باستخدام معدن الثوريوم، قام العلماء باكتشاف ميزة غريبة يمكن استخدامها في نوع جديد من الساعات الذرية، ممهدةً الطريق لطريقة أكثر دقة بكثير لحفظ الوقت.
في الوقت الحاضر، تعتمد التقنيات التي نستخدمها في الساعات العالية الدقة على ضرب الإلكترون بمقدار مناسب من الطاقة لإجباره على الانتقال من مداره، الى مدار أعلى، ثم العودة إلى مداره من جديد.
هذه القفزة الكمومية تأخذ وقتًا دقيقًا جدًا، والذي يمكن أخذه واستخدامه كبندول صغير جدًا، مع ذلك فإن أكثر الساعات الذريّة العملية دقةً اليوم يمكن أن تفقد ما مقداره ثانية كل مئتي مليون سنة تقريًبا.
تتمحور الجهود الحالية حول محاولة زيادة الدقة عن طريق تبريد وزيادة كثافة الجزيئات ولكن تظل احتمالية أن تتأثر الإلكترونات بالخطأ من وقت لآخر.
قبل 15 عامًا، قام فيزيائيون من (Physikalisch-Technische Bundesanstalt) (PTB) في ألمانيا بتناول إمكانية استخدام الحالات الانتقالية (1) في أنوية الذرات كطريقة لقياس الوقت على محمل الجد.
كثافة الجسيمات الموجودة في النواة –مثل تلك الموجودة في ذرة الثوريوم– تعني أنه سيكون من المستبعد جدًا جعلها تضطرب، وبذلك يمكن نظريًا الإبقاء على الإيقاع بفعالية أكثر.
المشكلة الوحيدة هي أن معظم الذرات تحتاج لدفعات قوية (من الطاقة) لجعل أنويتها تنتقل إلى حالة الإثارة بما يكفي لتدق أو تومض، لذلك فأنت تحتاج إلى حزم من أشعة X أو غاما لبدء هذه العملية (وهي أشعة ذات طاقة هائلة).
أنوية نظير الثوريوم (ذات العدد الكتلي 229) تُعرف بإمكانيتها على تكوين شبيه نووي (أيزومر Isomer) مثار في حالة شبه مستقرة وذلك عند تعريضها لضوء فوق بنفسجي، ما يجعلها المرشح الأكثر قوة لاستخدامها في ساعات ذرية ضوئية تعتمد على نواة الذرة.
تحويل النظرية إلى تكنولوجيا عملية على أرض الواقع أثبت أنه تحدّ بلا شك وذلك بسبب المدى الضيق جدًا من الأطوال الموجية اللازمة.
يقول الفيزيائي إكهارد بيك- Ekkehard Peik: «كما هو مرغوب من الساعة، فإن الرنين الناتج عن الانتقال حاد بشكل كبير ولا يمكن ملاحظته إلّا إذا كان تردد ضوء الليزر المستخدم مطابقًا تمامًا لفرق الطاقة بين الحالتين».
«الأمر يبدو كما لو أننا نبحث عن إبرة في كومة قش».
لذلك، فلإيجاد الإبرة، كان على بيك وفريقه معرفة المزيد عن كومة القش.
بالعمل مع باحثين من ميونيخ، قام الفريق بتحليل أشكال شبه مستقرة من أيزومر الثوريوم (229) تم التقاطه في الحالة المثارة وذلك عندما اضمحلت من نواة اليورانيوم (2).
عبر ضرب الذرات المحصورة بالليزر ودراسة الطيف الضوئي الناتج عن تحريك إلكتروناتها (3) يمكن للفريق أن يحدد توزيع الشحنات خلال الأنوية.
النتيجة النهائية كانت صورة أفضل للنواة والتي يمكن أن تستخدم للمساعدة في تقليل المدى المطلوب من الترددات المسؤولة عن جعل النواة تنتقل من حالة الاستقرار لحالة الإثارة، ما يجعلها تدق مثل الساعة.
ليس واضحًا بعد مدى دقة الساعة الذرية المعتمدة على الثوريوم، ولكنها من المؤكد ستفتح نافذة جديدة على طريقة مختلفة لقياس مرور الثواني.
تحسين دقة مثل هذه الساعات، يمكن أن يلعب دورًا مهمًا في بحثنا عن الهوية المراوغة للمادة المظلمة، والتي يمكن رصدها فقط عبر كتلتها التي تقوم بثني الزمن (نسيج الزمكان في النظرية النسبية العامة).
وهذه إبرةٌ نحن متحمسون جدًا لإيجادها.
الهوامش:
- الحالات الانتقالية: عن الإنجليزية states وهي تعني فيزيائيّا –فيما يخص الأنوية- بأنها الشكل الذي يمكن نقل النواة إليه عن طريق فقدها لإحدى نيوتروناتها *الأجسام متعادلة الشحنة* مثلًا، ما يغير العدد الكتلي الكلّي للذرة مشكِّلَةً ما يعرف بالنظائر للعنصر، أو لإنتاج أشباه الذرات والتي تمتلك نفس العدد الذري والعدد الكتلي ولكن مستويات الطاقة الخاصة بها تختلف. هذا ينتج حالات شبه مستقرة تسمى أيزومر، وهي الحالات التي تنتقل إليها النواة المستقرة لتصبح مثارة، ولكن يكون عمر النصف لها أكبر بكثير من العمر الطبيعي للذرات المثارة تقليديًا، وعمر النصف هو العمر المفترض الذي تقوم عنده نصف العدد الكلي من ذرات المادة بالاضمحلال عن طريق إطلاقها لأشعة بطول موجي محدد وذلك لتعود إلى حالتها المستقرة.
- اضمحلال اليورانيوم يتم عبر إطلاقه لسلسلة من الإشعاعات ( بيتا وألفا وغاما) يقوم بعد كل إشعاع منها بالاضمحلال إلى ذرة عنصر آخر في محاولة للوصول إلى حالة الاستقرار النهائية (والتي تنتهي بذرة من عنصر الرصاص المستقر 206)، وأثناء هذه العملية التي تعرف بسلسلة الاضمحلال الإشعاعي لليورانيوم يقوم بالتحول إلى الثوريوم (سلسلة الاشعاع التقليدية لليورانيوم يقوم فيها بالاضمحلال لتكوين نظيرين من الثوريوم) والمهم من المذكور هو تحول اليورانيوم إلى نظير الثوريوم 229 للحصول على النظير المطلوب وهذا يحصل غالبًا في سلسلة اضمحلال اليورانيوم 233.
- عند تعريض الذرة لإشعاع بطاقة كافية فإن إلكترونات موجودة في مدارات معينة في هذه الذرة تقوم بامتصاص الإشعاع وتنتقل بذلك من المدار الموجودة فيه أصلًا إلى مدار بطاقة أعلى، ولكنها تكون غير مستقرة، ما يجعلها تشع الطاقة مجددًا فتعود من هذا المدار الى مدارها الرئيس. وبدراسة الإشعاع الذي تطلقه خلال هذه العملية يمكن معرفة الكثير عن الذرات وإلكتروناتها.
- ترجمة: أسماء الدويري
- تدقيق: محمد نور
- تحرير: زيد أبو الرب