مع أن المخاط واسع الانتشار في مملكة الحيوانات إلى درجة أن البرمائيات والحلزونات والرخويات تشتهر بإفرازه، فإن الكائنات المجهرية البسيطة قادرة أيضًا على إنتاج مادة لزجة بين الفينة والأخرى. وبيد أن أصل المخاط عمومًا غير معروف، فقد اكتشف باحثون من جامعة بافالو مؤخرًا آلية غير متوقعة لتطوره.
يُنتَج المخاط عند البشر في الفم والأنف والحنجرة والرئتين والأمعاء وعنق الرحم والمسالك البولية، وهو يؤدي وظائف متنوعة. رغم التشابهات الكبيرة بين أنواع المخاط المختلفة، فإن العديد من أشكاله تطورت على نحو متوازٍ، أي ليس بطريقة متفرعة.
وجدت دراسة صغيرة قارنت بين الثدييات وغددها أن العديد من الجينات المسؤولة عن إنتاج المخاط لا تنشأ من أصل مشترك، ما يُعَد أمرًا غير اعتيادي نظرًا إلى أن غالبية الجينات المتشابهة في الوظائف تنشأ من جين واحد مشترك بين الأنواع المتفرعة ثم يُورَّث الجين للأجيال اللاحقة لأنه يخدم مصلحتها في البقاء.
لا يستثنى البشر من ذلك أيضًا، إذ تُصنَّف الجينات التي تشفر بروتينات المخاط البشري في مجموعات مختلفة، تشفر أحدها بروتينات مخاطية تكوّن مادة هلامية، في حين تشفر أخرى بروتينات مخاطية مرتبطة بغشاء الخلية. علاوةً على ذلك، توجد جينات «يتيمة» أو منفردة، وهي تشفر لأنواع فريدة من المخاط لا يمكن تصنيفها في أي مجموعة أخرى.
تطورت كل مجموعة من مجموعات المخاط المختلفة على نحو مستقل، ويدعي الباحثون الآن أنهم اكتشفوا مصدرها.
بعد مقارنة الجينات المشفرة للبروتينات المخاطية بين 49 نوعًا مختلفًا من الثدييات، وجد الفريق أن البروتينات غير المخاطية قد تتحول إلى بروتينات مخاطية لزجة إذا أضيفت لها سلاسل قصيرة متكررة من الأحماض الأمينية مجددًا.
بين جميع جينات بروتينات المخاط التي درسها الباحثون، لوحظت تلك التكرارات 15 مرة مختلفة. أي أن بعض جينات الثدييات المشفرة لبروتينات غير مخاطية قد تتحول بروتيناتها لتصبح لزجة مع مرور الوقت، ويفيد باحثو الدراسة الحالية أن البروتينات الغنية بالحمض الأميني «البرولين» أكثر ميلًا إلى التحول للزوجة عبر الأجيال.
يقول عالم الأحياء التطوري عمر غوكومين من جامعة بافالو: «لا أظن أن إمكانية تطور وظيفة البروتينات بهذه الآلية كانت معروفة سابقًا، أي عبر اكتسابها سلاسل متكررة من الأحماض الأمينية. اتضح أن بعض البروتينات غير المخاطية تصبح مخاطية فقط باكتسابها تلك التكرارات. تُعَد هذه الطريقة مهمة في تطور إنتاج المخاط، وهي تمثل حيلةً تطورية، واستطعنا الآن توثيق حدوث هذه العملية أكثر من مرة».
توصل الباحثون إلى هذا الاكتشاف بالصدفة عند دراستهم اللعاب البشري، إذ لاحظوا في تجاربهم أوجه تشابه في جين مشفر للمخاط بين البشر والفئران، غير أنه عند محاولتهم العثور على أصل مشترك للجين، فشلوا في ذلك. إذ بدا أن جين بروتينات المخاط لدى الفئران تطور على نحو مستقل، رغم أن جزءًا من بنيته يماثل بنية الجينات المشفرة للدموع البشرية التي لا تُعَد مخاطًا.
يقول غوكومين: «نظن أن ذلك الجين المشفر للدموع عُدَّل بطريقة ما ليخدم أغراضًا أخرى؛ إذ يبدو أنه اكتسب تلك التكرارات التي تزوده بوظيفة المخاط، وهو الآن يُنتَج بكميات كبيرة في لعاب الفئران والجرذان».
في حال كانت فرضيات غوكومين وزملائه صحيحة، فإن نتائجهم تطرح آلية وراثية جديدة للتطور؛ وهي تتمثل في إمكانية إضافة وظيفة جديدة لجين معين دون حدوث عملية الاستنساخ الجيني المعتادة.
تُعَد ظاهرة حدوث سلسلة متوازية من الطفرات في جينات منفصلة لتؤدي في نهاية المطاف الوظيفة ذاتها مثالًا على التطور التقاربي، الذي يخلق فيه الضغط الانتقائي الوظيفة ذاتها من أصول بيولوجية غير متقاربة، مثل أجنحة الخفافيش والطيور.
يقول عالم الوراثة التطورية بيتر باجيك من جامعة بافالو: «إذا استمرت البروتينات المخاطية في النشوء من البروتينات غير المخاطية مرةً تلو الأخرى لدى أنواع مختلفة في أوقات مختلفة، فإن ذلك يشير إلى تعرضها إلى نوع من الضغط الانتقائي يجعلها صالحة تطوريًا».
«في المقابل، إذا حدثت هذه العملية أكثر من اللازم أو في الأنسجة غير المناسبة وخرجت بذلك عن السيطرة، فإنها قد تؤدي حينها إلى حدوث بعض الأمراض، مثل أنواع معينة من السرطانات وأمراض الأغشية المخاطية».
في حين أن دراسة المخاط قد لا تبدو أكثر المساعي العلمية إثارةً للاهتمام، فإنه لا يمكن الاستهانة بأهميتها.
اقرأ أيضًا:
ما مصدر المخاط وأين ينتهي به الحال؟
ترجمة: رحاب القاضي
تدقيق: أسعد الأسعد
مراجعة: نغم رابي