يعاني في الولايات المتحدة الأمريكية ما يقارب 1 من كل 3 بالغين (30.7%) زيادة في الوزن، وأكثر من 2 من كل 5 بالغين (42.4%) يعانون السمنة. ولا تقتصر هذه المشكلة على أمريكا فقط، بل في جميع أنحاء العالم ما يقارب 2 من كل 5 بالغين (39%) سجلوا زيادة في الوزن في عام 2016، و1 من كل 10 (13%) يعانون السمنة المفرطة.
هذه الإحصاءات مقلقة؛ لأن اكتساب الوزن يزيد كثيرًا من خطر إصابة الأشخاص بأمراض القلب والأوعية الدموية (وخاصةً أمراض القلب والسكتة الدماغية)، والسكري، والاضطرابات العضلية الهيكلية (وخاصةً هشاشة العظام)، وبعض أنواع السرطان.
لتجنب هذه المشكلات، صُممت برامج سلوكية لمساعدة الأشخاص على خسارة الوزن بتغيير عاداتهم المتعلقة بالنظام الغذائي والتمارين الرياضية ونمط حياتهم عمومًا. ومعظم برامج ضبط الوزن السلوكية هذه أو برامج تعديل نمط الحياة – كما يُطلق عليها أيضًا – فعّالة في مساعدة الناس على خسارة وزنهم خلال 12 شهرًا فقط.
برامج ضبط الوزن السلوكية
بدايةً، الهدف من برامج ضبط الوزن السلوكية هو مساعدة الأفراد على الوصول إلى وزن صحي والحفاظ عليه لفترات طويلة، بإدخال تعديلات على سلوكيات الطعام والنشاط البدني لديهم.
تتضمن هذه البرامج عادةً جلسات أسبوعية فردية أو جماعية مع مدربين محترفين مثل: خبراء التغذية أو خبراء اللياقة البدنية أو علماء النفس الذين يقدمون التعليم والمشورة والدعم؛ لمساعدة المشاركين على اتباع عادات صحية وإجراء تغييرات دائمة في أنماط حياتهم اليومية.
من الأمثلة الجيدة على هذه البرامج هو برنامج الوقاية من مرض السكري (DDP) الذي طوره مركز السيطرة على الأمراض (CDC).
أجرى أستاذ الطب السلوكي في جامعة أكسفورد والمؤلف الرئيسي المشارك في الدراسة البروفيسور أفيارد وزملاؤه تجارب عشوائية ذات شواهد من جميع أنحاء العالم؛ لمقارنة النتائج طويلة الأمد التي حصل عليها الأشخاص الذين اتبعوا برنامج سلوكي مكثف لإنقاص وزنهم، وغيرهم من الذين اتبعوا برامج أقل صرامة أو لم يتبعوا أي برنامج.
أشارت نتائج هذه التجارب إلى أن اتباع برامج ضبط الوزن السلوكية يقدم فوائد صحية طويلة الأمد، حتى لو عاد الشخص واكتسب الوزن من جديد.
قال البروفيسور أفيارد: «ثمة مخاوف لدى بعض الأشخاص من أن خسارة الوزن قد لا تفيد صحتهم على المدى البعيد، ويخشى كثير من الناس من أن تؤدي محاولاتهم لخسارة الوزن إلى عودة اكتسابه بسرعة وانتهاء الأمر باكتساب وزن أكثر مما كانوا عليه سابقًا».
لذلك، رغب البروفيسور أفيارد وزملاؤه في اكتشاف كيف تؤثر خسارة الوزن في صحة الأشخاص على المدى الطويل، بعد عام من اتباع برامج ضبط الوزن السلوكية.
النتائج التي ركزوا عليها كانت:
- الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة المرتبطة بها.
- الإصابة بمرض السكري من النمط الثاني وارتفاع ضغط الدم.
- حدوث تغيرات في ضغط الدم الانقباضي.
- نسبة السكر والكوليسترول في الدم والأنسولين.
وجد الباحثون دليلًا واضحًا عند مقارنتهم النتائج بين متّبعي برامج ضبط الوزن السلوكية غير المكثفة والذين لم يتبعوها، وكان الدليل هو انخفاض ضغط الدم الانقباضي، وانخفاض نسبة الكوليسترول الكلي إلى الكوليسترول الجيد، وانخفاض الخضاب الجلوكوزي HbA1c (وهو مقياس مستويات السكر في الدم على مدى 3 أشهر سابقة). وكانت النتائج لصالح متّبعي برامج ضبط الوزن السلوكية.
استمر تحسين عوامل الخطر القلبية الوعائية – عدا انخفاض نسبة السكر في الدم – طوال الخمسة أعوام التالية لإنهاء البرنامج، مع أن خسارة الوزن بحد ذاتها تحسن وظائف القلب والأوعية الدموية بمرور الوقت.
أشارت البيانات المتاحة إلى أن برامج ضبط الوزن السلوكية تقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري، ولكن هناك حاليًا القليل من الدراسات التي أثبتت ذلك.
فوجئ أستاذ الطب في سي ديفيد مولينا ومدير مركز ويلش للوقاية وعلم الأوبئة والأبحاث السريرية بجامعة جونز هوبكينز الدكتور لورانس أبيل – الذي لم يشارك في الدراسة – بتأثير خسارة الوزن في ضغط الدم والكوليسترول والسكر؛ إذ قال على موقع Medical News Today: «عادةً ما ترتبط عوامل الخطر بالتغيرات في الوزن، ولكن النتائج تؤكد أن هناك فوائد صحية لخسارة الوزن على المدى الطويل، وإن كانت ضعيفة فور انتهاء مدة اتباع برامج ضبط الوزن السلوكية».
أضاف أستاذ ومستشار في صحة القلب والأوعية الدموية والتمثيل الغذائي في جامعة غلاسكو الدكتور نافيد ستار على الموقع نفسه، الذي لم يشارك في الدراسة أيضًا: «تشير البيانات إلى أنه كلما طالت مدة خسارة الوزن، كانت التحسينات في عوامل الخطر القلبية الوعائية أكثر، ومن ثمّ انخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، ولكنها تبقى نتائج محدودة حتى الآن مع فوائد أكبر إلى حد ما في التقليل من مخاطر الإصابة بمرض السكري (إذ ترتبط خسارة الوزن بخطر الإصابة بالسكري أكثر من ارتباطها بأمراض الأوعية الدموية مثل: تصلب الشرايين)».
هل تستمر التحسينات في صحة القلب والأوعية الدموية حتى مع اكتساب الوزن مرة أخرى؟
في عام 2022، نشرت المجموعة البحثية نفسها دراسة أخرى ركزت على عودة اكتساب الوزن. ووجدوا أن الأشخاص الذين اتبعوا برامج ضبط الوزن السلوكية فقدوا وزنًا (- 2.8 كج) أكثر من أولئك الذين لم يتبعوا أي برامج.
استغرق الأمر في المتوسط 5 أعوام حتى يصبح وزن الأشخاص في المجموعتين متشابهًا.
يقول البروفيسور أفيارد: «تستمر التحسينات في انخفاض عوامل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية؛ لأن خسارة الوزن واكتسابه مرة أخرى أبطأ مما يظن معظم الناس؛ فكلاهما يستغرق 5 أعوام على الأقل مع استمرار الفوائد الصحية».
تحدث أمراض القلب والأوعية الدموية بسبب ارتفاع ضغط الدم ونسبة الكوليسترول والسكر تدريجيًا، ويحدث ما يُسمى بتصلب الشرايين، ما يؤدي إلى حدوث نوبة قلبية أو سكتة دماغية. وإذا كان ضغط الدم ونسبة الكوليسترول والسكر أقل، فيقل احتمال تعرض الشرايين لضرر، ما يحد من خطر حدوث هذه المشكلات مستقبلًا.
تستغرق عملية تصلب الشرايين أعوامًا حتى تتطور كما أوضح الطبيب ستار، ويمكن جعلها أبطأ بضعة أعوام أخرى، وخاصةً إذا حُسنت عوامل الخطر المذكورة آنفًا للحفاظ على وزن صحي وثابت.
هل هناك طرق أخرى لخسارة الوزن تسهم في الحد من خطورة الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية؟
نعم، هناك أيضًا أدلة على أن خسارة الوزن بالجراحة لها نتائج مهمة لصحة القلب والأوعية الدموية، ولكن هذه الفوائد قد تكون أكبر للحد من الإصابة بقصور القلب والكلى.
قال الدكتور ستار: «قد لا تثبت أدوية إنقاص الوزن الحديثة مثل: سيماجلوتايد أو تيرزيباتيد قطعًا الفوائد القلبية الوعائية لخسارة الوزن؛ لأن الأدوية بحد ذاتها قد تؤثر مباشرةً في النتائج».
تقدم الستاتينات (أدوية خفض الكوليسترول) وأدوية ضغط الدم فوائد سريرية أسرع من خسارة الوزن، ولكن خسارة الوزن تقدم فوائد أخرى لا تقدمها هذه الأدوية.
أخيرًا، لا بد من إقناع أطباء القلب بتشجيع مرضاهم على خسارة الوزن باتباع برامج ضبط الوزن السلوكية، بدلًا من الأدوية أو أية وسيلة أخرى.
اقرأ أيضًا:
هل يفيد جهاز المشي في خسارة الوزن ؟
ما علاقة خسارة الوزن بداء الانسداد الرئوي المزمن؟
ترجمة: تيماء القلعاني
تدقيق: رغد أبو الراغب
مراجعة: هادية أحمد زكي
