من الجلي أن الجهاز المناعي يمكنه تمييز الخلايا السرطانية عن بقية خلايا الجسم، ومع ذلك، فإنه غالبًا ما يعجز عن إيقاف تكاثرها، ويحاول العلماء فهم السبب في ذلك. توصل علماء من مركز سلون كيترينغ التذكاري إلى معرفة المزيد حول سبب فشل الخلايا المناعية أحيانًا في محاربة السرطان.
تُعَد كيفية تملص الأورام المتنامية من تدمير الجهاز المناعي لغزًا محيرًا؛ فخلايانا المناعية عادة ماهرة في التعرف على الخلايا المتحورة أو الدخيلة والقضاء عليها بسرعة، ولكن في حالة الأورام، تبدو أنها تغض الطرف.
قدمت دراسة جديدة لعلماء من مركز سلون كيترينغ التذكاري أدلة على سبب حدوث ذلك، إذ أعلن فريق بقيادة ديفيد شاينبيرغ في ورقة بحثية نُشرَت في صحيفة إي-لايف عن اكتشاف مذهل للخواص الجزيئية في الخلايا السرطانية التي يتعرف عليها الجهاز المناعي كخواص دخيلة.
تغمر قطع بروتين مريبة الشكل تسمى «المستضدات المستحدثة» سطح الخلية السرطانية، ويمكن للخلايا المناعية التائية المتجولة أن تلتصق بهذه المستضدات عندما تمر بجانبها.
ظن العلماء في السابق أن الأمر الوحيد الذي كان ذا أهمية في حدوث استجابة مناعية ناجحة ضد الخلية السرطانية كان مدى استمناعية هذه المستضدات المستحدثة، أي مدى غرابة شكلهم للخلايا المناعية المتجولة، بيد أن الدراسة الجديدة تقترح أن وفرة المستضدات المستحدثة تؤدي دورًا مهمًا أيضًا.
يقول رون غيجمان، طالب دكتوراه الطب في معمل شاينبيرغ والمؤلف الرئيسي للدراسة: «على غير المتوقع، وجدنا أن الجهاز المناعي لم يستطع تدمير الخلايا ذات المستضدات المستحدثة عالية الاستمناع عندما كانت بوفرة قليلة. بطريقة ما، كان يضيع هذه الخلايا واضحة التحور».
ويقول: «إن النتائج تساعد على تفسير سبب أن الخلايا السرطانية التي يستطيع الجهاز المناعي نظريًا القضاء عليها تتمكن في نهاية المطاف من الهروب من تدميره، بل قد تدلنا أيضًا على سبب تكون الأورام من الأصل».
أداة فعالة في تقديم المستضدات
توصل الفريق إلى هذه الاكتشافات بالاستعانة بأداة تسمى بريزنتر PresentER ابتكرها الدكتور غيجمان؛ وتتيح هذه الأداة للعلماء القدرة على تصميم خلايا منفردة بمستضد مستحدث معين على سطحها، وتخليق الآلاف من هذه الخلايا، كل منها تعرض مستضدًا مستحدثًا مختلفًا، ويمكنهم بعد ذلك حقن فئران بهذه الخلايا وملاحظة أي منها يتعرض إلى التدمير من جهاز مناعتهم.
يقول الدكتور شاينبيرغ، المسؤول عن برنامج علم الصيدلة الجزيئية بمعهد سلون كيترينغ ورئيس مركز العلاجات التجريبية بمركز سلون كيترينغ التذكاري: «عندما بدأنا هذا العمل، كان هدفنا التعرف عما يجعل المستضدات المستحدثة جيدة بما يكفي لاستثارة استجابة مناعية».
على وجه العموم، الخلايا التي لديها مستضدات «جيدة» أو مستمنعة، ستُرصَد من الخلايا المناعية وتُدمَّر، أما التي لديها مستضدات «سيئة» أو غير مستمنعة، فلن تُرصَد وستنجو من التدمير.
وجد الفريق أنه عند وجود المستضد المستحدث المستمنع على أغلب خلايا الورم أو جميعها، يتعرض الورم إلى التدمير، إلا أنه حدث أمر مختلف عندما بدؤوا بتغيير عدد المستضدات الفريدة التي أدخلوها في الفئران وكذلك نِسب الخلايا الحاملة لكل مستضد.
فعندما شكلت نسبة الخلايا ذات المستضدات المستمنعة نحو 10% من العدد الكلي للخلايا المُدخَلة، كان الورم ما يزال يتعرض إلى التدمير، ولكن عندما كانت نسبة الخلايا ذات المستضدات المستمنعة أقل من 1% من الإجمالي، لم يُدمَّر الورم. يقول الدكتور غيجمان: «ظل موجودًا بعد ثلاثة أسابيع».
ليس العلماء متأكدين من سبب أهمية نسبة الخلايا الحاملة لمستضد مستحدث معين، يطلقون عليها أيضًا «النسبة الاستنساخية»، ولكن لديهم بعض الأفكار؛ أحدها أنه عند وجود مستضد مستحدث بوتيرة منخفضة في الورم، لا تُفعَّل الخلايا التائية أو تُحفَّز للبحث عن الخلايا التي تعرض هذا المستضد على سطحها.
وتقترح فكرة أخرى أنه في الواقع الخلايا التائية تُفعَّل ولكنها غير قادرة على إيجاد الخلايا المستهدفة وسط بحر المستضدات الأخرى غير ذات الصلة.
يقول الدكتور غيجمان: «يمكنك تخيل الأمر على أنه أشبه بمحاولة العثور على شجرة واحدة في غابة، ربما لا يمكنهم إيجادها فقط».
وفي وقتٍ لاحق، عندما تنمو هذه المجموعات الصغيرة من خلايا الورم المحورة، يكون قد فات الأوان على الجهاز المناعي ليفعل أي شيء حيالهم.
نتيجة ملفتة للانتباه
وسرعان ما اكتسبت الورقة البحثية اهتمامًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، تحديدًا تويتر.
يظن الدكتور غيجمان أن سبب ذلك كان أن النتائج صادفت الوقت الذي كان فيه الأطباء والباحثون على حد سواء في خضم محاولة فهم بعض الملاحظات المحيرة المتعلقة بالطفرات وجهاز المناعة.
تحتوي العديد من الخلايا غير السرطانية -على سبيل المثال خلايا الجلد التي تعرضتْ إلى الضوء فوق البنفسجي- على عدد كبير من الطفرات، ومن المحتمل الكثير من المستضدات المستحدثة، إلا أنه لا توجد أدلة على أن الجهاز المناعي يزيلها.
على غرار ذلك، تحتوي الأورام في الغالب على خلايا مناعية تتعرف على المستضدات المستحدثة الموجودة فيها، إلا أن الأورام تكون ما تزال قادرة على النمو.
ويميل الأشخاص الذين لديهم أورام شديدة التنوع -أي تضم نسخًا عديدة مختلفة من الخلايا- إلى الاستفادة أقل من أدوية العلاج المناعي مقارنةً بالأشخاص الذين لديهم أورام أكثر تجانسًا.
وفقًا للباحثين، قد يكون سبب حدوث ذلك هو أن «النسبة الاستنساخية» من الخلايا الحاملة للمستضدات المستمنعة تكون أقل من أن تولّد استجابة مناعية فعالة.
يأمل الباحثون أن يصبحوا قادرين على تصميم علاجات مناعية ناجحة للمزيد من الأشخاص -بل وربما القضاء على السرطانات المتنامية في مهدها- بفهمهم لسبب عدم ملاحظة الجهاز المناعي لهذه الخلايا.
اقرأ أيضًا:
كيف يخدع السرطان جهازنا المناعي؟
السرطان: الجهاز المناعي يهاجم الأورام من بُعد
العلاج المناعي للسرطان: أنواعه وآلية عمله
اكتشاف خلية بيضاء تائية جديدة تستطيع القضاء على السرطان
ترجمة: رحاب القاضي
تدقيق: تسبيح علي