بإمكان التفافةٍ صغيرة في طاقة الاندماج النووي أن تنتج طاقة نظيفة لا حدّ لها
في عالم يكافح للتخلص من إدمانه على استخدام الوقود الأحفوري، بينما يتنامى ميله وحاجته الملحة للحصول على الطاقة، هناك تقنية واحدة تتطور الآن حيث تبدو قريبة جدًا من أن تكون واقعية؛ إنها طاقة الاندماج النووي، والتي في حال تحققت فعلًا سوف تقدم كمية كبيرة من الطاقة النظيفة مع مصدر لا متناهٍ من الوقود دون أي انبعاثات تذكر من غاز الكربون، وحاليًا، هناك العديد من الفرق البحثية حول العالم وبلايين الدولارات المجهزة لتصرف لتجعل هذا المشروع حقيقي وفاعل.
في شهر شباط العام الفائت، تم بدء جزء جديد من البحث في طاقة الاندماج النووي، والذي ترافق مع افتتاح رسمي لمفاعل الاندماج النووي التجريبي (Wendelstein 7-X) الذي بني في مدينة غريفروولد في ألمانيا، وقد رصد له حوالي بليون يورو لاختبار التصميم ((stellarator، حيث من المخطط أن يكون قادرًا على أن يعمل لمدة تتجاوز 30دقيقة بحلول عام2021، وهذا يعتبر رقمًا قياسيًا لمفاعل اندماج نووي. تعتبر هذه خطوة هامة في طريق إظهار الميزة الجوهرية لمحطات طاقة الاندماج النووي المستقبلية وهي قدرتها على استمراريَّة العمل.
لكن المفاعل(w_7x) ليس الوحيد من نوعه في المنطقة، ففي جنوب فرنسا يتم الآن بناء المفاعل ITER كمفاعل اندماج تجريبي يستخدم تصميمًا مختلفًا يدعى(Tokamak) ، وبالرغم من أن المفاعلين يستخدمان تصميمين مختلفين، فهما يكملان بعضهما بعضًا، حيث أن النجاح والإبداع الحاصل بإحداهما سيحول إلى محطة نووية فعلية في نهاية المطاف.
إن إنتاج الطاقة النووية على الأرض يعتمد على تقليد التفاعل الاندماجي الذي يجري داخل الشمس، حيث يتم فيه اندماج ذرتين خفيفتين جدًا، كالهيدروجين والهيليوم، والنتيجة تكون ذرة أخف بعض الشيء من هاتين الذرتين المشكلتين لها، والفرق في الكتلة بينهما يتحول إلى طاقة وفقًا لقانون آينشتاين E=mc². لكن الصعوبة تكمن في إمكانية تحريض ذرتين للاندماج معًا، حيث يتطلب هذا تسخين الذرتين إلى ملايين الدرجات المئوية، وإنَّ تضمين وقود مرتفع الحرارة وساخن جدًا ليس بهذا العمل السهل، لذا يتم تحويله أولًا إلى غاز متأين (بلازما) يمكنه التواجد ضمن حقل مغناطيسي، ما يضمن عدم ملامسته للجدران الداخلية للمفاعل.
إن ما يجعل المفاعل w-7x مثيرًا للاهتمام هو تصميمه stellarator المؤلف من غرفة مفرغة من الهواء موضوعة ضمن أنبوب زجاجي ممغنط مصنع من 70ملف فائق الناقلية المغناطيسية، والتي تنتج حقلًا مغناطيسيًّا قويًّا لحصر البلازما المسخنة.
إن كلا التصميمين (Stellarator ,tokamaks ) عبارة عن أنواع مختلفة من الملفات الحلقية المغناطيسية (كعكية الشكل) والتي تعتبر أجهزة حصر في تجربة إنتاج طاقة الاندماج النووي، حيث وفي هذه التجارب يقوم ملف حلقي قوي أو حلقة مغناطيسية بتشكيل الأنبوبة المغناطيسية بهدف حصر البلازما. ولكن من أجل الحصول على حجز جيد ومناسب للهيولى ضمن الغرفة اللولبية الشكل، فإن الحقل المغناطيسي يحتاج إلى تشكيل التفافه. في المفاعلات التي تستخدم نظام توكاماك(tokamak)1 كمفاعل(ITER) يقوم تيار كهربائي كبير بالتدفق عبر البلازما لتحقيق الطريق المنحني الملتف المطلوب، وهذا التيار يستطيع قيادة الالتواءات غير المستقرة التي تؤدي لعرقلة حركة البلازما، وفي حال تعرقلت حركة البلازما هذا يعني أن المفاعل النووي بحاجة إلى جعل الغاز المتواجد داخله يفيض منه بغية التحكم بالبلازما ومنعها من تدمير وتخريب المفاعل المختبر.
أما في تصميم stellarator، فإن الالتفافة في الحقل المغناطيسي تُكتَسب من خلال التفاف الآلة بالكامل حول محورها، وهذا يؤدي إلى التخلص من تأثير التيار الحلقي الكبير مما يجعل البلازما أكثر استقرارًا بصورة جوهرية. إن الكلفة هنا تأتي من الهندسة المعقدة للملفات الحلقية وطريقة التوصل إلى حجز البلازما، ما يعني أن البلازما ستتواجد ضمن الفقاعة المغناطيسية ولكن بصعوبة أكبر.
على الرغم من أن المفاعلين يستخدمان طريقتين مختلفتين في التصميم، إلا أن معظم التقنيات المطبقة عليهما متماثلة، فكلاهما عبارة عن آلات تحتوي ملفات حلقية فائقة الناقلية المغناطيسية، وكلاهما يستخدم أنظمة خارجية لرفع درجة حرارة مثل الترددات الراديوية والحقن بشعاع نووي نيوتروني بهدف تسخين البلازما. كذلك، فإن معظم تقنيات تمييز البلازما واختبارها متماثلة أيضاً.
ضمن محطة الطاقة، سيتم صهر النظائر المشعة للهيدروجين الثقيلة ( الديتيريوم و التيريتيوم) لتتحول إلى الهيليوم مع إطلاق نيوترون ذو طاقة. وطالما أن الهيليوم يكون متضمنًا داخل البلازما فإن النيوترونات تكون ذات شحنة كهربائية محايدة وتتكاثف ضمن الغطاء المحيط بالبلازما ليرفع من درجة حرارتها، الذي يؤدي بدوره إلى تحريك عنفة بخارية تنتج الكهرباء.
إن الصفة المشتركة لجميع أنواع المفاعلات النووية هي الحاجة لتطوير مواد تستطيع تحمل الحرارة المرتفعة المطبقة عليها وسرعة النترونات المولَّدة من التفاعل. فبغض النظر عن نوع المفاعل، أهم ما يجب التأكد منه هو قدرة الجدار الأمامي للمفاعل على تحمل القذف الهائل لجزيئات شديدة الطاقة طيلة فترة تواجدها ضمنه.
في المرحلة الحالية، من المبكر جدًا تحديد أيًا من تصميم المفاعلين سيكون أكثر ملائمة ليصبح محطة نووية فعلية، لكن مجرد البدء في عمليات البحث في مفاعل W-7X يعتبر واعدًا جدًا، فهذا لن يساعدنا بتقرير أي تقنية هي الأفضل فحسب، بل سيساهم بتقديم قاعدة معرفية قيمة لأي تجربة اندماج نووي مستقبلية، ومن الممكن يومًا ما أن نتوصل بالفعل لثورة حقيقية في مجال الطاقة.
1- توكاماك(Tokamak): نوع من أنواع المفاعلات النووية الاندماجية وطريقة لبناء هذه المفاعلات، وتعني الغرفة الدائرية داخل مستحثات مغناطيسية. (ويكيبيديا)
ترجمة: ديالا الأحمدية
تدقيق: منار نعيم