يظهرُ انفجارٌ فريد لنجم عملاق في مجرة درب التبانة كان موجودًا منذ مليارات السنين في عصر الفجر الكوني.

التركيبةُ الكيميائيةُ للنجمِ المعروف باسم J0931+0038 غريبةٌ جدًا لدرجة أن يكون مكوّنًا من بقايا نجمٍ ضخمٍ على الأقل 50 مرة من كتلة الشمس، الذي كوّن تلك العناصر قبل أن ينفجر في شكل مستعر أعظم.

ووفقًا للنظرية العلمية، فإنه أمر غريب؛ لأن انهيار نجم بهذا الحجم الضخم سيحوّله مباشرة إلى ثقب أسود عند موته، فلا يتحوّل إلى مستعر أعظم ولا يجمع مثل هذه العناصر الغريبة.

يقول عالم الفلك أليكس جي من جامعة شيكاغو ومسح السماء الرقمي (SDSS)، الذي قاد البحث: «لم نرَ شيئًا مثله من قبل، ومهما حدث في ذلك الوقت، فقد كان مدهشًا. لقد أطلقنا على السلف النجمي أو السابق للمستعر الأعظم اسم “نجم باربنهايم” نسبة إلى توليد النواة الذرّية المذهلة».

إن إنتاج معظم العناصر في الكون من مسؤولية النجوم. فبعد الانفجار العظيم قبل 13.8 مليار سنة، عندما برد كلّ شيء بما فيه الكفاية لتكوين الذرّات، مُلِأ الفضاءُ بموادٍ مكوّنة في أساسها من الهيدروجين وقليل من الهيليوم، وهي المادة التي منها وُلِدَ النجم الأول.

النجوم هي مصانع للعناصر، مع طرائق متميزة لخلق مواد جديدة في عملية تعرف باسم التخليق النووي، إذ تعتمد على عملية الاندماج التي تحدث في نواتها، حيث تتحطم الذرّات معًا لتكوين عناصر أثقل.

ومع ذلك، يتوقف هذا عند عنصر الحديد؛ إذ إن دمج الحديد في شيء أثقل يستلزم طاقةً أكثر مما يخلق، لذا تُعتبر نهاية اللعبة للنجم.

عندنا ينفجر نجم ما، تنشأ العناصر الأثقل في البيئة المفعمة بالطاقة الهائلة للنجم المتفجر. بالإضافة إلى منتجات الاندماج، تُطرد هذه العناصر إلى الفضاء، وتُدمج في الأجيال التالية من النجوم.

تخبرنا تركيزات المواد الكيميائية في النجوم الكثير عن تاريخها. فالنجوم التي وُلِدَت مؤخرًا، على سبيل المثال، تحتوي على تركيزات أعلى من العناصر الأثقل من الهيليوم، ويعد ذلك أداة مفيدة لتحديد عمر النجم. ويمكن أن تخبرنا العناصر المختلفةعن النجوم التي ظهرت قبلها، التي صُنعت العناصر الأثقل فيها في الأساس.

نجم J0931+0038 هو عملاق أحمر ذو كتلة منخفضة، موجود في المنطقة التي تحتوي على قرص درب التبانة المعروف باسم الهالة المجرية. توجد الكثير من النجوم القديمة والغريبة في الهالة المجرية؛ لذلك يلجأ الفلكيون غالبًا إلى البحث هناك عن دلائل حول الكون المبكر.

التُقط النجم J0931+0038 لأول مرة بواسطة SDSS في عام 1999، ولكن ليس بالألوان. حتى عام 2019 التقطت متابعة للطيف الضوئي الكامل النجم، وهو مفتاح تحديد تركيبه الكيميائي، إذ يمتص العناصر المختلفة ويعيد إشعاع الضوء في أطوال موجية محددة.

كشف طيف J0931+0038 تركيبًا كيميائيًا غير مشاهد من قبل. كان منخفضًا بصورةٍ مذهلة في العناصر ذات الأرقام الفردية في الجدول الدوري، مثل الصوديوم والألمنيوم، ولكنه كان غنيًا بالعناصر القريبة من الحديد، مثل النيكل والزنك. ثم كانت وفرة العناصر الأثقل من الحديد، مثل السترونشيوم والبلاديوم، أعلى بكثير مما يجب أن تكون عليه.

تقول عالمة الفلك جينيفر جونسون من جامعة ولاية أوهايو: «نرى أحيانًا واحدة من هذه الميزات في وقت واحد، لكننا لم نرها مسبقًا كلها في نفس النجم».

توصل الفريق إلى أن معظم المعادن التي عُثر عليها في J0931+0038 يجب أن تكون من مصدر نووي واحد فقير جدًا بالمعادن: نجم يبلغ كتلته 50 إلى 80 مرة كتلة الشمس انفجر، وطرد أحشائه في الفضاء، وترك وراءه سحابة من المواد منها وُلد J0931+0038.

الحقيقة أن توقُع انهيار نجم بهذه الضخامة بفعل الجاذبية نحو الداخل بدلاً من الانفجار نحو الخارج، جزء من المشكلة.

تقول عالمة الفلك سانجانا كورتيس من جامعة كاليفورنيا، بيركلي، التي شاركت في قيادة البحث: «بصورةٍ مدهشة، لا يمكن لأي نموذج حالي لتكوين العناصر أن يفسر ما نراه، إذ إننا لا يمكننا فقط تعديل شئ هنا وهناك حتى تعمل النظريات، ولكن نمط العناصر يظهر شبه متناقضٍ تمامًا».

إنه لغز ما زال دون حل. وفقط في حالة العثور على المزيد من هذه الظواهر الغريبة، ونمذجة تكوينها، سيكشف كيف عاشت نجمة “باربنهايمر”، وكيف ماتت، وتركت بصماتها خلفها لتحل اللغز بعد مرور عصور طويلة.

اقرأ أيضًا:

العثور على كوكب بحجم الأرض يدور حول نجم قريب!

الجاذبية بين نجمين يدوران حول بعضهما؛ ظاهرة كونية تعجز قوانين الفيزياء عن تفسيرها

ترجمة: ياسمين سيد نبوي

تدقيق: غفران التميمي

المصدر