الصداع النصفي هو اضطراب من الصّعب جدًّا دراسته. حيث أنه بين النوبات يكون المريض بحالة صحية جيدة، مما يصعب اكتشاف المرض الكامن. في أكبر دراسة للصداع النصفي حتّى الآن، قام فريق دولي من الباحثين بتحديد مناطق جينية في الحمض النّووي للإنسان مرتبطة ببداية وقابلية المرء للإصابة بالصداع النصفي.
في هذه الدراسة، وجد الباحثون 5 مناطق جينية تم ربطها لأول مرة بظهور الصداع النصفي. من المتوقّع أن تفتح هذه الدراسة أبواباً جديدة أمام فهم السبب والبواعث البيولوجية التي تكمن وراء نوبات الصداع النصفي.
في البداية، حدد الفريق 12 منطقة جينية مرتبطة بقابلية الإنسان للإصابة بالصداع النصفي. ثمانية منها وُجدت في أو بالقرب من الجينات المعروفة بلعبها دوراً في السيطرة على الدارات الدماغية واثنتان مرتبطان بالجينات المسؤولة عن سلامة أنسجة المخ. قد يكون تنظيم هذه الممرات مهماً جداً لتحديد القابلية الوراثية للإصابة بالصداع النصفي.
الصداع النصفي هو اضطراب مرهق يصيب ما يقرب من 14% من البالغين. وقد وضع مسح عبئ المرض العالمي الذي أجرته منظّمة الصّحّة العالميّة في العام 2012 الصداع النصفي في المرتبة السابعة بين الأمراض التي تسبب عجز المصاب, وقُدر الصداع النصفي على أنه الاضطراب العصبي الأكثر كلفة. وهو اضطراب في غاية الصعوبة من حيث الدراسة لأنه لم يتمّ اكتشاف أي مؤشرات حيوية واضحة بين النوبات أو حتى خلالها حتى الآن.
يقول الدكتور ارنو بالوتي، من معهد ويلكوم ترست سانجر: “لقد طورت هذه الدراسة بشكل كبير البصيرة البيولوجية عن سبب الصداع النصفي”، ويتابع “الصداع النصفي والصرع هما حالتان عصبيتان تصعب دراستهما، وبين النوبات يتمتع المريض بصحة جيدة لذلك فإنه من الصعب للغاية اكتشاف دلائل بيوكيميائية لهما, لقد ثبت أن هذا هو النهج الأكثر فعالية لدراسة هذا النوع من الاضطرابات العصبية وفهم البيولوجيا الواقعة في قلب هذه الحالات”.
اكتشف الفريق العوامل التي تجعل الإنسان عرضة للإصابة بالصداع النصفي من خلال مقارنة النتائج من 29 دراسة جينية مختلفة تمت على 100,000 حالة من المصابين بالمرض إضافة لعينات المراقبة. ووجدوا أيضاً أن بعض المناطق المتعلقة بقابلية الإصابة تكمن على مقربة من شبكة من الجينات التي تعتبر حساسة للإجهاد التأكسدي، وهي عملية بيوكيميائية تؤدي إلى خلل في الخلايا.
ويتوقع الفريق أن العديد من الجينات في المناطق الجينية المتعلقة بالصداع النصفي مترابطة ويحتمل أن تكون مسؤولة عن تعطيل اللائحة الداخلية من الأنسجة والخلايا في الدماغ، مما يؤدي إلى ظهور بعض أعراض الصداع النصفي. “لم يكن من الممكن لنا التوصل لأي اكتشافات من خلال دراسة مجموعات صغيرة من الأفراد”، تقول الدكتور جيزيلا تيرويند, وهي المؤلف المشارك من المركز الطبي لجامعة لايدن. وتتابع “هذا الأسلوب من دراسة نطاق واسع من العينات يشمل أكثر من 100,000 عينة من أشخاص أصحاء ومصابين يعني أننا يمكن أن نستخلص الجينات المشتبه بضلوعها في المساهمة بالإصابة ومتابعتها في المختبر”.
حدد الفريق 134 منطقة جينية إضافية والتي ربما تكون مرتبطة بقابلية الإصابة بالصداع النصفي ولكن مع أدلة إحصائية أضعف. ولا يزال دور هذه المناطق فيما إذا كانت كامنة وراء قابلية الإصابة بالصداع النصفي أو لا بحاجة لتوضيح أكبر. تظهر دراسات أخرى مشابهة أن هؤلاء الجناة الأضعف إحصائيا يمكن أن يلعبوا دورًا مساويًا في البيولوجيا الكامنة وراء الإصابة بأمراض أو اضطرابات أخرى.
يقول د. كاري ستيفانسون، وهو رئيس مجمع فك الشيفرات الوراثية، “إن الآليات الجزيئية للصداع النصفي غير مفهومة جيدا. ويمكن للمتغيرات التسلسلية التي كشفت من خلال هذا التحليل التتابعي أن تصبح موطئ قدم لمزيد من الدراسات لفهم أفضل للفيزيولوجيا المرضية للصداع النصفي”.
“هذا النهج في البحث هو الطريقة الأكثر فعالية للكشف عن البيولوجيا الكامنة وراء هذه الاضطرابات العصبية”، يقول د. مارك دالي، من مستشفى ماساتشوستس العام ومساهم في معهد برود الذي يتبع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد. ويكمل “إن وجود دراسات فعالة تعطي نتائج بيولوجية أو كيميائية حيوية إضافة إلى أفكار جديدة هو أمر ضروري إذا أردنا الوصول إل تعامل مفيد مع هذه الحالات المنهكة, متابعة هذه الدراسات مع وجود عينات أكبر وخرائط أكثر كثافة للعلامات البيولوجية سوف يزيد حتمًا من قوتنا وقدرتنا على تحديد جذور ومسببات هذا الاضطراب المسبب للعجز”.