تعاني امرأة مرضًا نادرًا يجعلها تفقد الوعي كلما حاولت الوقوف، لكن الآن، وبفضل جهاز جديد يضع زرعة إلكترونية في نخاعها الشوكي لتنبيه أعصابه، تتمكن هذه المرأة من الوقوف والمشي.
استعمل الباحثون مؤخرًا نفس الزرعة الإلكترونية لعلاج ثلاثة رجال لديهم إصابات شالّة في النخاع الشوكي، إذ تنبه الزرعة الإلكترونية أعصابًا معينة في النخاع الشوكي للمصابين، التي تنشّط بدورها عضلات الجذع والساقين. وسمح ذلك للرجال بالوقوف والمشي وحتى استعمال الدراجة الثابتة.
أما عند هذه المرأة، فإن الزرعة الإلكترونية تنبه الأعصاب الشوكية التي تقبض الشرايين في الجذع والساقين بدلاً من ذلك. عادةً، عندما تجلس أو تقف يهبط ضغط دمها وهذا غالبًا ما يسبب إغماءها، وذلك بسبب تدفق غير كافٍ للدم والأكسجين إلى الدماغ. تجعل الزرعة الإلكترونية الشرايين تنقبض في الجزء السفلي من الجسم، فتحدّ من الانخفاض الحاد في ضغط الدم ما يحميها من فقدان الوعي.
قالت جراحة الأعصاب في مستشفى جامعة لوزان الدكتورة جوسلين بلوخ، والأستاذة المساعدة في جامعة لوزان في سويسرا التي عالجت المرأة وشاركت في تأليف تقرير عن حالتها: «قبل تلقي الزرعة الإلكترونية كانت المريضة تفقد الوعي يوميًّا عدة مرات حتى كل مرة تذهب فيها إلى الحمام»، وأضافت أنه بعد وضع الزرعة الإلكترونية «كان مدهشًا رؤيتها واقفة ولا تغشي على الفور ثم تمشي». وقد نشر الباحثون تقريرًا يصف حالة المرأة في مجلة نيو إنجلاند الطبية في 7 أبريل 2022.
بالنظر إلى تقييمات المريضة قال الدكتور خوسيه ألبرتو بالما، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب في كلية غروسمان للطب بجامعة نيويورك الذي لم يشارك في حالتها: «إنها بلا شك فوائد ذات صلة سريريًّا».
وقد قال بالما في رسالة لموقع لايف ساينس عن النتائج: «يجب تفسيرها بحذر شديد، لأن هذه حالة واحدة دون أي نوع من مجموعات الإحصائية الأخرى (كالتعمية أو التحكم)، لذلك يوجد احتمال كبير للانحياز»، وقال أيضًا إنه من المهم أن نتذكر أن الزرعة الإلكترونية حسنت نوعية حياة المريضة لكنها لم تعالج مرض التنكس العصبي الأساسي الذي تعانيه الذي قد يكون قاتلًا.
إغلاق الحلقة
يظهر هبوط ضغط الدم الانتصابي عند المرأة نتيجة مرض تنكسي عصبي نادر نسبيًا يُسمى الضمور الجهازي المتعدد (MSA). وفقًا للمعهد الوطني للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية، يُسبب المرض المتفاقم خللًا وظيفيًا في الخلايا العصبية في الدماغ والنخاع الشوكي وموتها في النهاية، إضافة إلى ظهور كتل مُعيبة من البروتين في خلايا دماغية معينة.
يصيب MSA جزء الجهاز العصبي المتحكم بوظائف الجسم اللاإرادية، كضغط الدم والتحكم بالمثانة، ويؤذي أيضًا الباحات الرئيسية في الدماغ المشاركة في التحكم بالحركة والتنسيق. قال بالما: «يُصيب هبوط ضغط الدم الانتصابي 80% تقريبًا من مرضى MSA وهو سمة أساسية للمرض».
ونوّه بأن الأدوية التي تسبب انقباض الأوعية الدموية أو تُحفز احتباس الماء والملح قد تساعد في تخفيف الأعراض، ولكن في حالة هذه المريضة لم توقف الأدوية نوبات الغشي.
قبل تلقي الزرعة الإلكترونية كانت المريضة تشعر بالدوار عندما تحاول الوقوف ويُغمى عليها من ثلاث إلى أربع مرات يوميًّا. بعد إحدى النوبات التي حدثت بعد ثوانٍ من وقوفها بقيت المريضة طريحة الفراش مّدة 18 شهرًا تقريبًا.
قالت بلوخ إنه عند هبوط ضغط الدم تكشف خلايا حساسة في القلب ذلك وتُوجّه رسالة إلى الدماغ. ثم يبعث المخ إشارات عبر أعصاب النخاع الشوكي لانقباض الشرايين وتسريع نبض القلب، ما يُؤدي إلى رفع ضغط الدم ثانيةً. مع ذلك قالت بلوخ أن حلقة التلقيم الراجع هذه التي تسمى بمنعكس الضغط قد كُسِرت بحالة المريضة.
أصلحت بلوخ وزملاؤها سابقًا هذه الحلقة عند المصابين بأذيات شالّة بالنخاع الشوكي، لذلك اعتقدوا أن نفس العلاج قد ينجح مع مريض MSA.
تتضمن الزرعة الإلكترونية جهازًا يولّد نبضات كهربائية ويحوي مقياس تسارع يكشف التغيرات في وضع الجسم، ثم يتصل مولد النبضات بسلك ناعم بشكل مجداف يحمل 16 قطبًا ناقلًا للنبضات إلى أعصاب النخاع الشوكي.
خضعت المريضة لعملية جراحية لوضع مولد النبضات في بطنها ووضع المجداف حامل الأقطاب مباشرة فوق أعصاب النخاع الصدري تحت الفقرات. ونوّهت بلوخ بأن الإجراء يحمل قليلًا من خطر الإنتان وإصابة النخاع الشوكي. وبعد وضع الزرعة الإلكترونية، من الممكن تشغيلها أو إطفاؤها بواسطة برنامج على لوحة إلكترونية خارج الجسم.
نتائج واعدة
بعد العملية خضعت المريضة لما يسمى اختبارات الطاولة المائلة لسبعة أيام، إذ راقب أطباؤها ضغطها الدموي في أثناء نقلها من الوضع الأفقي إلى العمودي. وأوقفت الزرعة الإلكترونية نوبات الدوار وهبوط الضغط لدى المريضة.
أكملت المرأة ستة أسابيع من إعادة التأهيل العصبي في المشفى وسُمِح لها باستعمال الجهاز في المنزل بعد ثلاثة أسابيع. وبعد التدريب لم تعد تعاني الإغماء والأعراض السابقة لهذه النوبات كالطنين والدوار أثناء الوقوف أو التبول.
قبل العملية كانت المريضة تمشي 5 أمتار تقريبًا فقط قبل الحاجة إلى الاستلقاء. بعد أسابيع قليلة من وضع الزرعة الإلكترونية أصبح بوسعها المشي 10 أضعاف تلك المسافة تقريبًا بجهاز المشي، وبعد ثلاثة أشهر تمكنت من المشي 50 ضعف تلك المسافة تقريبًا.
بعد ثمانية أشهر أفاد الباحثون «أبلغت المريضة أنها لا تزال تستخدم المنبهات طوال اليوم وأنه لم يعد لديها فقدان الوعي».
قالت بلوخ «استطاعت أن تتمرن، وتمشي، وتذهب في البيت من سريرها إلى الحمام دون إغماء … من الواضح أننا لمسنا فرقًا».
لا تُعالج الزرعة الإلكترونية الحالة الأساسية للمريضة، فبعد أسابيع، ظهرت لديها الأعراض المختلفة للضمور الجهازي المتعدد نمط باركنسون (MSA-P) .قال بالما «إن الجراحة لن تفعل شيئًا لوقف الطبيعة المتفاقمة السريعة للمرض».
وقالت إن مرضى MSA بطبيعة الحال سيستخدمون كرسيًا متحركًا حتمًا في غضون ثلاث إلى أربع سنوات من بدء المرض وسيموتون في غضون خمس إلى ثماني سنوات.
قالت بلوخ: «نحن نعلم أننا لن نوقف المرض، ولكن على الأقل هذا العرض لا يزال تحت السيطرة. الأمر ليس مثاليًّا، لكنه أفضل بكثير مما كان عليه قبل العلاج».
قالت بلوخ إنها تتوقع أنهم سيحددون الأمراض الأخرى التي تُحسّن فيها الزرعة الإلكترونية النخاعية حركة المرضى ونوعية حياتهم.
حاليًّا تعمل بلوخ والمؤلف المشارك لها غريغوار كورتين أستاذ علم الأعصاب في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في لوزان (EPFL) مع شركة اونورد ميديكال لتطوير زرعات إلكترونية نخاعية جديدة مصممة خصيصًا لعلاج المرضى مُضعفي الحركة، أو ممن لديهم مشكلات بالضغط الدموي. قالت بلوخ إن أول هذه الأجهزة الحديثة ستُزرع في مايو من هذا العام على الأرجح.
اقرأ أيضًا:
اكْتِشاف جُزيء جديد يمكن أن يوقف الضرر العصبي الذي يُسببه داء باركنسون
الحبسة الكلامية: فقدان القدرة على استخدام اللغة وفهمها
ترجمة: شهاب شاعر
تدقيق: أمنيه يسري محمد
مراجعة: محمد حسان عجك