في وقت سابق من هذا العام أعلن العلماء عن اكتشاف رائع، انفجار راديوي سريع يُسمى FRB121102، لم يكن يتكرر فحسب، بل يتكرر في دورة تمكن ملاحظتها.
مدة 67 يومًا كان المصدر صامتًا، ثم نشط مجددًا نحو 90 يومًا، مطلقًا توهجات راديوية متكررة وسريعة، ما إن تنتهي حتى تبدأ، وتستغرق أجزاء من ألف جزء من الثانية، قبل أن يصمت مجددًا وتتكرر الدورة التي تستغرق 157 يومًا.
ومع ذلك، فإن الاندفاعات الراديوية غامضة للغاية، ولا يوجد ما يضمن استمرار تلك الدورة. لذلك من المثير جدًا أن نرصد توهج المصدر مرة أخرى، بما يتسق نوعًا ما مع توقعات دورات نشاطه.
هذا يشير إلى الفائدة الكبرى لمراقبة مصادر الانفجارات الراديوية المعروفة، وأيضًا الاستمرار في مراقبة FRB121102 لفهم سبب تلك الظاهرة.
الانفجارات الراديوية السريعة -كما يشير الاسم- هي انفجارات موجات راديو سريعة جدًا، إذ تدوم فترات تُقاس بالميلي ثانية، تصدر من مجرات تبعد عنا ملايين السنين الضوئية. وهي أيضًا قوية جدًا، إذ تُصدِر في غضون ذلك الزمن القصير طاقة تعادل مئات الملايين مثل الشمس.
في معظم الأحيان تتوهج مرة واحدة ولا نسمع عنها بعد ذلك، ما يؤدي إلى استحالة توقع مواعيدها أو تتبع آثارها. ولا نعرف السبب الحقيقي وراء تلك الانفجارات، مع أن الأدلة الحديثة تشير بقوة إلى نوع من النجوم النيوترونية يُسمى النجوم المغناطيسية.
لكن اكتُشف عدد من الانفجارات الراديوية التي أظهرت طابعًا تكراريًا، قد تكون من مفاتيح اللغز، على الأقل جزئيًا.
قبل أن يكتشف العالم كاوستوب راجواد وفريقه التابع لجامعة مانشستر دورة انفجار FRB121102، كان الانفجار شهيرًا بالفعل كونه أنشط الانفجارات السريعة المكتشفة، إذ تكرر الانفجار عدة مرات منذ اكتشافه عام 2012.
ولأنه يتكرر، يستطيع العلماء مشاهدة نشاطه وتتبعه إلى المجرة التي يصدر منها. كان هذا أول انفجار راديوي سريع يمكن أن ننسبه إلى مصدر محدد، وهو منطقة تشكل النجوم في مجرة قزمة تبعد عنا 3 مليارات سنة ضوئية.
اكتُشف نشاطه الدوري اعتمادًا على بيانات رصدية استغرقت 5 سنوات، ما يضع قيودًا مهمة على معرفة السبب الذي يكمن وراءه.
مثلًا، الكتل الضخمة للنجوم الثنائية متضمنةً النجوم النيوترونية المصدرة للأشعة السينية في مجرة درب التبانة، قد يكون لها فترات مدارية تبلغ مئات الأيام.
لكن توجد بعض الثنائيات ذات فترات دورية قصيرة جدًا. وهو ما يمكن استبعاده حين نفكر في FRB121102.
أما الآن فتدعم دورته مجموعة جديدة من الملاحظات، لكن التوقيت قد يتطلب مراجعة.
اكتشف فريق بقيادة العالمة مارلين كروسيس من معهد ماكس بلانك لعلم الفلك الراديوي 36 انفجارًا لـ FRB121102 باستعمال التليسكوب الراديوي (Effelsberg 100-m) بين سبتمبر 2017 ويونيو 2020. وبالمقارنة ببيانات بحث راجواد استنتج الفريق أن الدورة تستغرق 161 يومًا، في الورقة الأولية التي نُشرت على موقع arxiv.
توقعت تلك الورقة فترة نشاط المصدر من 9 يوليو إلى 14 أكتوبر.
إضافةً إلى كروسيس وفريقها، بحث فريق بقيادة بي وانج من المرصد الوطني الفلكي في الصين، باستخدام التليسكوب الراديوي الكروي لمراقبة موقع FRB121102 في أوقات مختلفة بين شهري مارس وأغسطس 2020.
منذ منتصف مارس حتى أواخر يوليو لم تُرصَد أي انفجارات. لكن بحلول 17 أغسطس، اكتُشف ما لا يقل عن 12 انفجارًا لـ FRB121102، ما يعني أن المصدر دخل حالة النشاط مجددًا. مع أن الفريق حسب فترة دورية مختلفة عن كل من فريقي راجواد وكروسيس.
وفقًا لما جاء في بحثهم: «نحن نجمع بين الانفجارات التي جمعها راجواد وكروسيس، مع الكشف الجديد للتلسكوب الراديوي الكروي FAST عامي 2019 و2020، لنحصل على دورة ملائمة تبلغ 156.1 يومًا».
وفقًا للورقة البحثية، من المقرر أن تنتهي مرحلة النشاط بين 31 اغسطس و9 سبتمبر 2020. إذا استمر FRB121102 في إظهار نشاطه بعد تلك التواريخ، فهذا يعني أن حتى حسابات تلك الدورة لم تكن دقيقة بالقدر الكافي، أو أنها تطورت بطريقة ما.
وذلك يشير إلى أن حسابات الفترة الدورية بحاجة إلى تطوير، على أي حال سنستمر في مراقبة FRB121102.
وختم الباحثون: «نشجع على المزيد من الجهود الرصدية المساهمة من المراصد الراديوية الأخرى حول العالم».
اقرأ أيضًا:
موجات راديوية غريبة تتكرر كل 157 يومًا
ربما رصدنا بالفعل أول اندفاعات راديوية سريعة في مجرتنا
ترجمة: آية قاسم
تدقيق: أكرم محيي الدين