باحثون يعيدون نظرية آلية التوصيل إلى الحياة
استخدم الإنسان أجزاء كبيرة من الطيف الكهرومغناطيسي في تقنيات متنوعة، انطلاقا من الأشعة السينية وصولا إلى أجهزة الراديو، لكن جزءا صغيرا من هذا الطيف بقي بعيدا عن المتناول.
هذا ما يعرف بفجوة التيراهرتز، والتي توجد بين الموجات اللاسلكية والأشعة تحت الحمراء، بحيث نستخدم في تقنياتنا اليومية جزئين من هذا الطيف بما في ذلك الهواتف المحمولة، أجهزة تحكم التلفاز، ومحمصات الخبز.
تمكن من اقترح البروفسور الراحل فليكس بلوخ (FELIX BLOCH) من جامعة ستانفورد والحائز على جائزة نوبل، نظرية حول أن مادة منظمة بطريقة خاصة تسمح للالكترونات بالاهتزاز بطريقة معينة توصيل إشارات التيراهرتز التي نسعى خلفها.
الآن، وبعد مرور عقود على نظرية بلوخ، ربما تمكن فيزيائيون من ستانفورد من تطوير مواد تسمح بهذه الاهتزازات النظرية، والتي ستساهم يوما ما في تحسين التكنولوجيا بدءا من الخلايا الشمسية إلى ماسحات الأجسام بالمطارات.
المجموعة نشرت ما وجدته في عدد 29 سبتمبر من مجلة العلوم.
ابتكارات في المواد فائقة الشبكية
اعتقد الباحثون منذ فترة طويلة، أنه يمكن للمواد ذات الأنماط المكانية المتكررة على مقياس النانو أن تسمح باهتزازات بلوخ، لكن التكنولوجيا ليست قادرة سوى على متابعة ركب النظرية.
تتطلب مثل هذه المواد من الالكترونات أن تسافر لمسافات طويلة دون انحراف، حيث أن أصغر عيب في الوسط الذي تسافر فيه يمكن أن يبعدهم عن المسار الأصلي، مثل تيار من الرياح يحوم حول الصخور أو أوراق الأشجار المتساقطة.
يمكن للأبحاث المزدهرة في مجال المواد الثنائية الأبعاد والفائقة الشبكية أن تجعل هذه المواد حقيقة. فالمواد فائقة الشبكية عبارة عن شبه موصلات مصنوعة عن طريق تصفيف طبقات رقيقة جدا من مواد ذراتها مرتبة بطريقة دورية شبكية.
خلق الباحثون من أجل هذه الدراسة، شبكية فائقة ثنائية الأبعاد عن طريق وضع صفيحة رفيعة من الغرافين بين صفيحتين عازلتين كهربائيا من نتريد البورون.
للذرات في الغرافين ونتريد البورون مساحة تباعد مختلفة، لذلك فعندما يتم وضعها فوق بعضها البعض تخلق موجة خاصة ذات نمط متداخل تسمى ب Moiré Pattern.
استخدامات جديدة للالكترونات
محمية من الهواء والملوثات عن طريق نتريد البورون من تحت وفوق، تتدفق الالكترونات في الغرافين بطريقة سلسة في المسار دون انحراف، تماما كما اقترحته النظرية لتوصيل إشارات التيراهرتز.
تمكن الباحثون من إرسال الالكترونات عبر صفيحة الغرافين، وجمعهم في الجانب الأخر واستخدامهم من تم في الاستدلال على نشاط الالكترونات على طول المسار.
عندما يتم تطبيق جهد عبر الكريستال، عادة ما تتسارع الالكترونات باستمرار في اتجاه الحقل الكهربائي حتى تنحرف.
يقول البروفسور David Goldhaber-Gordon مؤلف مشارك في هاته الدراسة، أنّ في هذه التموجات فائقة الشبكية(Superlattice)، أظهر الباحثون أِّنّ الالكترونات ممكن أن تنحصر في مجال ضيق من الطاقة.
ينبغي أن يؤدي تجمع الانحرافات الطويلة الأمد إلى اهتزاز الالكترونات في مكان واحد وإرسال إشعاعات إلى مدى تردد التيراهرتز.
هذا نجاح رئيسي في الطريق نحو خلق إشعاعات متحكم فيها واستشعارات لترددات التيراهرتز.
بالإضافة إلى قرب جعل نظرية بلوخ حقيقة، وجد الباحثون تغيرا مفاجئا تماما في التركيب الالكتروني للمواد ذات التموجات فائقة الشبكية.
يقول البروفسور “Goldhaber-Gordon ” في شبه الموصلات، كالسيلكون مثلا، يمكننا تعديل عدد الالكترونات المجمعة في هذه المواد”. إذا وضعنا المزيد، ستتصرف وكأنها مشحونة سلبيا.
إذا أزلنا بعضها، فان التيار الذي يتحرك من خلال النظام سيتصرف كما لو أنه مكون من شحنات موجبة، على الرغم من أنها جميعها الكترونات.
لكن خلقت هذه المواد ذات التموجات فائقة الشبكية حيلة جديدة: إضافة المزيد من الالكترونات ينتج جزيئات ذات شحنة موجبة وإزالة المزيد منها يرجعها سالبة.
يكمن أن تأخذ التطبيقات المستقبلية لهذا التحول في طبيعة الالكترونات شكل وصلة ثنائية أكثر كفاءة، والتي تشكل اللبنة الأساسية لمعظم الأجهزة الالكترونية كشبه الموصلات، الخلايا الشمسية، الصمامات الثنائية الباعثة للضوء (LED)، الترانزستور.
إذا سلط أحد الضوء على الوصلة الثنائية، مرسلا إلكترونا واحدا لكل فوتون مستوعب فهو يعتبر أداء ممتازا. لكن هاته الوصلة الجديدة يمكن أن تنبعث منها الكترونات لكل فوتون، حاصدة طاقة الضوء بفعالية أكثر.
التيراهرتز وستانفورد، بين الماضي والحاضر
يقول Meenyoung Lee، مؤلف مشارك في هذه الدراسة بصفته طالب دراسات عليا في مجموعة Goldhaber: في حين أنّ هذا البحث الجديد لم يتمكن بعد من خلق مذبذب بلوخ، فقد حقق العلماء الخطوة الأولى في طريق إظهار أنّ الزخم وسرعة الإلكترون يمكن الحفاظ عليها لمدة ومسافة طويلة داخل هاته المواد ذات التموجات فائقة الشبكية.
يقول “Lee ” نحن نطبق الدروس الأولى والأصلية لفيزياء الحالة الصلبة التي اكتشفها فليكس بلوخ منذ مدة طويلة، و اتضح أنّ بإمكاننا استخدام ذلك لقيادة ظواهر توصيل فريدة من نوعها في المواد الهندسية الجديدة.
يكمن لتقنية ترددات تيراهرتز أن يكون لها وقع ايجابي على التكنولوجيا الحالية.
عندما تفحص المطارات الامريكية الركاب عند نقاط التفتيش، فإنها تستخدم الموجات الدقيقة، التي تخترق المواد الغير المعدنية لتكشف عن المواد المعدنية المخفية.
وأوضح Goldhaber أنّ تيراهرتز له خصائص انتقال مماثلة ولكن بموجة أقصر، وربما يكتشف الأجسام الغير المعدنية المخفية بدقة عالية.
وأضاف أنّ الماسحات الضوئية التي تستخدم التيراهرتز يمكن استخدامها للكشف عن العيوب كالتجاويف مثلا في الأشياء عند خط الإنتاج.
عزز التوصيل الالكتروني النظيف الذي اثبت في هذا العمل أيضا فهم الطرق التي تتفاعل بها الالكترونات و تتدفق، وقال Goldhaber أنّ مختبره يخطط لاستخدام هذه الاكتشافات للعمل على خلق أشعة ضيقة جدا من الالكترونات وإرسالها عبر المواد ذات التموجات فائقة الشبكية.
وأطلق على هذا الميدان” الالكترونات البصرية في المواد ثنائية الأبعاد” لأن هذه الأشعة بإمكانها السفر في خط مستقيم وإطاعة قوانين الانكسار على نحو مماثل لأشعة الضوء.
يقول Goldhaber “سيمكننا هذا المجال من فتح إمكانيات جديدة” ونحن فقط في بداية استكشاف ما يمكننا فعله.
إعداد : رشيد العناية
تدقيق: بدر الفراك
المصدر