خلصت دراسة جديدة نُفذّت على أكثر من 25.000 شخص إلى أن كبار السن أقل استعدادًا للمجازفة من أجل المكافآت المحتملة، والسبب قد يكون تراجع مستويات الدوبامين في أدمغتهم.
نُشرت دراسة في مجلة ««Current Biology خلُص فيها الباحثون إلى أن كبار السن أقل عرضة لاختيار رهانات خطرة لربح نقاط أكثر في أحد تطبيقات الهواتف الذكية، والذي يسمى تجربة الدماغ العظيم. ومع ذلك فإنهم لم يظهروا اختلافًا مع المشاركين الأصغر سناً عندما يتعلق الأمر باختيار رهانات خطرة لتجنب خسارة النقاط. من الشائع الاعتقاد بأن كبار السن لا يخاطرون لكن الدراسة أظهرت بالضبط نوع المخاطرات الي يتجنبها كبار السن.
إن تناقص اختيار المخاطرة المطرد مع التقدم في العمر يتماشى مع التناقص المطرد لمستويات الدوبامين، حيث تتناقص مستوياته بنسبة تصل إلى 10% لكل عقد من حياة البالغين.
والدوبامين هو مادة كيميائية في الدماغ تشارك في التنبؤ بالأفعال التي ستقود إلى مكافآت، وقد وجد الباحثون أن المتطوعين قد مالوا بشكل ملموس لاختيار رهانات أكثر خطورة ليربحوا المزيد من المال عند إعطائهم عقاقير تزيد من مستويات الدوبامين لديهم.
يشرح الكاتب الرئيس الدكتور روب روتلديج « Dr. Robb Rutledge» من معهد «UCL» المتخصص بعلم الأعصاب ومركز ماكس بلانك لأبحاث الطب النفسي المحوسب والتقدم في السن « UCL Institute of Neurology and Max Planck UCL Centre for Computational Psychiatry and Ageing Research »: «عندما نتقدم في العمر فإن مستويات الدوبامين لدينا تتناقص طبيعياً، مما يفسر سبب انخفاض بحثنا عن الربح، إن الآثار التي رأيناها في التجربة قد تعود إلى تراجع الدوبامين، حيث لوحظ ارتباط العمر بنوع واحد من المخاطرة وانعكس ذلك بالتأثيرات المعروفة لعقاقير الدوبامين في اتخاذ القرار. إن كبار السن ليسوا أكثر نفوراً من المجازفة عموماً، ولم يرتكبوا أخطاء أكثر مما فعل صغار السن. إن كبار السن ببساطة أقل انجذابًا للجوائز الكبيرة مما يجعلهم أقل رغبة بالمخاطرة للحصول عليها».
تضمنت التجربة 25.189 مستخدماً للهواتف الذكية والذين لعبوا لعبة في تطبيق تجربة العقل العظيم على الهواتف الذكية والتي تشتمل على الرهان من أجل النقاط. يبدأ اللاعبون بـ500 نقطة ويحاولون ربح النقاط قدر المستطاع ضمن 30 اختبارًا مختلفًا حيث يتوجب عليهم الانتقاء بين الخيار الآمن أو مقامرة خطرة باحتمال 50/50.
في اختبارات «الربح» يمكن للاعبين أن يختاروا إما عدداً مضموناً من النقاط أو فرصة 50/50 لربح عدد أكبر من النقاط أو ربح لا شيء. اختبارات الخسارة كاختبارات الربح، لكن بالاتجاه المعاكس حيث يمكن للاعبين أن يخسروا عدداً ثابتاً من النقاط أو المقامرة، بحيث يخسرون عددًا أكبر من النقاط أو لا يخسرون شيئًا. في الاختبارات المختلطة يمكن للاعبين أن يختاروا إما صفراً من النقاط أو المقامرة مع فرصة ربح أو خسارة نقاط.
في المتوسط، كل المجموعات العمرية اختارت أن تقامر فيما يقارب 56% في اختبارات الخسارة و67% في الاختبارات المختلطة، وفي اختبارات الربح: قامرت مجموعة أعمار 18-24 سنة في 72% من الاختبارات، وتنافص هذا الرقم طردياً إلى 64% في مجموعة أعمار 60-69.
تضمنت هذه الدراسة كذلك معادلات رياضية سمحت للدارسين ببناء توقعات محددة حول مقدار خسارة الدوبامين التي من شأنها أن تؤثر في اتخاذ القرار.
يقول الدكتور روتليدج: «قد يفسر فقدان الدوبامين سبب انجذاب كبار السن بشكل أقل إلى الوعد بمكافآت محتملة. لمْ تتأثر القرارات المتضمنة على خسارة محتملة وقد يعود ذلك للعديد من العمليات المهمة تجاه الخسارة والتي لا ترتبط بالتقدم بالسن».
«غالباً ما يؤطر منظمو الحملات السياسية قرارات التصويت بأطر سلبية، مثلاً عن طريق القول إن معيشة الأسر في المملكة المتحدة ستنخفض ما يقارب 4.300 يورو إن قررت المملكة المتحدة مغادرة الاتحاد الأوروبي، وأفضل بـ4.300 يورو في حال بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي أفضل. فهم يعلمون، مسبقًا، أن الرسائل السلبية تقنع كبار السن، في حين أن نهجاً أكثر تفاؤلاً يؤكد على عوائد كبيرة محتملة قد يروق أكثر لصغار السن، الذين هم أقل احتمالاً للتصويت. تعرض نتائجنا الجديدة تفسيراً محتملًا قائمًا على علم الأعصاب مقترحةً أن التراجع الطبيعي في مستويات الدوبامين مع العمر قد يجعل الناس أقل تقبلاً للنهج الإيجابية مما كانوا عليه عندما كانوا أصغر».
تقول الدكتورة راليزا ستويانوفا «Dr Raliza Stoyanova» من فريق علم الأعصاب والصحة العقلية في ويلكم «Wellcome»، والذي قام بتمويل الدراسة: «تُعدّ هذه الدراسة مثالًا ممتازًا عن استخدام التقانة الرقمية لإنتاج رؤى جديدة ومتينة حول عمل الدماغ. تسمح تطبيقات الهواتف الذكية للباحثين بالتقاط ‘اتخاذ القرار’ خارج شروط المختبر النموذجية والوصول إلى مزيد من الناس من مختلف الخلفيات أكثر مما يتاح عادةً. وسيكون من المثير أن نرى المزيد الذي ستكشفه البيانات المتولدة من تجربة الدماغ العظيم حول الخطر واتخاذ القرار بالإضافة لعمليات الدماغ المعقدة الأخرى كالذاكرة والانتباه».
إعداد: نورا ريّا
تدقيق: صفاء قرحيلي
المصدر