تشير أبحاث جديدة إلى أننا قد نكون قللنا كثيرًا في تقدير عدد الثقوب السوداء التي كانت موجودةً في الكون المبكر، ذلك ما قد يساعد في الإجابة عن سؤال كبير في علم الكونيات.
فقد ورد في دراسة نُشرت مؤخرًا، أن الباحثين قد استخدموا تلسكوب هابل الفضائي لإعادة تصوير بعض أقدم المجرات التي نعرفها بعد مرور عشرة إلى خمسة عشر عامًا على دراستها الأولى، ما كشف عن ثروة من الثقوب السوداء التي لم تُكتشف سابقًا.
قال ماثيو هايز، الأستاذ المساعد في علم الفلك في جامعة ستوكهولم: «اتضح أن هناك عدد أكبر من الثقوب السوداء التي تقيم في المجرات العادية في الكون المبكر خلافًا لما كنا نعتقده في الأصل».
تتمثل المرشحات المكتشفة حديثًا في أجسام كونية شديدة السطوع تُعرف باسم الكوازارات، التي تغذيها ثقوب سوداء فائقة الكتلة محاطة بدوامة من المادة المسخنة التي تمنحها ذاك السطوع.
وبما أن المادة التي تسقط في الثقب الأسود ليست ثابتةً، لذا قد تتغير شدة الإشعاع الذي تنتجه الكوازارات، مثل مصباح وامض. فإذا التُقطت صورة ذاك الشعاع في لحظة خاطئة، قد يبدو كأنه شيء غير موجود أصلًا.
قد يساعد ذلك في حل بعض الغموض المحيط بأصول الثقوب السوداء فائقة الكتلة، التي تشكل القلوب السوداء الهائلة للعديد من المجرات الكبيرة. إذ تمتلك هذه الثقوب السوداء كتلةً تعادل مئات الآلاف إلى مليارات من كتلة الشمس، ومن المفترض أن تأخذ مدةً طويلةً لتتكون.
مع ذلك، لاحظ علماء الفلك وجود ثقوب سوداء فائقة الكتلة عندما كان عمر الكون أقل من مليار سنة. وهذا لا ينبغي أن يكون وقتًا كافيًا لتلك الأجسام الكونية لتنمو إلى هذا الحجم. لذا، إما أنها وُلدت بحجم أكبر، وإما نمت أسرع مما كنا نظن أنه ممكن، بحسب تفسير هايز.
يجادل الباحثون بأن هناك عددًا كبيرًا جدًا من الثقوب السوداء فائقة الكتلة في الكون المبكر لدعم النظرية التي تقول إنها تكونت من “الانهيار المباشر” لعدد من السحب الغازية الكثيفة للغاية، بدلاً من أن تتكون من انهيار نجم مثلما يحدث عادةً.
تشير النظرية إلى أن “البذور الثقيلة” كانت كتلتها أكبر بألف مرة من النجوم التي تكونت منها الثقوب السوداء، واكتسبت حجمها عن طريق تدخل المادة المظلمة غير المرئية التي تجمعت آنذاك. لذلك قد تكون جاذبية هذه “الهالات المظلمة” كثّفت كميات هائلةً من المادة حتى انهارت في النهاية إلى ثقب أسود ضخم.
لكي يكون هذا صحيحًا، يجب أن تكون الثقوب السوداء نادرةً جدًا عما لاحظه الباحثون، لأن عددًا قليلًا جدًا من الهالات المظلمة كانت ضخمةً بما يكفي لتكوين البذور الثقيلة، وفقًا لـ هايز.
يترك هذا علماء الفلك مع خيار أكثر غرابةً، هو النجوم المظلمة الافتراضية، التي ستكون أكثر ضخامةً مما هو ممكن بالنسبة للنجوم التقليدية. إذ إن هذه الأجسام النجمية كانت قد تتأثر أيضًا بالمادة المظلمة. وفي هذه الحالة، يمكن الطاقة الناتجة عن إبادة جزيئات المادة المظلمة، على غرار الطريقة التي تتفاعل بها المادة والجسيمات المضادة عند تصادمها، أن توفر الحرارة والضغط الداخلي الضروريين بدلاً من الاندماج النووي، ما يسمح للسحب النجمية بالنمو إلى كتل أكبر، ربما تكون كبيرةً بما يكفي للانهيار مباشرةً إلى ثقب أسود.
يقول هايز: «نعتقد الآن أن عمليات مشابهةً لما سبق يجب أن تكون قد حدثت آنذاك لِتكوين الأعداد الكبيرة من الثقوب السوداء التي نلاحظها في الكون المبكر».
هذه مسألة كبيرة يجب التأكد منها طبعًا. مع ذلك، فقد رصد تلسكوب جيمس ويب الفضائي مرشحين محتملين لنجوم مظلمة، ما يدعم هذا الافتراض. ويعتقد هايز أنه في غضون خمس سنوات، قد نحصل على صورة أكثر تفصيلًا لتشكل الثقوب السوداء في الكون المبكر.
اقرأ أيضًا:
المادة المظلمة تحل لغز وجود الثقوب السوداء الهائلة
علماء يُعيدون صناعة نفاثات الثقوب السوداء في المختبر، فما الذي ستكشف عنه؟
ترجمة: حمداش رانية
تدقيق: منال توفيق الضللي
مراجعة: باسل حميدي