لا يشرح حجرُ أساس ميكانيكا الكم سلوك الجسيمات دون الذرية الصغيرة فحسب، بل يتحكم أيضًا في حركة أكبر الأجرام السماوية وأضخمها في الكون.
يقول عالم فيزياء فلكية بارز: »غالبًا ما تُعتبرُ نظرية النسبية العامة لآينشتاين العمود الفقري للفيزياء على المقياس دون الذريّ«، لكنَّ عالم الكواكب (كونستانتين باتيجين – Konstantin Batygin) يقول إن ميكانيكا الكم بإمكانها تفسير تطور الأجرام السماوية الضخمة المثيرة للذهول في الفضاء.
وخلال فترة تدريسه لفيزياء الكواكب في (معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا – Caltech)، قام باستكشاف مفهوم الأقراص الفيزيائية الفلكية ــالتي تُسمى في بعض الأحيان الأقراص المزودة ــ قام باستكشاف دواماتٍ من المادة ذاتية الجذب يصفها باتيجين أنَّها »من بين أكثر الأشياء شيوعًا في الكون«.
وكونُها شائعة، يُعزى إلى تكوُّن هذه الأقراص في كل مكانٍ تقريبًا: تقوم الكواكب بالدوران حول النجوم لتشكيل أنظمةٍ شمسية، التي بدورها تدور حول ثقبٍ أسود فائق الضخامة يقبع في مركز المجرات.
وتنشأ هذه الأقراص في هيئةٍ دائرية، تتموَّج وتلتوي بعد مرور الوقت، مسببةً تشوهاتٍ واسعة لا يمكن شرحها حاليًا من طرف علماء الفيزياء الفلكية بشكلٍ قاطع.
وهذا كله، بعيدٌ عما يُسمى بمعادلة (شرودنجر- Schrödinger)، الأساس الرياضي لمكيانيكا الكم، الذي سُمي تيمنًا بالفيزيائي النمساوي (إروين شرودنجر -Erwin Schrödinger).
في هذا الشأن، يقول (بريندان كول – Brendan Cole): »تفطن شرودنجر إلى عدم إمكانية تفسير الإلكترونات والذرات، أو أي قطعٍ صغيرةٍ أخرى من الكون، كتوقع مكان وزمن وجود كرات بلياردو هناك تمامًا«.
بدلًا من ذلك، يجب أن تفترض امتلاك الجسيمات لمواقع منتشرة في الفضاء، وهناك احتمالٌ صغيرٌ في أن تكون في المكان والزمان الذي تتوقعه.
هذه الظاهرة تم التعبير عنها بما يُعرف بمعادلة شرودنجر عندما نُشرت سنة 1926، تشرح حالة الجسيمات كوظيفةٍ للموجات.
لكن وحسب البحث الجديد لباتيجين ــالذي يأتي بعد قرنٍ من الزمن ــ لا تقتصر هذه المعادلة على شرح الجسيمات فسحب، فهناك أشياء أكبر، أكبر بكثير، يبدو أنها تعمل حسب هذه الحسابات الكميَّة.
عند التحري في مساحةٍ من ميكانيكا الكم تُسمى نظرية الاضطراب (النظر في كيفية تقديم القوى المتسببة في تطور الأقراص الفلكية رياضيًا)، قام باتيجين باكتشاف شيءٍ جديرٍ بالملاحظة، من أجل تفسير كيفية التواء هذه الأجرام الضخمة عبر الزمن.
وخلال نظرية الاضطراب، يمكن نمذجة الأقراص الفلكية كسلسلةٍ من الأسلاك المتراكزة التي تتبادل الزخم الزاوي المداري فيما بينها.
نظرًا للحجم والمجال الكبيرين لهذه الأقراص والعدد المذهل للكواكب، والنجوم والأجرام المجريَّة الموجودة ضمنها، يمكن أن يصبح الأمر معقدًا، من هنا أشارت النمذجة إلى اكتشافٍ رائع.
يقول باتيجين: »عندما نقوم بذلك مع كل المادة في قرص، يمكننا أن نصبح أكثر دقةً، إذ نقدم القرص كعددٍ أكبر من الأسلاك الأكثر رقَّــةً«.
»في نهاية الأمر، يمكنك تقريب عدد الأسلاك في القرص إلى اللانهاية، وهذا يسمح لك بضمهم معًا باستمرارية.
عندما قمت بذلك، ظهرت معادلة شرودنجر في حساباتي بشكلٍ مذهل!«.
حسب باتيجين، إنَّ سلوك الالتواءات الواسعة التي تشوه الأقراص الفلكية بمرور الزمن، يشبه سلوك الجسيمات.
وعندما تنتشر عبر مواد القرص، يمكن تفسيرها عبر نفس الرياضيات التي تحكم ما يسمى نظرية التشتت الكموميّ.
يشدد باتيجين بعد ذلك على أن هذا التطبيق لمعادلة شرودنجر لا يمكن استخدامه كبديلٍ للمحاكات الرقمية الأكثر تعقيدًا، لكن بإمكانه أن يزود النتائج الرقمية بسياقٍ نوعيّ.
رغم ذلك، من الرائع أن نكتشف أن معادلةً استُخدمت في شرح سلوك أشياء صغيرة لا يمكنك رؤيتها، يمكن تطبيقها كذلك على سلوك قوى الجذب العظمى الواسعة والبعيدة للغاية، التي بدأ العلماء في فهمها الآن فحسب.
يقول باتيجين: »هذا الاكتشاف مفاجئ؛ لأن ظهور معادلة شرودنجر عند النظر إلى مسافاتٍ تمتد إلى سنين ضوئية أمرٌ غير متوقع«.
بمعنى آخر، الموجات التي تمثل التواءاتٍ وعدم توازن الأقراص الفلكية، ليست مختلفةً كثيرًا عن الموجات على الأوتار المهتزة، والتي بدورها لا تختلف كثيرًا عن حركة الجسيمات الكمية في صندوق.
في استعادةٍ للأحداث، من المثير أن نبدأ في استكشاف الأساس الرياضيِّ وراء هذا التشابه.
- ترجمة: وليد سايس
- تدقيق: تسنيم المنجّد
- تحرير: ناجية الأحمد
- المصدر