطناعي يمكنه تحديد مشاعر الأشخاص من خلال الإنترنت؟
أجرت منصة «تك إكسبلور» بحثًا نشر في المجلة الدولية لأبحاث السوق، فحص من خلاله ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على اكتشاف المشاعر البشرية في المنشورات على منصة إكس، وقد ركز البحث على كيفية تأثير المشاعر المعبر عنها في المنشورات المتعلقة بمنظمات غير ربحية محددة، في أفعال معينة مثل اتخاذ قرار التبرع لتلك المنظمات لاحقًا.
توظيف المشاعر في توجيه الاستجابة:
كان تحليل المشاعر حجر الأساس لدى الباحثين، الذي يساعد على فرز الرسائل وتصنيفها سواء أكانت إيجابية أم سلبية أم محايدة. مع أن هذه الطريقة كانت بسيطة وبديهية، لكنها كانت مقيدة ومحدودة، فالعواطف البشرية معقدة. مثلًا، مشاعر الغضب وخيبة الأمل عاطفتان سلبيتان لكنهما قد تثيران ردود فعل مختلفة تمامًا، فقد يتفاعل الأشخاص الغاضبين بصورة أقوى من الأشخاص المحبطين في سياق العمل.
لمعالجة هذه القيود، طبق البحث نموذج ذكاء اصطناعي يمكنه اكتشاف مشاعر محددة مثل الفرح والغضب والحزن والاشمئزاز المعبر عنها في التغريدات. على هذا، وجد البحث أن المشاعر المعبر عنها على منصة إكس قد تمثل توجهات الجمهور تجاه منظمات غير ربحية معينة، وقد كان لهذه المشاعر تأثير مباشر في سلوك الأفراد فيما يخص التبرعات.
اكتشاف المشاعر:
استُخدم نموذج التعلم الانتقالي المحول، لاكتشاف المشاعر في النصوص. إذ دربت شركات مثل فيسبوك وجوجل هذا النموذج مسبقًا على مجموعة بيانات ضخمة، هي خوارزميات ذكاء اصطناعي متطورة للغاية تتفوق في فهم اللغة الطبيعية «اللغات التي تطورت طبيعيًا، بخلاف لغات الكمبيوتر أو التعليمات البرمجية».
صُقل هذا النموذج بالبحث باستخدام مزيج من أربع مجموعات بيانات عاطفية مبلغ عنها ذاتيًا «أكثر من 3.6 مليون جملة»، وسبع مجموعات بيانات أخرى «أكثر من 60 ألف جملة». سمح لنا ذلك برسم خريطة لمجموعة متنوعة من المشاعر المعبر عنها من خلال الإنترنت. مثلًا، قد يكتشف النموذج شعور الفرح بوصفه شعورًا سائدًا عندما يقرأ منشورًا على منصة إكس يقول: «الصباح الذي يبدأ في المدارس هو الأفضل! #ابتسامتنا_بفضل_الأطفال».
على النقيض، يلتقط النموذج شعور الحزن في تغريدة تقول: «أشعر بأنني فقدت جزءًا مني، لقد فقدت أمي منذ أكثر من شهر، وفقدت أبي منذ 13 عامًا. أشعر بالضياع والخوف». على هذا، حقق النموذج دقةً رائعة بلغت 84% في اكتشاف المشاعر من النصوص، وهو إنجاز ملحوظ في مجال الذكاء الاصطناعي.
بعد ذلك، أجري بحث في تغريدات عن منظمتين في نيوزيلندا. مؤسسة فريد هولوز، وجامعة أوكلاند. أظهر البحث أن التغريدات التي تعبر عن الحزن كانت أكثر احتمالية لدفع الناس للتبرع لمؤسسة فريد هولوز، في حين كان الغضب مرتبطًا بزيادة التبرعات لجامعة أوكلاند.
تساؤلات أخلاقية:
لتحديد مشاعر معينة تأثيرات كبيرة في قطاعات مثل التسويق والتعليم والرعاية الصحية. على هذا، فإن القدرة على تحديد ردود الفعل العاطفية للأشخاص في سياقات معينة عبر الإنترنت قد تدعم صناع القرار للاستجابة بسلاسة لعملائهم أو سوقهم العام. إذ إن كل شعور محدد يعبر عنه في منشورات وسائل التواصل الاجتماعي يتطلب أن يقابل برد فعل مختلف من الشركات أو المنظمات.
أثبت البحث أن المشاعر المختلفة تؤدي إلى نتائج مختلفة عندما يتعلق الأمر بالتبرعات. يُعزى ذلك إلى أن إدراك مشاعر الحزن في الرسائل التسويقية قد يزيد من التبرعات للمنظمات غير الربحية، ما يسمح بتنظيم حملات أكثر فاعلية وإثارة للعواطف. أما مشاعر الغضب فقد تحفز الأشخاص على التصرف استجابةً لما يرونه ظلمًا.
مع أن نموذج التعلم الانتقالي المحول يتفوق في اكتشاف المشاعر في النصوص، فإن الإنجاز الكبير التالي سيكون دمجه مع مصادر بيانات أخرى، مثل نبرة الصوت أو تعبيرات الوجه، لإنشاء ملف عاطفي أشمل. تخيل أن الذكاء الاصطناعي لا يفهم فقط ما تكتبه، بل ما تشعر به أيضًا!
لكن من الواضح أن هذه التطورات تأتي مع تحديات أخلاقية. إذا تمكن الذكاء الاصطناعي من قراءة مشاعرنا، فكيف نضمن استخدام هذه القدرة على نحو مسؤول؟ وكيف نحمي الخصوصية؟ تبقى هذه أسئلة مهمة تجب معالجتها مع استمرار تطور التكنولوجيا.
اقرأ أيضًا:
الصين تمنح الذكاء الاصطناعي تحكمًا بقمر صناعي.. والنتائج كانت غريبة!
ماذا لو دمجنا موسوعة ويكيبيديا بالذكاء الاصطناعي؟ محرك البحث الشهير دك دك جو سيقوم بذلك!
ترجمة: زين العابدين بدور
تدقيق: ريمي سليمان